توسيع وسائل إثبات تجريم العلاقات الجنسية الرضائية في المغرب
أصدرت محكمة النقض في المغرب قراراً يقضي باعتماد الدليل العلمي المتمثل في الخبرة الجينية لإثبات “جرائم الخيانة الزوجية”، ما اعتبر توسيعاً لوسائل إثبات تجريم العلاقات الجنسية الرضائية في المغرب، وذلك زيادة على وسائل الإثبات المحددة حصراً بمقتضى الفصل 493 من القانون الجنائي.
القرار يعتبر تحوّلاً غير مسبوق في تاريخ اجتهاد محكمة النقض في تأويل النص الجنائي الذي يعاقب على العلاقات الجنسية الرضائية، خارج إطار مؤسسة الزواج. وقد سبق تقديمه ضمن الاجتهادات القضائية “المبدئية” بمناسبة افتتاح السنة القضائية.
لماذا صدر القرار؟
تعود القضية إلى شكوى تقدمت بها امرأة إلى مصالح الدرك تعرض فيها بأن جارها استغلّ غياب أفراد أسرتها عن المنزل وتهجّم عليها واغتصبها بالقوة تحت التهديد بالقتل، وأنه ظل يعدها بالزواج مند نحو 4 سنوات، وأنه طيلة المدة المذكورة كان يدخل عليها ويمارس معها الجنس كزوج مع زوجته، وحين اكتشفت أنها حامل أخبرته بذلك، فطلب منها التزام الصمت وعدم إخبار عائلتها، لكنه سرعان ما اختفى عن الأنظار وغيّر رقم هاتفه.
وعند الاستماع إلى المشتكى عليه، تمسّك بالإنكار نافياً الجرائم وأي علاقة له بالمشتكية، ومؤكداً بأنه لم يسبق له أن مارس الجنس معها.
لذلك، قررت النيابة العامة إجراء تحقيق في القضية وأحالت المتهم على قاضي التحقيق، الذي أمر بإجراء خبرة جينية، خلصت نتائجها إلى أن الحمل يعود إليه، فأصدر قراراً بإحالة المتهم على المحكمة بتهمة الاغتصاب.
أثناء المحاكمة، أنكر المتّهم واقعة الاغتصاب، فقررت المحكمة إدانته لما نسب إليه بعد إعادة تكييف الفعل من اغتصاب إلى فساد، فتم الطعن في الحكم بالاستئناف وقررت غرفة الجنايات الاستئنافية إلغاء الحكم الابتدائي في ما قضى به من إعادة التكييف، وإدانة المتهم بالاغتصاب.
وعند الطعن بالنقض في الحكم من طرف المتهم، صدر قرار محكمة النقض الذي اعتبر أن غرفة الجنايات الاستئنافية ألغت القرار الابتدائي، الذي أدان المتهم من أجل الفساد. وقضت بإدانته من أجل الاغتصاب استناداً إلى نتائج الخبرة الجينية المنجزة من طرف الدرك الملكي، التي تم التوصل من خلالها إلى أن المتهم هو الأب البيولوجي لابن المشتكية.
وما انتهت إليه نتائج الخبرة وأثبتت العلاقة الجنسية فإنها لا تعتبر حجة على أن المتهم استعمل العنف لإجبار المشتكية على ممارسة الجنس معه، والمحكمة لم تبرر عنصر انعدام الرضا، فتكون بذلك خرقت مقتضيات الفصل 486 من القانون الجنائي. وعلّلت قرارها تعليلاً ناقصاً يوازي انعدامه، فقررت تبعاً لذلك نقض القرار الاستئنافي، وإحالة القضية من جديد إلى أنظار غرفة الجنايات الاستئنافية للبت فيها من طرف هيئة أخرى.
موقف محكمة النقض
عند إحالة الملف إلى غرفة الجنايات لتنظر فيها من جديد بعد النقض، اعتبرت المحكمة أن الخبرة الجينية تثبت العلاقة الجنسية بين المتهم والمشتكية وقضت بإدانته من أجل العلاقة الجنسية خارج الزواج.
قضت محكمة النقض بتأييد القرار الذي إدان المتهم، معتمدة على أن الخبرة الجينية هي دليل وحجة علمية لا يتسرب الشك إلى مدى قوتها الثبوتية لإثبات هذه الجرائم؛ وعلى كون نتائج الخبرة الجينية قرينة قوية وكافية على وجود علاقة جنسية بين الطاعن والضحية، التي نتجت عنها ولادة، يمكن من خلالها نسب واقعة العلاقة الجنسية إلى الطاعن.
كما أن محكمة الموضوع من خلال اعتمادها على تقرير الخبرة الجينية، تكون قد مارست السلطة المخولة لها قانوناً في تفسير وتأويل النص القانوني في ضوء المستجدات والاكتشافات العلمية الحديثة، التي أصبح معها الدليل العلمي وسيلة إثبات قطعية، وآلية من آليات تفسير وتأويل النص القانوني، لا يمكن للمنطق السليم أن يتغاضى عنه متى كان حاسماً.
تعليق على قرار محكمة النقض بعد النقض
ويعتبر القرار الذي نشرته وعلقت عليه المفكرة القانونية تحوّلاً في ما استقر عليه اجتهاد محكمة النقض في إثبات جرائم الفساد والخيانة الزوجية.
إذ سبق لنفس المحكمة أن اعتبرت أن جريمة الخيانة الزوجية أو الفساد “لا تثبت إلا بإحدى وسائل الإثبات المحددة حصراً في الفصل 493 من القانون الجنائي، وهي محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو اعتراف تضمنته رسائل أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي. وبالتالي، لا تكوّن المحكمة الزجرية قناعتها في ثبوت الجريمة على وسيلة إثبات أخرى غيرها حتى ولو كانت خبرة جينية قطعية في موضوع النسب”.
واعتبرت المفكرة أن توسّع القرار في تفسير مقتضيات الفصل 493 من القانون الجنائي رغم ما يفرضه مبدأ الشرعية الجنائية من تفسير ضيّق للنص، الذي أضاف وسيلة جديدة لإثبات الخيانة الزوجية أو العلاقات الجنسية خارج الزواج، تتمثل في الخبرة الجينية. وهو ما يفتح المجال لإمكانية إضافة وسائل أخرى وبنفس المنطق كاستعمال الصور الفوتوغرافية أو التسجيلات الصوتية والمرئية، بل وحتى استعمال شهادة الشهود، ويعيد هذا القرار إلى الواجهة قراراً مماثلاً اعتبر اعتراف متهمة بتبادل “قبلة” مع شريكها، خيانة زوجية.
ورغم الانتقادات، يُأمَل أن يفتح صدور هذا القرار المجال لاعتماد نتائج الخبرة الجينية كمصدر موثوق ليس فقط في مجال التجريم، إنما أيضاً في مجال إثبات نسب الطفل المولود خارج إطار مؤسسة الزواج. واعتبر القرار الخبرة الجينية دليلاً وحجة علمية لا يتسرب الشك إلى مدى قوتها الثبوتية، وهو مبرر كذلك لحماية المصلحة الفضلى للطفل/ة وحقه في الهوية.