ليبيا: قرار أمني يقيّد التصوير الدعائي للنساء بذريعة “الآداب العامة”

أعلن جهاز حماية الآداب العامة في شرق ليبيا تشديد الرقابة على المحتوى الدعائي الذي تشارك فيه النساء، عبر منع صانعات المحتوى وأصحاب المحالّ التجاريّة من تصوير أو تسويق الأنشطة والمنتجات على وسائل التواصل الاجتماعي، إلّا بعد الحصول على تصريحٍ مسبق. جاء القرار عقب انتشار مقاطع دعائيّة لمنتجات تجميل وملابس أثارت اعتراضات بدعوى “مخالفة الذوق العام”، ما فجّر جدلًا واسعًا داخل المجتمع الليبي حول حدود الحشمة، ودور الدولة، وحقوق النساء في الفضاء العام والمهني.

وبرّر الجهاز الإجراء برغبته في “الحفاظ على العادات والتقاليد وضبط المحتوى المرئي”، محذّرًا من اتّخاذ إجراءات قانونيّة بحقّ المخالفين، ومطالبًا المصوّرين وصنّاع المحتوى وأصحاب المحالّ بالتقدّم بطلبات ترخيص قبل أيّ تصوير دعائي.

غياب السند القانوني: رقابة مسبقة بلا معايير

لا يشير بيان جهاز حماية الآداب إلى أيّ نصّ قانوني يمنحه صلاحيّة فرض رقابة مسبقة على المحتوى الإعلاني، كما لا يحدّد ما الذي يُعتبر “مخلًّا بالحياء”، ولا يضع معايير واضحة أو مكتوبة يمكن الاحتكام إليها. هذا الغموض يجعل القرار خاضعًا للتفسير الشخصي لعناصر الأمن، ويفتح الباب أمام التعسّف، خصوصًا أنّ الرقابة هنا تُفرض قبل النشر، وهي ممارسة ترتبط عادةً بحالات استثنائيّة تتعلّق بالأمن القومي، لا بالإعلانات التجاريّة أو أنشطة التجميل واللياقة.

 

النساء في الواجهة: حين تُحوَّل المهنة إلى شبهة

يكشف القرار عن مقاربة تُعامِل الوجود النسائي في الفضاء المهني بوصفه موضع اشتباه يحتاج إلى إذن ورقابة، لا حقًّا طبيعيًّا في العمل والتعبير. فالتركيز ينصبّ حصريًّا على الأنشطة التي تديرها النساء أو يظهرن فيها، من دون أيّ إشارة إلى ضوابط مماثلة للأنشطة التي يديرها الرجال، ما يعكس تمييزًا جندريًّا واضحًا يُغلَّف بخطاب الفضيلة.

وفي هذا السياق، حذّرت الناشطة الحقوقيّة عبير أمنينه من الانزلاق نحو “منع كلّ ما هو نسائي”، معتبرةً أنّ القرار غامض وغير محدّد، ويمكن استخدامه كأداة لتعطيل أعمال النساء في مجالات التجميل والدعاية والتصوير. ودعت إلى نقل النقاش من منطق المنع الأمني إلى تنظيمٍ قانونيٍّ حقيقي يضع قواعد مهنيّة واضحة تشمل الجميع، بدل ترك مصائر النساء رهينة اجتهادات أمنيّة.

 

وصاية مُقنَّعة باسم الآداب العامة

تكمن خطورة القرار أيضًا في استخدام مصطلحات فضفاضة مثل “الآداب العامة” و”خدش الحياء” و”العادات والتقاليد”، وهي عبارات طالما استُخدمت لتقييد الحريّات العامّة والفرديّة، ولا سيّما حريّات النساء. منح جهاز أمني صلاحيّات واسعة لتقييم الأخلاق والمحتوى يكرّس وصاية أخلاقيّة على المجتمع، ويحوّل الفضاء العام إلى مساحة مراقبة، تُطال النساء فيها أوّلًا وبشكلٍ غير متكافئ.

في المقابل، رأى مؤيّدو القرار أنّه إجراء ضروري لاحترام القيم المجتمعيّة، معتبرين أنّ بعض الإعلانات “تجاوزت الحشمة” واستغلّت المرأة تجاريًّا. وذهب بعضهم إلى توصيف المرأة بأنّها “جوهرة لا سلعة”، في خطابٍ يُفترض أنّه دفاع عنها، لكنّه في جوهره يسلبها حق الاختيار، ويعيد إنتاج صورة المرأة ككيان يجب حمايته عبر المنع لا عبر الحقوق.

في المقابل، طالب آخرون بتنظيم قطاع الدعاية والإعلان بدل فرض حظرٍ عام على تصوير الأنشطة النسائيّة، مشدّدين على أنّ المشكلة لا تكمن في النساء، بل في غياب معايير مهنيّة واضحة، وأنّ التنظيم الحقيقي يبدأ بتطبيق القانون على الصفحات المخالِفة، وحماية الخصوصيّة، لا بمصادرة حقّ النساء في العمل والظهور.

كما اعتبرت رئيسة الاتحاد النسائي الليبي العام، فتحيّة البخبخي، أنّ مثل هذه القرارات تمثّل تراجعًا خطيرًا، وتُظهِر حجم التمييز القائم على الجندر، بما يهيّئ مناخًا عامًّا تُكرَّس فيه سيطرة الرجال مقابل تقليص أدوار النساء في الحياة العامّة والاقتصاديّة.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد