4 سنوات من الرعب الرقمي… فتاة تواجه التهديد والابتزاز وحدها والمؤسسات غائبة

قفصة- تونس

في قلب مدينة قفصة جنوب تونس تعيش شابة تونسية كابوسًا مستمرًا منذ أربع سنوات. تهديدات، رسائل ابتزاز، سرقة صور خاصة، صفحات وهمية، وتشويه سمعة طالها وطال عائلتها وخطيبها.

أربع سنوات من الانتهاكات الرقمية المتواصلة وأربع سنوات من غياب الحماية. جريمةٌ تضطر لمواجهتها بنفسها، رغم كل الاستغاثات التي وجّهتها لمراكز الأمن ومؤسسات حماية النساء الفتيات.

خرجت الشابة من مركز الأمن كما دخلت، بلا حماية بلا متابعة وبلا قرار رسمي يضع حدًا لمعتدٍ ما يزال حرًّا يتحرك بالاسم نفسه والرقم نفسه والحساب نفسه.

هذه القضية التي تتجاوز حدود الفرد تكشف الهوّة الواسعة بين القانون الذي يُجرّم العنف الرقمي ضد النساء وبين واقع يومي تواجه فيه الضحايا/ الناجيات مجرمين بلا رادع، في ظل ضعف التكوين لدى العناصر الأمنية والاستخفاف بالجرائم الرقمية وتهميش أصوات النساء.

بداية الحكاية… انتحال صفة ضابط أمن وسياق الخديعة

تروي الناجية أنّ بداية الانتهاكات جاءت حين تعرفت على رجل قدّم نفسه باسم محمد الماجري وادّعى أنه ضابط أمن.

“جاني بكلام معسول.. قدر يبني ثقة بيناتنا”، تقول الناجية أن كان كلامه مقنعًا ولغته واثقة، وقد قدّم نفسه كحامٍ قبل أن يصبح لاحقًا المهدِّد الأول.

مع الوقت بدأت الحقيقة تتكشف، الرجل ليس ضابطًا ولا قريبًا من الجهاز الأمني. بل متحيّل محترف يستعمل الأسلوب نفسه مع نساء كثيرات اقتحام حياتهن اكتساب الثقة ثم تحويل العلاقة إلى مساحة تهديد وسيطرة.

من كلمة السر إلى سرقة الحياة الخاصة

بعد خلافٍ قصير قامت الناجية بحظره. لكنّه عاد معتذرًا ومتلطفًا مُقنعًا إياها بإعطائه فرصة جديدة.

تقول: “سامحته. لكن من بعد طلب كلمة السر الفايسبوك متاعي… وما إن حصل عليها حتى بدأ الكابوس”. دخل حسابها، نسخ صورها ومحادثاتها مع صديقاتها، وبدأ يهدد باستعمالها للسيطرة عليها:

“يا تعمل اللي نحب عليه يا نعمل ونعمل… هزّلي صوري… هزّلي محادثاتي… وفبرك مساجات وبعثهم لروحو على أساس أنا بعثتهم.”

لم يكتفِ بها. استهدف أختها أيضًا: “فتح حسابًا وهميًا باسمها، نشر عليه صورًا مركّبة وفيديوهات مفبركة، بنفس الأسلوب الذي استعمله معها”.

هكذا تحوّل الابتزاز من علاقة شخصية إلى عنف رقمي شامل موجّه ضدها وضد أسرتها.

تشويه السمعة… وتدمير الحياة الاجتماعية

توسّع مجال الجريمة. لم يعد يستهدف الضحية فقط، بل أصبح يُرسل صورًا مفبركة إلى أقاربها، جيرانها، وحتى خطيبها. “عاد يبعث للناس ينسنسو عليّا… يسمّم في علاقاتي. وبعد ما سمع بخطوبتي رجع يهدد باش يفضحني.”

أنشأ المنتهك حسابًا وهميًا باسمها، نشر فيه صورًا عارية مركّبة وصورًا قديمة سرقها من حسابها.

تقول: “عائلتي تشوهت… وخطيبي ابتعد… وأنا وحدي التي ندفع.”

عندما تذهب الضحية إلى الدولة… ولا تجد حماية

تصف الضحية رحلتها مع مراكز الأمن والمؤسسات المختصة بـ “القاسية والمهينة”.

في مركز قفصة، تقول: “دخلت وأنا نبكي… قلتلهم احسبوني كيف بنتكم راني مضلومة جاوبوني: بناتنا ما تعملش هكا. وكي قلتلهم يهدد فيا قالولي كيف نجيبوه متكذبيشو.”

لم تُفتح شكاية جديّة، لم تُصدر حماية، لم يُعترف بها كضحية عنف رقمي. وعندما لجأت الناجية إلى مركز أمن آخر، تم إيقاف المعتدي شهرًا واحدًا فقط… ثم أُطلق سراحه.

“رجعت للمركز، قالولي التهمة سقطت وهو بريء. كيف هو بريء؟ والتهديدات مازالت تجيني من رقمو؟ والصفحات مزال يعمل فيهم؟”

أربع سنوات من الجريمة… رقم واحد، هوية واحدة، إفلات واحد

منذ 2021 إلى اليوم، ما يزال الجاني يرسل الرسائل نفسها من الرقم نفسه، وينشر على حساب مزيف وينشئ صفحات جديدة باسمه المستعار نفسه.

ورغم كل الأدلة -صور، رسائل، أرقام، حسابات، صفحات- لم يُفتح تحقيق رقمي جدي.

هي اليوم ليست فقط ضحية جريمة رقمية… بل شاهدة على عجز الدولة عن حماية النساء في المجال الرقمي.

ما تزال الضحية حتى اللحظة تتلقى تهديدات، تُهان على صفحات مزيفة تنشر محتوى مركّبًا عنها، تُلاحق عبر رسائل يومية، تُرسل إليها صور مفبركة جديدة باستمرار، والجاني ما يزال طليقًا.

تحليل قانوني: قانون 58 موجود… لكنه لا يحمِي

القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 يجرّم بوضوح:

  • التهديد
  • الابتزاز
  • نشر الصور بدون إذن
  • انتحال الهوية
  • العنف الإلكتروني
  • تشويه السمعة
  • اختراق الحسابات

ويعاقب القانون في تونس كل هذه الجرائم بالسجن لمدد تصل إلى 5 سنوات. إلا أنّ المشكلة ليست في النص القانوني، بل في تطبيقه، ما يثير التساؤل حول الثغرات التي تعيق تطبيق وتسهّل التهاون مع التجاوزات.

في ولايات عديدة، وخاصة في المناطق الداخلية مثل قفصة:

لا يمتلك بعض الأعوان تكوينًا في الجرائم الرقمية، تُهمل شكايات النساء باعتبارها “مشاكل شخصية”، لا توجد وحدات مختصة في التحقيق الرقمي، لا يتمّ حفظ الأدلة الرقمية، لا تُتابع القضايا حتى النهاية، لا تُفَعَّل أوامر الحماية بسرعة، وهكذا تجد النساء أنفسهن في مواجهة المجرمين بمفردهن.

صرخة الناجية من أجل العدالة والحماية

كم يلزم من الوقت حتى تُحمى امرأة؟

تختم الناجية شهادتها بمرارة: “نحب ناخذ حقي. هو يحب يفضحني على حاجة ما عملتهاش. أربع سنين وأنا نواجه وحدي. وين الدولة؟”

هي اليوم ليست فقط ضحية جريمة رقمية… بل شاهدة على عجز الدولة عن حماية النساء في المجال الرقمي، وعلى هشاشة المؤسسات وغياب الإرادة الجدية لمكافحة العنف الإلكتروني.

ليست هذه القصة حادثًا فرديًا. هي نموذج حيّ لما تواجهه مئات النساء في تونس يوميًا: جرائم رقمية مهينة، تهديدات ممنهجة، تشويه سمعة، انتحال هوية، ابتزاز عاطفي ومالي، إفلات كامل من العقاب.

وحين تخرج ضحية من مركز الحماية بدون حماية، يصبح السؤال واجبًا:

ما معنى وجود قانون إذا كانت النساء يغادرن المؤسسات كما دخلن… بلا حماية؟

وكم يجب أن تُهدَّد امرأة أخرى حتى تتحرك الدولة؟

 

كتابة: منتهى محمدي

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد