أعيدوا لسهى طفلها .. جديد ذكورية المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى
تحت عنوان #ردولي_إبني و#انا_أم_علي_الهادي، قررت سهى عصام سلامة، المطالبة باستعادة إبنها الذي خُطف وسُلب منها بموجب حكم شرعي عام 2015، وبمباركة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وتقصير من القضاء اللبناني في ملاحقة طليقها ربيع صابر القطنة، الذي خطف علي وزوّر ونسب ولادته إلى امرأةٍ أخرى.
استعانت بفيسبوك لتستنجد عبر منشورها بمستخدمي/ات وسائل التواصل الاجتماعي، ولتروي عبره قصتها التي لاقت تفاعلاً وتضامناً واسعاً لما فيها من ظلمٍ واستغلال وانتهاك حقوقي وقانوني.
لكن سهى ليست الضحية الأولى للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، الذي تحول من مجلس مؤتمن على حقوق أبناء وبنات الطائفة الشيعية إلى مؤسسة للقهر الجندري والظلم الاجتماعي والفساد المؤسساتي.
وفي وقتٍ لم يعد خافياً على أحد إلا على رجال وآباء المجالس الدينية والروحية أن الأحكام الصادرة عن قوانين الأحوال الشخصية تمييزية ولا شرعية ولا تمت للدين بأي صلة، دفعت سهى ثمناً غالياً لإنهاء زواجها المسيء ولإتمام إجراءات الطلاق الذي طالبت فيه.
52 يوماً من الزواج .. كذب وعنف وسوء معاملة
وفي مقابلةٍ خاصة مع موقع “شريكة ولكن” قالت سهى: “حين تزوجت لم أكن أعرف أن طليقي متزوجٌ من امرأة أخرى. لكن خلال الزواج الذي استمر لفترةٍ قصيرة، وحصل خلالها حملي، عرفت أنه لا يزال متزوجاً، لكن زوجته لا تنجب، لذلك كانت هي شريكةً في سلبي ابني، ولا تزال حتى اليوم تمنعني من رؤيته. وحاولت كثيراً أن أُنشِئ حساباتٍ وهمية على فيسبوك لأتمكن من التواصل معها، لكنها في كل مرةٍ كانت تكتشف أن الحساب يعود إلي، فتحظرني وتمنعني من متابعة ورؤية ابني”.
وبعد 52 يوماً من الزواج الذي “تكلل” بالكذب والعنف وسوء المعاملة، طلبت سهى الطلاق الذي حصل في نيسان/أبريل 2015 بشروطٍ مجحفة، من خلال ورقة تنازلٍ مختومة من هيئة التبليغ الديني في مكتب الشؤون الشرعية التابع للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. وقعت سهى عليها تحت الضغط والترهيب، كما وقعها طليقها، والكاتب الشيخ فضل خير الدين والقاضي الشيخ محمد زراقط مع ختم مكتب الشؤون الشرعية في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.
وبحسب ورقة التنازل التي حصلنا عليها، تشكّلت الهيئة التي أصدرت حكم الطلاق من القاضي زراقط والكاتب الشيخ خير الدين، للبحث في ما أسمته الهيئة بـ”النزاع القائم بين ربيع صابر القطنة وسهى عصام سلامة في موضوع طلاق”.
وأصدرت الهيئة، بعد زعمها القيام بـ”محاولات للصلح متكررة بين الطرفين على اتفاق صلحي”، قراراً يحتوي على بنود ظالمة تعكس أهمية إسقاط هذه المجالس واستبدالها بمجالس مدنية للأحوال الشخصية.
وأخبرتنا سهى عن تفاصيل مشكلتها متمنّيةً استعادة حضانة ابنها، بعد أن لجأت إلى كل الطرق القانونية، وبعد أن تعبت من تلقيها عروض العار الابتزازية المسماة “عقود المتعة”، التي يستخدمها بعض المشايخ المعممين التابعين للمجلس من أجل تلبية رغباتهم الجنسية.
“أصبحت أماً”
أسست سهى رفقة صبيتين مجموعةً على فيسبوك اسمها “أصبحت أماً”، وهي مساحة آمنة لإعطاء النصائح حول مشاكل الأمهات خصوصاً والنساء عموماً. وعن هذه الصفحة أوضحت أنها “وجدت مجتمعاً من الأمهات داعماً لي ولقضيتي. وهن من دفعنني لأن أكتب على صفحتي على فيسبوك كي أفضح ما تعرضت له من استغلالٍ جنسي على يد طليقي الذي استخدمني لأنجب له طفلاً لم تقدر زوجته الأولى أن تنجبه، وعلى يد المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي كنت أظنه مؤتمناً على حياتي، لكنني اكتشفت أن العكس هو الصحيح، وصدمت من الفساد الذي عايشته”.
وعلى الرغم من أن لكل امرأةٍ معنّفة وتتعرّض لسوء المعاملة لها الحق في أن تختار الطلاق وتطلبه، إلا أن ذلك لم يشفع لسهى بل قاضاها بثمنٍ مكلف لقاء طلبها الخروج من دائرة العنف. إذ وردت في ورقة الطلاق بنودٌ فرضت عليها أن تتنازل عن كامل حقوقها الشرعية، وعن حضانة ابنها الذي كان لا يزال جنيناً في بطنها إلى والده، على أن يبقى الولد مع والدته الشرعية 15 يوماً بعد الولادة فقط، ثم يأخذه والده بعد ذلك.
كما وضع القرار بين يدي طليقها الخاطف الحق في تقرير وقت المشاهدة الذي انحصر بيومٍ واحد فقط أسبوعياً. وعلى الرغم من صدور هذا القرار، لم تتمكن سهى من رؤية ابنها مجدداً إلا بعد سنواتٍ عديدة. فرأته في المستشفى حيث أنجبته، وأرضعته لمدة 15 دقيقة، ليكون اللقاء الحميمي الأوحد بينها وبين علي، الذي يبلغ عمره اليوم 7 سنوات.
وفي بداية شهر شباط/فبراير 2022، نشرت سهى على حسابها على فيسبوك فيديو مع وصفٍ لقصتها، يظهر فيه ابنها يجلس في حضنها. وعلمنا أن هذا المقطع يعود إلى العام 2019، وحدث بعد أن استطاعت رؤيته لمدة 45 دقيقة فقط في إحدى البلدات بعد وساطاتٍ كثيرة. بينما طليقها الذي صدرت بحقه مذكرات توقيف يسكن في بلدة بيصور الجبلية.
بعد الفيديو الذي نشرته، وصلها خبر في 18 شباط/فبراير أن طليقها توقف عن إرسال ابنه إلى المدرسة في 16 شباط/ فبراير واختفى الطفل ولم يعد يراه أحد من الأشخاص الذين/اللواتي كانت تتواصل معهم/ن للحصول على أخباره. وما يقلقها اليوم هو أن يهرّب الخاطف طفلها إلى سوريا، لأنه بحسب ما ذكرت :”في إحدى المرات عندما حقّقت معه فصيلة الغبيري، اعترف أمام المحقق أنه عندما يريد الذهاب إلى سوريا يسافر بطريقةٍ غير شرعية أي تهريب”.
مذكرات توقيف غيابية بحق الخاطف
وفي اتصالٍ مع المحامي الذي تكفّل بهذه القضية وهو حسن عادل بزي، قال لموقعنا: “أنا أتابع قضية سهى وهي لا شك مظلومة لكننا تمكننا بعد المتابعة مع القضاء من إصدار مذكرات توقيفٍ غيابية بجرم تزوير الأوراق الثبوتية للطفل، بحق ربيع قطنة وزوجته سوزان أمهز التي سجلت علي باسمها وغيرت عمره، علماً أننا حالياً نتجه إلى تقديم دعاوى إثبات زواج وطلاق، وإثبات النسب أمام المحاكم الشرعية الجعفرية”.
وبالإضافة إلى مسؤولية البعض في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الذين كانوا شركاء في الضرر اللاحق بسهى وبمأساتها، تواجه قضيتها عوائق عدة مستمرة. فأوضح بزي أن “المشكلة أيضاً في الإضرابات التي تحصل داخل قصور العدل، وغياب القضاة والموظفين/ات بسبب هذه الاضرابات، فضلاً عن أنه لا يوجد مقومات لهذه القصور. فالقاضي لا يستطيع أن يعمل في ظروف قاسية في ظل انقطاع الكهرباء والماء والشح في الأوراق والموارد… أي أن العمل القضائي شبه متوقف، ولكن نعم هناك جلسات تحصل بشكلٍ استثنائي فقط، علماً أن ملف سهى يحتاج إلى وقت، لأنها فلسطينية وزوجها سوري، ما يصعّب إجراءات المحاكمة لناحية الاختصاص والمحكمة ذات الصلاحية…
باختصار سهى مظلومة ويقتضي دائماً الوقوف إلى جانبها وعدم تركها والتخلي عنها وعن قضيتها السامية”.
من جهتها، أكدت سهى أنها رفعت دعاوى قضائية ضد طليقها لتثبيت أوراقها في المحكمة لكنه كان يتمنّع عن الحضور، ما أدى إلى ترك القضية نائمةً في أدراج المحاكم. كما أشارت إلى أنها “لم تترك ابنها قط، بل إن طليقها استغل فرصة وضع مولوده الصحي، الذي بقي في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة لمدة 3 أيام، من بعدها أخرج المولود من المستشفى من دون علمها وبدأ يتلاعب بها”.
الحرمان باسم الدين
الجدير بالذكر أن ذريعة الطليق الواهية لغطرسته في حرمان سهى من ابنها وتزوير أوراقه الثبوتية ما هي إلا رسائل قديمة تعود لفترة حمل سهى بجنينها، أُرسلت على إثر خلافاتهما، وهي رسائل تشبه أي رسالة بين أي زوجين على خلاف إذا افترقا أو بقيا معاً، وهو ما لا يأخذ به القانون ولا القضاء ولا الأعراف والمجتمع.
«فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ». (القصص: 31)
ربّما تختصر هذه الآية القرآنية وغيرها حقَّ سهى وآلاف النساء في مثل حالتها باسترداد حضانة طفلها والإشراف على تربيته. كما تعيد قضيتها صدى الحقوق المهدورة للأمهات المطلقات بحضانة أطفالهن وطفلاتهن في ظل قوانين للأحوال الشخصية ما زالت محصورةً بأروقة مؤسسات دينية تسود فيها الرجعية والذكورية وظلم النساء والأطفال والطفلات.
ولكن، في مطلق الأحوال وبغضّ النظر عن الانتماءات الدينية والنصوص المقدّسة وتفسيراتها الضيّقة غالباً، تبقى قضية امرأة واحدة تعرّضت للظلم قضيةً تخص جميع النساء في نضالهن من أجل مجتمعٍ عادل تنعدم فيه شروط التمييز والعنف ضد النساء باسم الدين.
كتابة: زهراء الديراني