منظومة العنف الجنسي في سجون الاحتلال: شهادات أسيرات وأسرى

خرجت إلى العلن في الأسابيع الأخيرة شهادات موثّقة لأسيرات وأسرى فلسطينيين/ات محرَّرين/ات، تكشف تعرّضهم/نّ لاعتداءات جنسيّة وتعذيب جسدي ونفسي داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي. لا تروي هذه الشهادات وقائع فرديّة معزولة، بل تفضح نمطًا ممنهجًا من العنف الجنسي يُستخدَم كأداة قمع وإذلال، في ظلّ صمت دولي وتواطؤ سياسي يكرّسان الإفلات من العقاب.

العنف الجنسي كسياسة ممنهجة داخل السجون

بحسب الشهادات المنشورة وما وثّقته منظمات حقوقيّة، يُمارَس الاغتصاب والاعتداء الجنسي داخل السجون كسياسة متعمّدة تهدف إلى كسر الأسيرات والأسرى نفسيًا، وتجريدهم/نّ من الكرامة، وإخضاعهم/نّ منذ لحظة الاعتقال الأولى. ويتقاطع هذا العنف مع منظومة أوسع من الانتهاكات، تشمل الضرب، التجويع، الإهمال الطبي، والتهديدات المباشرة، ضمن سياق منظّم لا يمكن فصله عن بنية القمع داخل منظومة الاحتجاز.

الجريمة داخل الجدران

يروي الصحافي الفلسطيني سامي الساعي، المعتقَل إداريًا منذ شباط/فبراير 2024 دون تهمة أو محاكمة، تفاصيل تعرّضه لاعتداء جنسي مباشر أثناء الاحتجاز. تفيد الشهادة بأنّه نُقل إلى عيادة السجن، ثم إلى غرفة مغلقة، حيث تعرّض للضرب والإهانات واعتداء جنسي باستخدام أدوات، وهو مقيَّد ومعصوب العينين، وبحضور عدد من الحراس.
وتشير الشهادة إلى أنّ الاعتداء ترافق مع تهديدات مباشرة له ولعائلته، وسخرية متعمّدة من مهنته الصحافيّة، في تصرّف يعكس ثقة كاملة بالإفلات من المساءلة. وتؤكّد أنّ ما جرى يمثّل جريمة مكتملة الأركان، وأنّ الصمت المفروض على الأسيرات والأسرى ليس خيارًا، بل نتيجة الخوف والوصمة الاجتماعيّة.

كسر الإرادة منذ اللحظة الأولى

توضح الشهادات أنّ الأسيرات والأسرى يطلقون/يطلقن على هذا النمط من الاعتداءات اسم “حفل الاستقبال”، في توصيف يختصر واقعًا بالغ القسوة، يُمارَس عند إدخال المعتقَلات والمعتقَلين الجدد، بهدف إرهابهم/نّ وكسر إرادتهم/نّ منذ اللحظة الأولى، وإشعارهم/نّ بأنّ الأجساد والكرامات مستباحة داخل منظومة السجن.

 الاغتصاب أداة إذلال جماعي

في شهادة أخرى، روى أسير محرَّر، استخدم اسمًا مستعارًا، تعرّضه لاعتداء جنسي باستخدام كلب بوليسي، عقب اقتحام الزنزانة ليلًا، وتقييد الأسرى، ونقل بعضهم إلى أماكن خالية من كاميرات المراقبة. وأكّد أنّ ما جرى ليس حادثة منفصلة، بل جزء من تعذيب يومي ممنهج، يتعامل معه الحراس بوصفه ممارسة مسموحًا بها، ضمن نظام يشرعن العنف ويعيد إنتاجه.

نساء وفتيات في قلب منظومة القمع

بحسب معطيات حقوقيّة موثّقة، اعتقلت قوات الاحتلال منذ تشرين الأوّل/أكتوبر 2023 أكثر من 20 ألف فلسطيني/ة، بينهم/نّ نساء وفتيات وأطفال. وقد توفّي ما لا يقل عن 110 أسيرات وأسرى داخل مراكز الاحتجاز نتيجة التعذيب والإهمال الطبي. وتشير منظمات حقوق الإنسان إلى أنّ النساء الأسيرات يتعرّضن لأشكال مركّبة من العنف، حيث يتقاطع القمع السياسي مع العنف القائم على النوع الاجتماعي، في بيئة تُضاعف الخوف والوصمة وتُقيّد إمكانيّة الإفصاح.

العنف الجنسي كأداة حرب

تتزامن هذه الشهادات مع تحقيقات صادرة عن لجان تابعة للأمم المتحدة، اتهمت إسرائيل باستخدام العنف الجنسي ضد الفلسطينيّات والفلسطينيّين كأحد أساليب الحرب. كما وصفت منظمات حقوقيّة السجون بأنّها شبكة من معسكرات التعذيب، في توصيف يعكس طبيعة الانتهاكات الممنهجة داخل منظومة الاحتجاز.

جرائم حرب ومسؤوليّة دوليّة

في هذا السياق، تؤكّد تصريحات حقوقيّة أنّ تكرار الشهادات، وتشابه الأساليب، وتعدّد مواقع الانتهاك، يثبت أنّ ما يجري سياسة رسميّة لا يمكن اختزالها بتجاوزات فرديّة. ويُشدَّد على أنّ استخدام الاغتصاب كأداة قمع يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانيّة وفق القانون الدولي. كما يُحذَّر من أنّ الخوف والوصمة الاجتماعيّة يمنعان مئات الأسيرات والأسرى من الكلام، ما يعني أنّ الحجم الحقيقي للجرائم أكبر بكثير ممّا كُشف عنه.

حقيقة لا يمكن طمسها

تؤكّد شهادات الأسيرات والأسرى أنّ سجون الاحتلال ليست مجرّد أماكن احتجاز، بل فضاءات يُمارَس فيها عنف منظّم يستهدف الجسد والكرامة والإنسانيّة. فالعنف الجنسي ليس تفصيلًا هامشيًا، بل أداة مركزيّة في سياسة الإذلال وكسر الإرادة، فيما يبقى الصمت الدولي والتعتيم السياسي عاملين حاسمين في استمرار هذه الانتهاكات.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد