تونس: تقرير يوثّق 149 اعتداءً ضد الصحافيات/ين و50 حالة خطرة

تقرير السلامة المهنية للنقابة الوطنية 2025

يسجّل تقرير السلامة المهنية للنقابة الوطنية للصحافيات/ين التونسيات/ين لسنة 2024–2025 عامًا جديدًا من التوتر المتصاعد بين الصحافة والسلطات التنفيذية والأمنية، في سياق سياسي وتشريعي شديد الاضطراب.

ورغم أن تونس شهدت خلال السنوات الأخيرة تغيّرات واسعة في المشهد السياسي والقانوني، فإن غياب رؤية حكومية واضحة لحماية حرية الصحافة، وتراجع آليات التنسيق مع النقابة، أفرزا مناخًا مهنيًا هشًّا يتّسم بانكماش المساحات الآمنة للعمل الميداني.

وتبرز الصفحات الأولى للتقرير استمرار أزمة الإطار القانوني المنظّم لحرية التعبير، حيث يبقى غياب قانون شامل للنفاذ إلى المعلومة، واعتماد المرسوم 54، من أبرز التحديات التي تعيق حق المواطنين في إعلام مستقلّ. كما تتفاقم الضغوط الاقتصادية على المؤسسات الإعلامية، ويتراجع استقلال الخطوط التحريرية، في ظل تصاعد حملات التشويه والتحريض الرقمي، واستخدام الفضاء الإلكتروني لاستهداف الصحافيات/ين، خصوصًا عند تغطية الملفات السياسية أو قضايا الفساد.

ويشير التقرير إلى أنّ الانتهاكات لم تعد حوادث معزولة، بل جزء من نمط مستمر يعكس ضعف الاستجابة الرسمية لتوصيات السنين الماضية، واستمرار الإفلات من العقاب. ويأتي إصدار هذا التقرير بالتزامن مع اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب، ليعيد تسليط الضوء على واقع تتقلّص فيه الحماية وتتزايد فيه المخاطر على العاملين والعاملات في الحقل الإعلامي.

فبين 15 تشرين الأول/أكتوبر 2024 و15 تشرين الأول/أكتوبر 2025، وثّقت وحدة الرصد 149 اعتداءً طاولت 164 صحافيًّا/ةً، بينهم/ن 70 صحافية و 94  صحافيًا، ينتمون إلى 58 مؤسسة إعلامية، منها 43 مؤسسة تونسية و15 مؤسسة أجنبية.  وعلى الرغم من تراجع العدد مقارنة بمعدلات تراوحت بين 210  و232 حالة سنويًا خلال السنوات الخمس الماضية، فإن طبيعة الاعتداءات -جسدية ولفظية ورقمية وقضائية- تؤكد انتقالها إلى مستوى أكثر عنفًا وتحريضًا.

تونس العاصمة تتحوّل إلى أخطر منطقة للعمل الصحفي.

توزيع الاعتداءات زمنيًا

شهدت الأشهر الإثنا عشر تنوعًا في مستويات الاعتداءات، لكن بعضها شكّل ذروة لافتة. ففي الفترة الممتدة بين 15 و31 تشرين الأول/ أكتوبر 2024 سُجّل 5 اعتداءات، ثم 6 في تشرين الثاني/ نوفمبر، و13 في كانون الأول/ ديسمبر.

ومع بداية العام 2025، سُجلت (11 حالة) في كانون الثاني/ يناير، و(8 حالات) في شباط/ فبراير، و(10 حالات) في آذار/ مارس، ثم قفز العدد إلى (17 حالة) في نيسان/ أبريل، وبلغ ذروته في أيار/ مايو بـ 18 اعتداءً؛ وهو أعلى رقم شهري لهذا العام. بعدها تراجع العدد إلى (8 حالات) في حزيران/ يونيو، ثم ارتفع مجددًا إلى (16 حالة) في تموز/ يوليو، قبل أن يعود إلى (9 حالات) في آب/ أغسطس، و(13 حالة) في أيلول/ سبتمبر، و(15 حالة) في النصف الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2025.

توزيع جغرافي يرسّخ مركزية الخطر في العاصمة

تؤكد البيانات أنّ العاصمة تونس بقيت النقطة الأكثر خطورة للعمل الصحفي، إذ سجلت وحدها 98 اعتداءً. تلتها سوسة بـ (23 حالة)، ثم نابل بـ(18 حالة)، وصفاقس بـ (7 حالات)، والمهدية بـ(6 حالات)، وبنزرت، وقفصة، ومدنين، والكاف، وقابس، وتوزر ب(حالة واحدة) لكل منها. كما سجل التقرير (حالتين) خارج تونس، في فلسطين، أثناء مرافقة صحافيات/ين تونسيات/ين لأسطول كسر الحصار على غزة.

منع العمل

من بين الانتهاكات الأبرز (26 حالة) منع من العمل، وهي حالات اعتبرها التقرير حرمانًا مباشرًا من الحق في الوصول إلى المعلومة. شملت الحالات منع التصوير، أو إبعاد الصحافيات/ين من أماكن التغطية، أو منعهم/ن من دخول فضاءات عمومية، أو رفض الإدارات توفير المعطيات الأساسية لهم/ن.

توزعت الجهات المسؤولة عن هذا المنع بين أعوان الأمن (8 حالات)، والمكلّفين/ات بالاتصال (5 حالات)، وإدارات مؤسسات إعلامية (حالتان)، إضافة إلى حالات فردية نفذها مسؤولون حكوميون، ومنظمو/ات مهرجانات، وموظفون/ات عموميون/ات، ومحتجون/ات ومواطنون/ات.

أما جغرافيًا، فقد تركز المنع في تونس العاصمة بـ (15 حالة)، تلتها سوسة ب(حالتين)، و(حالة واحدة) في كل من بنزرت، الكاف، صفاقس، المهدية، قفصة، مدنين، توزر، وبن عروس.

واحد فقط من كل خمسة اعتداءات خطرة يُترجم إلى شكوى… ولا حكم قضائي واحد خلال العام.

المضايقات المهنية

سجّل التقرير (26  حالة) مضايقة تعمدت فيها جهات مختلفة إعاقة العمل الصحفي، عبر التضييق الميداني أو التهديد غير المباشر أو التحكم في مسارات التغطية. وتوزعت هذه الانتهاكات بين إعلاميين/ات (4 حالات)، ومسؤولين/ات محليين/ات وحكوميين/ات وأمنيين/ات (9 حالات)، ومواطنين/ات (حالتان)، ومحتجين/ات، وفاعلين/ات في المجال الرياضي، وإدارات مؤسسات إعلامية (3 حالات)، وشركات خاصة.

وتركزت المضايقات جغرافيًا في تونس بـ (17 حالة)، تلتها نابل بثلاث، ثم سوسة بـ(حالتين)، و(حالة واحدة) في قابس وسيدي بوزيد وبنزرت وبن عروس.

التتبعات القضائية خارج مرسوم 115

بين 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2024 و15 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، سجل التقرير (21 حالة) تتبع قضائي ضد الصحافيات/ين خارج الإطار القانوني المنظم للصحافة (المرسوم 115). اعتمدت 10 ملفات على مرسوم 54، و8 على المجلة الجزائية، و2  على قانون مكافحة الإرهاب، وملف واحد على مجلة الاتصالات.

أمّا الجهات التي بادرت بهذه التتبعات، فتوزعت بين النيابة العمومية (8 حالات)، والمواطنين/ات (4 حالات)، وإدارات مؤسسات إعلامية (3 حالات)، وهيئات مستقلة (حالتان)، وأمنيين (حالة واحدة)، وموظفين/ات عموميين/ات (حالة واحدة)، وإعلاميين/ات (حالة واحدة).

وتوزعت القضايا على المحاكم في تونس (11 قضية)، وسوسة (قضيتان)، وسيدي بوزيد (قضية واحدة)، وبنزرت (قضية واحدة)،  والقيروان (قضية واحدة)، ونابل (قضية واحدة)، والمنستير  (قضية واحدة).

التحريض الرقمي أصبح سلاحًا مركزيًا ضد الصحفيات/ين

حجب المعلومات

رصد التقرير (16 حالة) حجب للمعلومات، نفذتها جهات حكومية ومحلية ومؤسسات إعلامية. وتوزعت المسؤوليات بين مسؤولين محليين (5 حالات)، ومكلفين بالاتصال ( 4 حالات)، وموظفين عموميين (3 حالات)، وإدارات إعلامية (حالتان)، إضافة إلى حالتين تورطت فيهما جهات قضائية.

جغرافيًا، توزعت الحالات بين تونس وبن عروس (4 حالات)، وسيدي بوزيد (3 حالات)، وقفصة (حالتان)، وصفاقس (حالتان)، وسوسة (حالة واحدة)، ونابل (حالة واحدة)، والقيروان (حالة واحدة)، وتوزر (حالة واحدة).

التحريض عبر المنصات الرقمية

يمثل التحريض واحدًا من أخطر الاعتداءات المسجلة، إذ بلغ عددها (25 حالة)، بينها 18 حملة عبر شبكات التواصل الاجتماعي استهدفت صحافيات وصحافيين مباشرة، إلى جانب حالات فردية نفذها إعلاميون/ات، وسياسيون/ات، ورؤساء بلديات، ومحامون/يات.

تركزت هذه الاعتداءات في تونس العاصمة بـ (23 حالة)، و(حالة واحدة) في سوسة، وأخرى في سيدي بوزيد.

الرقابة المسبقة والتدخل في المحتوى

تنوّعت أشكال الرقابة بين تدخل إدارات مؤسسات إعلامية في المحتوى (4 حالات)، وتدخل من مسؤولين حكوميين ومكلفين بالاتصال (حالتان). وسُجّلت هذه التدخلات أساسًا في تونس (4 حالات)، إضافة إلى حالة في سوسة وأخرى في الكاف.

