“عقد العمل الموحّد”.. وزارة العمل تعيد لبنان عشرات السنوات إلى الوراء
بعد أن عمل وزير العمل الحالي مصطفى بيرم على تبيض صفحته لجهة دعمه للعاملات الأجنبيات وتضامنه معهن، نسف كل ذلك مؤخراً. إذ عمِلَت وزارته بشكلٍ غير علني، بالتنسيق مع أصحاب مكاتب استقدام العاملات المنزليات المهاجرات، على مسودّة عقد العمل الموحّد الخاص بتنظيم العمل المنزلي لهن. وهو عقد يعيد لبنان عشرات السنوات إلى الوراء.
ويعتبر طرح مسودة هكذا قرار تقويضاً لبعض الإنجازات التي كانت حققتها الجمعيات المختصة والعاملات الأجنبيات أنفسهن المعنيات مباشرةً بالموضوع. ومن أبرز هذه الإنجازات عقد العمل الموحّد الصادر عن وزيرة العمل لميا يمّين في 8 أيلول/سبتمبر 2020.
دفع هذا الخبر منظمة “كفى عنف واستغلال”، وهي واحدة من المنظمات التي تعمل على إلغاء نظام الكفالة في لبنان، بعد الاطلاع على المسودة، إلى اصدار بيانٍ صحفي وقعت عليه 15 منظمة حقوقية ومدنية، طلبت فيه من وزارة العمل إيقاف هذا الخطأ.
اعتبر البيان أن “مسودة قانون العمل الموحّد التي حصلت عليها المفكرة القانونية هو سقطة موصوفة تنتهك حقوق الإنسان البديهية لصالح حفنةٍ من أصحاب المصالح المادية والتجّار المتمثّلين بمكاتب استقدام العاملات المهاجرات إلى لبنان”.
وأكد أن “العقد بنسخته السابقة خضع لسلطة مكاتب استقدام العاملات، إذ قدّم أصحاب هذه المكاتب طعناً أمام مجلس شورى الدولة، أدّى إلى تطييره ليغطّ مكانه عقد مفصّل على قياس مصالحهم، ما يشير إلى قوّة تأثير كارتيلات المكاتب هذه التي فرضت ما تشاء من دون أي اعتبار للمصلحة العامة أو للكرامة الإنسانية”.
وأوضح أنه “بدلاً من النظر في العقد القديم بغية تطويره من خلال سدّ الثغرات التي تعتريه وإزالة شوائبه، أتى العقد المعدَّل ليعيدنا عشرات السنين إلى الوراء، مكرّساً ما طالما شكّل نقطةً سوداء في سجل لبنان لحقوق الإنسان”.
وشرحت كفى من خلال بيانها الصحفي البنود التي وردت في المسودة، والتي نسفت كل البنود الموجودة في العقد السابق، والتي كانت تحفظ إلى حدٍ ما كرامة العاملات الأجنبيات.
إذ يضرب العقد الجديد حقّ فسخ التعاقد بطريقة منصفة بين الطرفَين. فمن جانب العاملات، يُلقى عليهن عبءٌ مادي إذا أردن ترك العمل بغض النظر عن ظروفه والممارسات المسيئة. بينما يمنح صاحب العمل حريّة إنهاء العقد وبدون أي تعويض مادي للعاملة.
بينما أعطى نص العقد السابق، عند إنهاء العقد من قبل العاملة، الحق لصاحب العمل في استرداد جزء محدّد من تكاليف الاستقدام من المكتب، أو من صاحب العمل الجديد (في حال رغبَت العاملة بالانتقال إلى صاحب عمل آخر)، وفق معادلة منصوص عليها في العقد. في حين نقل العقد الجديد موجب الرّد عن عاتق المكتب ليضعه على عاتق العاملة، فاتحاً الباب أمام الابتزاز.
كما يلاحظ في التعديل الجديد تضييق لهامش الاحتمالات التي تعطي الحق للعاملات بفسخ العقد من دون إنذار مسبق، في حين أعطى صاحب العمل إمكانية فسخ العقد من دون إنذار في فترة التجربة، وفسخ العقد من دون شراء تذكرة عودة للعاملة في حال رغبت في السفر.
أما أسوأ ما يخصّ هذا العقد، فهو أنه غير ملزِم. إذ يبقى اعتماده لتنظيم العلاقة المهنية بين صاحب العمل والعاملة اختيارياً بالنسبة إليه وحده.
كذلك يضرب العقد الجديد مبدأ حرية التنقّل، بفرضه شروطاً ذات ملامح جرمية. إذ يمنح صاحب العمل القدرة على التحكّم بتنقّل العاملة بحرية خلال الأشهر الثلاثة الأولى التي تلي توقيع العقد. ويسمح له بالاحتفاظ بجواز السفر والإقامة خلال كامل فترة العقد، وهو أمرٌ يفاقم المسّ بمبدأ الحرية الشخصية.
بندٌ آخر انتقدته جمعية كفى، هو اعتماد النص الجديد “الخصوصية المشروطة”، أي السماح للعاملة بمشاركة غرفة نوم مع امرأة، وكأن العاملة قد تطلب ذلك!. كما اعتبرت أنه يسلب العاملات مجموعة من المكتسبات البديهية التي تم إدراجها في العقد القديم، وهي:
- إلغاء ساعة الراحة للعاملة بعد 5 ساعات من العمل المتواصل.
- شطب بند التزام المستخدِم بالحد الأدنى للأجور كبدل أتعاب أدنى للعاملة.
- عدم تحديد عدد الأطفال في منزل صاحب العمل.
- شطب نص يلزم المستخدِم بتأمين العناية بالأسنان عند الضرورة للعاملة من ضمن الرعاية الصحية.
- إلغاء البند الملزم للمستخدِم بتبليغ شخص تحدده العاملة للتواصل معه في حال تغيير عنوان سكنه. ما يفتح الباب لمزيدٍ من الانتهاكات قد تصل إلى الاتجار بالبشر.
وطالبت كفى في بيانها وزارة العمل بالـ”تراجع عن التعديلات المقترحة على العقد الموحد، كون مؤشّر الخطوات المطروحة يتجه انحداراً وتراجعاً في مسار حقوق الإنسان. وإعادة تبني وتطوير عقد العمل الموحّد الموضوع عام 2020، بناءً على مشاورات مع كافة أصحاب العلاقة والمنظمات الحقوقية الفاعلة في هذا الملف”.
كما كررت مطالبتها بالـ”عمل على آليات تنفيذية وآليات مراقبة من قبَل وزارة العمل لضمان تطبيقه بحذافيره. وإلغاء نظام الكفالة والوصول إلى قانون عمل ينظّم العمل المنزلي ويفرض الشكل الأنسب لعقد العمل الذي يحفظ كرامة العاملات وحقوق الأطراف كافة”.