
من “ملاك” إلى متهم باستغلال اللاجئات جنسيًّا في تركيا
سعد الدين كاراغوز، مؤسس جمعية “شريان حياة” الخيرية
في حيّ “ألتنداغ” بالعاصمة التركية أنقرة، الذي يُعرف بين السوريين/ات باسم “حلب الصغيرة”، كانت نساء كثيرات يرين في سعد الدين كاراغوز – مؤسس جمعية “شريان حياة” الخيرية – طوق نجاة من الجوع والبرد والعوز. بالنسبة لهن، بدا “ملاكًا أُرسل من السماء” في زمنٍ تُركن فيه وحيدات، بلا حماية ولا موارد.
لكنّ شهادات ثلاث لاجئات سوريات قلبت هذه الصورة رأسًا على عقب، كاشفةً عن نمطٍ من الاستغلال الجنسي الممنهج الذي تسهّله هشاشتهن الاجتماعية والاقتصادية، وتغذّيه بيئة من السكوت والخوف وغياب المساءلة.
بابي مفتوح لكِ… وعندما ذهبت، أمسك بي وبدأ بتقبيلي. صرخت، شعرت أنه سيغتصبني.
لاجئات ناجيات
شهادات: عنف مغلّف بالمساعدة
تروي مدينة، وهي أمّ لثلاثة أطفال فرت من الحرب في حلب عام 2016، كيف لجأت إلى الجمعية طلبًا للحليب والملابس بعد أن تخلّى عنها زوجها واشتدّ مرض ابنها. لكنّ المساعدة تحوّلت إلى تهديد. تقول:
“قال لي: بابي مفتوح لكِ… وعندما ذهبت، أمسك بي وبدأ بتقبيلي. صرخت لأني شعرت أنه سيغتصبني.”
لاحقها لاحقًا إلى بيتها، يهددها بإعادتها إلى سوريا إن أفصحت عمّا جرى. خوفًا من الانتقام والوصم، لم تُبلغ الشرطة.
أما ندى (27 عامًا)، فبدأت قصتها على وعدٍ بالمساعدة أيضًا. تقول:
“في المرة الأولى قال لي: لن أساعدكِ إلا إذا جئتِ معي إلى شقة خالية… وعندما رفضت، قال لن يستغرق الأمر 10 دقائق.”
في زيارة أخرى، تحرش بها جسديًا داخل غرفة خلف ستارة في المتجر، قبل أن تهرب باكية وتحذر نساءً أخريات.
“قال لي: لا تتوتري، هذا طبيعي.”
وتروي بتول، وهي أمّ عزباء لثلاثة أطفال انتقلت لاحقًا إلى ألمانيا، كيف مدّ يده إلى جسدها أثناء تسليم المساعدات:
“وضع يديه على مؤخرتي… غضبت وخرجت فورًا.”
كلّ النساء الثلاث التزمن الصمت خوفًا من اللوم الاجتماعي ومن فقدان الإقامة أو المساعدات. تقول إحداهن:
“من سيستمع إلينا؟ من يهتم بأوضاعنا؟”
View this post on Instagram
رغم ورود شكاوى في 2019 و2025 واستجوابه مرتين، أُغلقت القضايا.
الاستغلال البنيوي: عندما تُدار المساعدات كمساحة سلطة
تحقيق “بي بي سي نيوز تركية” الذي استمرّ عامًا كاملاً، كشف أن سبعة شهود آخرين – بينهم/ن موظفان سابقان – أكدوا/ن رؤيتهم/ن أو سماعهم/ن عن اعتداءات ارتكبها كاراغوز بين عامي 2016 و2024.
رغم ذلك، لم تُوجَّه إليه أي تهمة قضائية حتى الآن، بحجة “نقص الأدلة”، في تكرار لنمط من الإفلات من العقاب في قضايا العنف الجنسي ضد النساء اللاجئات.
“اعتدنا رؤيته يتحرش بالنساء في الغرفة الصغيرة خلف مكتبه”، يقول موظف سابق.
ورغم ورود شكاوى في 2019 و2025 واستجوابه مرتين، أغلقت القضايا. حتى تحقيق مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين/ات عام 2022 لم يُفضِ إلى إجراء، لأن الشهود “غير مستعدين/ات لتقديم شكاوى رسمية” خوفًا من الترحيل أو الانتقام.
عام 2020، حصلت الجمعية على جائزة محلية، وفي 2025 داهمت الشرطة مقرّها وعلّقت أعمالها مؤقتًا.
الجمعية التي تحولت من ملاذ إلى فخّ
كاراغوز، وهو موظف بنك متقاعد، يقول إن جمعيته خدمت أكثر من 37 ألف شخص على مدى عقد، نافيًا جميع الاتهامات. ويؤكد أن المقر “مراقب بالكاميرات”، وأنه لا يمكنه أن يكون بمفرده مع أي امرأة.
لكنّ النساء يتحدثن عن غرفة خلف ستارة تُستخدم لتوزيع المساعدات بعيدًا عن الأنظار، المكان ذاته الذي وصفنه كموقع للتحرش.
عام 2020، حصلت الجمعية على جائزة محلية، وفي 2025 داهمت الشرطة مقرّها وعلّقت أعمالها مؤقتًا.
لاحقًا غيّر كاراغوز اسم الجمعية إلى “جمعية وجبتي المنزلية” وسجلها رسميًا، في محاولة لإعادة تلميع صورتها.
عدالة غائبة… ومجتمع يلوم الناجيات
رغم شهادات النساء، تصرّ السلطات على “عدم كفاية الأدلة”.
تقول إحدى الناجيات: “لم أستطع الوثوق بأي رجل… أصبحت منعزلة ومكتئبة. أردت الموت.”
وتضيف أنها لا تزال ترى المعتدي في كوابيسها، بعد أن فقدت ابنها السابع.
هذه القصص لا تكشف فقط عن انتهاك فردي، بل عن نظام حماية هشّ يُعرّض اللاجئات للاستغلال في غياب آليات مساءلة فعّالة، وعن ثقافة لوم الضحية التي تُسكت الناجيات وتُبقي المعتدين في موقع القوة.
عندما تُصبح المساعدة أداة للهيمنة
يُظهر التحقيق أن الخلل ليس في الأفراد وحدهم، بل في بنية المساعدات الإنسانية التي تترك النساء اللاجئات في موقع التبعية المطلقة، دون ضمانات تحميهن من الاستغلال.
إن الجمع بين الفقر، والوصمة، والاعتماد على “فاعل خير” متحرش، يصنع دائرة مغلقة من العنف الصامت الذي نادرًا ما يُحاسَب عليه أحد.
(المصدر : بي بي سي)