صحافيات وصحافيون تحت النار في الفاشر: أجساد منتهكة وأصوات محاصرة

توثيق اغتصاب ست صحافيات منذ بداية الحرب، أربع منهن في الفاشر وحدها

في مدينة الفاشر، عاصمة إقليم دارفور غربي السودان، يعيش الصحافيات و الصحافيون واحدة من أكثر اللحظات قسوة في تاريخ المهنة. بين الجوع والمطاردة والاغتصاب، يتحوّل العمل الصحافي إلى فعل مقاومة يومي في حربٍ لا تفرّق بين من يكتب الحقيقة ومن يحاول النجاة بها.

توثيق اغتصاب ست صحافيات منذ بداية الحرب، أربع منهن في الفاشر وحدها

أجساد النساء في مرمى الحرب

في شهادات جمعتها لجنة حماية الصحافيين (CPJ)، تكشف صحافيات سودانيات عن انتهاكات مروّعة تعرّضن لها بسبب عملهن. تروي إحداهن أنها في سبتمبر/أيلول الماضي، تعرّضت لاعتداء جنسي جماعي على يد ثلاثة مسلحين من قوات الدعم السريع بعد اقتحام منزلها في الفاشر. تقول: “دخلوا وسألوني إن كنت صحافية. أمروا عائلتي بالمغادرة، ثم ضربوني واغتصبوني. لم يكن هذا عنفًا عشوائيًا. كان عقابًا على عملي”. وتضيف بأسى: “لم أستطع الحصول على أي علاج، لا وسائل منع حمل ولا مسكنات ولا طبيب واحد يفحصني. المستشفيات مدمّرة والعيادات مغلقة”. وفق منتدى صحافيات دارفور، تم توثيق اغتصاب ست صحافيات منذ بداية الحرب، أربع منهن في الفاشر وحدها، لكن المنظمات الحقوقية تشير إلى أن العدد الحقيقي أعلى بكثير بسبب الخوف من الوصمة ونقص الدعم الطبي والنفسي للناجيات.

 

الصحافة كمخاطرة بالحياة

منذ اندلاع الحرب في السودان في إبريل/نيسان 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع – المنحدرة من مليشيات الجنجويد المتهمة بارتكاب فظائع سابقة في دارفور – تحوّلت الفاشر إلى بؤرة للعنف ومحور استراتيجي للسيطرة على الإقليم. في هذا السياق، أصبحت الصحافة مهنة محفوفة بالخطر. الصحافي حامد هارون يروي للجنة حماية الصحافيين أنه أوقف عند حاجز تابع لقوات الدعم السريع، وبعد تفتيش هاتفه وقراءة تقرير كتبه عن قصف آخر مستشفى في المدينة، اتُّهم بالتعاون مع الجيش واحتُجز 24 ساعة تعرض خلالها للضرب والتعذيب. صحافيان آخران قالا إن صورهما وأسماءهما نُشرت على الإنترنت مع تهديدات بالقتل، في محاولة لإسكات أي صوت يوثّق الجرائم والانتهاكات.

الجوع كسلاح حرب

الخطر لا يقتصر على العنف المباشر، فالمجاعة أصبحت سلاحًا آخر في وجه المدنيات/ين والإعلاميات/ين. تقدّر الأمم المتحدة أن نصف سكان السودان – نحو 25 مليون شخص – يواجهون انعدام الأمن الغذائي، فيما فرّ أكثر من 600 ألف شخص من الفاشر والمناطق المحيطة بها. الأسواق فارغة والمواد الغذائية نادرة وباهظة الثمن، ما يدفع السكان، ومن بينهم الصحافيات/ون، إلى البحث عن أي وسيلة للبقاء. يقول الصحافي جهاد أحمد البدوي: “نعيش على الأمباز الذي نطحنه ونحوّله إلى عصيدة. هو علف للحيوانات، لكنه طعامنا الوحيد. تتشارك العائلات بضع ملاعق وتبقى جائعة”.

حتى لو كتبت تقريرًا جيدًا، لا تنشره باسمك. كل الأطراف تستهدف الصحافيات/ين.

الخوف اليومي والنجاة بالكتابة

الخوف أصبح جزءًا من يوميات الصحافيات/ين. تقول الصحافية التي نجت من الاغتصاب: “الأثر النفسي لا يُطاق، أستيقظ كل يوم على الخوف ذاته. الجميع يخشى العمل أو الكلام”. الصحافية لانا عوض حسن، التي أصيبت برصاصة في ساقها قبل أن تتمكن من الفرار من الفاشر، تؤكد بدورها: “حتى لو كتبت تقريرًا جيدًا، لا تنشره باسمك. كل الأطراف تستهدف الصحافيات/ين، لكننا لا نتوقف”.

الكتابة كفعل بقاء

رغم القصف والجوع والعزلة، يواصل الصحافيون والصحافيات في الفاشر نقل ما يحدث إلى العالم. لا كهرباء، لا إنترنت، لا دواء، ومع ذلك يصرّون على أن تبقى أصواتهم شاهدة على المأساة. يقول أحد الصحافيين من داخل المدينة المحاصرة: “نحن نتضور جوعاً ونُطارَد، لكننا ما زلنا نغطي الأحداث. أصواتنا هي الشيء الوحيد المتبقي”. في حربٍ تمزّق الجسد والذاكرة، تصبح الكلمة آخر ما يمكن إنقاذه، وأقوى أشكال المقاومة في وجه العنف، والإنكار، والصمت المفروض على الحقيقة.

 

(المصدر: العربي الجديد)

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد