
مقتل 17 طفلًا/ة في الفاشر وترحيل 106 امرأة من الخرطوم إلى وانطو الحدودية
تتحوّل السودان يومًا بعد آخر إلى بيئة خطرة تهدّد النساء والأطفال/الطفلات، إذ لا تتوقّف جرائم القتل والاختطاف والعنف المرتكبة ضدّهم/نّ بمختلف أشكالها وصورها.
حتى الملاجئ أو الملاذات التي يُفترض أن تكون آمنة، باتت تتحوّل يومًا بعد يوم إلى منفى يلفظون/يلفظن خارجه، لما يواجهونه/يواجهنه من مخاطرٍ إن لم تُؤدِّ إلى الموت، فقد تُخلّف ضررًا جسديًا أو نفسيًا يلازمهم/يلازمهنّ إلى الأبد.
ومن بين أشكال الانتهاك التي تواجهها النساء السودانيات: الترحيل القسري. إذ قامت السلطات السودانية بترحيل 106 من النساء الجنوب سودانيات من ولاية الخرطوم إلى منطقة وانطو الحدودية، في عملية وُصفت بأنّها تمت بالإكراه وعلى متن حافلاتٍ سياحية. وأوضحت السلطات أنّ من بين المرحّلات 61 امرأة تركن أطفالهن/طفلاتهنّ في الخرطوم، ما أثار قلقًا واسعًا بشأن مصير هؤلاء الأطفال/الطفلات الذين ظلّوا دون ذويهم/نّ في العاصمة السودانية.
وقد أثارت هذه الخطوة ردود فعلٍ رسمية وشعبية في جنوب السودان، وسط مطالباتٍ متزايدة بضرورة احترام الحقوق الإنسانية للمواطنين/ات الجنوب سودانيين/ات المقيمين/ات في السودان، خاصة في ظلّ الظروف الأمنية والإنسانية المعقّدة التي تمرّ بها البلاد.
أكثر من 60 إمرأة جنوب سودانية رُحلت وتركت أطفالها خلفها لمصير مجهول
ترحيلٌ إجباري للنساء وفصلهنّ عن أطفالهنّ
اقتادت السلطات السودانية النساء من الشوارع والمنازل، واحتجزتهنّ في مراكز مؤقتة قبل عملية الترحيل.
وقال دييق دينق لويث، محافظ مقاطعة الرنك، إنّ “النساء اقتيدن إلى الحدود في ظروفٍ إنسانية صعبة، تتعارض مع احترام كرامة الإنسان، وإنّ الكثير من هؤلاء النساء تركن أطفالهنّ من دون معرفة أيّ معلومات عن أوضاعهم/أوضاعهنّ أو أماكن تواجدهم/نّ”.
وفي هذا السياق، وجّه المحافظ بحجز الحافلات التي قامت بعملية الترحيل إلى حين إعادة الأطفال/الطفلات إلى ذويهم/نّ، كما قدّمت بعض المنظمات الإنسانية مساعداتٍ طارئة للنساء المرحّلات، في محاولةٍ للتخفيف من آثار الوضع الذي وجدن أنفسهنّ فيه.
قلقٌ يسيطر على النساء المرحّلات بسبب أطفالهنّ
وصفت بعض النساء المرحّلات عملية ترحيلهنّ بأنّها تمت بشكلٍ مفاجئ ومن دون أيّ إجراءاتٍ مسبقة، وعبّرن عن وضعهنّ المأساوي، خاصةً أنّهنّ اضطررن لترك أطفالهنّ/طفلاتهنّ من دون أيّ رعايةٍ أو حماية.
هذا الوضع يزيد من تعقيد الأزمة الإنسانية، ويطرح تساؤلاتٍ حول آليات التعامل مع المواطنين/المواطنات الأجانب/الأجنبيات في السودان خلال فترات النزاع.
تضيف هذه الشهادات بُعدًا إنسانيًا عميقًا للقضية، وتدفع باتجاه ضرورة مراجعة السياسات الأمنية والإدارية المتعلّقة بترحيل الأفراد، بما يضمن احترام الحقوق الأساسية، وعدم المساس بالروابط الأسرية.
من جانبها، عبّرت منظمات المجتمع المدني في ولاية أعالي النيل عن قلقها البالغ إزاء ما وصفته بالإبعاد القسري للنساء الجنوب سودانيات من السودان، مشيرةً إلى أنّ ما يحدث في الخرطوم يمثّل مصدر قلقٍ حقيقي للمنظمات الحقوقية والإنسانية.
وقال سولانا جرمايا، رئيس منظمات المجتمع المدني في الولاية، في تصريحاتٍ لراديو تمازج، إنّ “الوضع الراهن يتطلّب تدخّلًا عاجلًا من حكومتي السودان وجنوب السودان لتنسيق جهود الترحيل، مع التأكيد على ضرورة احترام كرامة الإنسان وفقًا لما تنصّ عليه المواثيق الدولية”.
كما ناشد السلطات السودانية السماح للأمهات بالعودة إلى الخرطوم لاصطحاب أطفالهنّ/طفلاتهنّ والعودة بهم/نّ إلى جنوب السودان، مؤكّدًا أنّ الفصل بين الأمهات وأطفالهنّ يمثّل انتهاكًا صارخًا للحقوق الإنسانية.
ومنذ تصاعد النزاعات في السودان في نيسان/ أبريل 2023 وحتى اليوم، نزحت حوالي 52% من النساء السودانيات وفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة، غير أنّ هذه الإحصائيات لم تذكر أرقامًا واضحة عن النساء الجنوب سودانيات اللواتي رُحّلن قسرًا أو نزحن بسبب النزاع.
ودعا محافظ الرنك حكومة ولاية أعالي النيل والحكومة القومية في جنوب السودان إلى الضغط على السلطات السودانية لضمان حسن معاملة المواطنين/المواطنات الجنوب سودانيين/ات المقيمين/ات في السودان، وترتيب إجراءات ترحيلهم/نّ بشكلٍ منظم يحترم كرامتهم/هنّ وحقوقهم/هنّ الإنسانية. كما حمّل حكومة ولاية الخرطوم مسؤولية الأطفال/ـلات الذين تُركوا دون ذويهم/نّ، معتبرًا ذلك انتهاكًا واضحًا للأعراف الإنسانية.
9 فتيات، و8 أولاد، بينهم رضيع، قُتلن/وا في هجوم على مركز للنازحين/ات في الفاشر.
الأطفال/الطفلات هم الضحايا دائمًا
وبينما تُرك الأطفال/الطفلات الجنوب سودانيون/يات بلا ذويهم/نّ في مصيرٍ مجهول، واجه أطفال/طفلات مركز النازحين في الفاشر الموت في الجانب الآخر من السودان.
وأفادت اليونيسف في بيانٍ أصدرته يوم الأحد 12 تشرين الأول/أكتوبر، بأنّ الهجوم وقع في منشأةٍ تؤوي عائلاتٍ نازحة بسبب النزاع الدائر في المنطقة.
وقالت كاثرين راسل، المديرة التنفيذية للمنظمة، إنّ “هذا الهجوم المدمّر على الأطفال والعائلات النازحة أصلًا والتي تبحث عن الأمان، أمرٌ مشين”.
وأضافت أنّ قتل الأطفال/الطفلات وإصابتهم/نّ يعدّ انتهاكًا جسيمًا لحقوقهم/نّ، وأنّ الهجمات على المدنيين/ات في أماكن يُفترض أن توفّر لهم/نّ الأمان والملجأ أمرٌ غير معقول.
قُتل في هذا الهجوم 17 طفلًا/طفلة: 9 فتيات و8 أولاد، من بينهم رضيع يبلغ من العمر 7 أيام.
وهذا لم يكن الانتهاك الأول الذي يتعرّض له الأطفال/الطفلات في السودان، فمع تصاعد الأزمة منذ عام 2023، واجه حوالي 2000 طفل/ة مختلف أشكال العنف، من قتلٍ وتشويهٍ وتهجيرٍ واختطافٍ وانتهاكٍ وتجنيد، وفق تقارير الأمم المتحدة.
كما تعرّض حوالي 1000 طفل/ة للاختفاء القسري بين عامي 2023 و2024، فيما قُتل نحو 3000 طفل/ة، بحسب إحصائية أجراها المجلس الوطني لرعاية الطفولة في السودان في أيلول/ سبتمبر 2024.