التهديد يصل فلسطين

سُجلت (14 حالة) اعتداء جسدي، بينها (12 حالة) في تونس، وواحدة في سوسة، وواحدة في فلسطين خلال تغطية أسطول كسر حصار غزة، حيث استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي صحفيات/ين تونسيات/ين.

وتوزع المسؤولون عن الاعتداءات الجسدية بين أعوان الأمن (6 حالات)، ومحتجين (حالتان)، ومواطنين (حالتان)، ورياضيين ومسيري جمعيات (حالتان)، إلى جانب محامين وناشطين.

ووثّق التقرير 4 حالات احتجاز تعسفي، حالتان داخل تونس، وحالتان نفذتهما قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق صحافيات/ين تونسيات/ين مشاركات/ين في أسطول كسر الحصار.

كما سُجّل 9 اعتداءات لفظية، منها 8 في تونس وحالة واحدة في سيدي بوزيد. كما وثّق التقرير حالتَي تهديد، كلتاهما في تونس.

العنف الرقمي الميسّر تكنولوجيًا

بفعل التطور التقني وتفاقم الحملات الرقمية، سجّل التقرير 46  اعتداءً رقميًا تدرج ضمن العنف الميسّر تكنولوجيًا. توزعت بين التحريض (23 حالة)، والتتبعات القضائية الرقمية (13 حالة)، والمضايقات (5 حالة)، والاعتداءات اللفظية (حالتان)، والرقابة الرقمية (حالتان)، ومنع النشر (حالة واحدة).

أما الجهات المسؤولة، فتنوّعت بين نشاط على شبكات التواصل (20 حالة)، وإدارات مؤسسات إعلامية  (7 حالات)، وجهات قضائية (5 حالات)، وإعلاميين (3 حالات)، ومواطنين (حالتان)، إضافة إلى جهات رياضية وطبية وتنظيمية وشركات خاصة.

العنف القائم على النوع الاجتماعي

يشير التقرير إلى (13 حالة) اعتداء قائمة على النوع الاجتماعي، استهدفت صحافيات على أساس الجندر. توزعت بين (6 حالات) تحريض، و(4 حالات) اعتداءات لفظية، و(حالتي) مضايقة، و(حالة واحدة) اعتداء جسدي.

أماكن وقوع الاعتداءات شملت المنصات الرقمية (9 حالات)، والشارع (3 حالات)، ومؤسسة إعلامية واحدة.

الاعتداءات الأكثر خطورة

من بين 149 اعتداء، رصدت وحدة الرصد 50 حالة خطيرة بلغت مستوى يهدد السلامة الجسدية والنفسية. توزعت بين (8 حالات) تحريض مباشر، و(4 حالات) اعتداءات جسدية، و(4 حالات) لفظية، وحالتي تهديد.

تنوعت الجهات المسؤولة بين نشاط على شبكات التواصل (7 حالات)، ومواطنين/ات (حالتان) وأعوان أمن (حالتان)، إضافة إلى محامين ومحتجين وموظفين في مؤسسات خاصة وفاعلين رياضيين وناشطين وإعلاميين.

جغرافيًا، سُجلت الحالات في تونس (16 حالة)، وسوسة (حالة واحدة)، وسيدي بوزيد (حالة واحدة)، وبنزرت (حالة واحدة)، والقيروان (حالة واحدة)، ونابل (حالة واحدة) ، وقابس (حالة واحدة)، إضافة إلى حالة واحدة في فلسطين.

الشكاوى القضائية

على الرغم من تسجيل 50  اعتداءً خطيرًا، لم يُرفع سوى 10 شكاوى فقط، أي بنسبة 20% من مجمل الحالات. ويلاحظ التقرير تراجعًا حادًا في الإقدام على تقديم شكاوى عبر السنوات: فقد بلغت النسبة 54% سنة 2021، ثم 36% في 2022 و2023، و26% في 2024، لتنخفض إلى 12.5% فقط سنة 2025.

وُجهت الشكاوى إلى وكلاء الجمهورية في سبع مناسبات، وإلى مراكز الأمن في حالتين، وإلى فريق مناهضة العنف ضد النساء في حالة واحدة. وبشأن الاعتداءات الجسدية تحديدًا، لم تُسجّل سوى شكوى واحدة لدى وكيل الجمهورية في تونس.

سنة أخرى تُثبت أن حرية الصحافة بلا حماية

يخلص التقرير إلى أنّ الاعتداءات المرتكبة ضد الصحافيات/ين في تونس لم تفقد حدّتها رغم تراجعها العددي. ورغم الجهود التي تبذلها النقابة الوطنية للصحافيات/ين التونسيات/ين لتوثيق الانتهاكات، فإن مؤشرات الإفلات من العقاب ما زالت مرتفعة، وغياب الإرادة السياسية لإرساء منظومة حماية شاملة يضاعف هشاشة البيئة الإعلامية، ويحوّل ممارسة الصحافة إلى مهمة مليئة بالمخاطر.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد