بعد 10 سنوات من العيش تحت رحمة نظام الكفالة .. مجلس العمل التحكيمي ينصف حليمة أربا أوبا
بعد 10 سنوات من العيش تحت رحمة نظام الكفالة الظالم، استطاع مجلس العمل التحكيمي، الغرفة الأولى برئاسة القاضية بطرس السيدة في 21 آذار/مارس 2022 أن ينصف حليمة أربا أوبا.
جاءت هذه الخطوة بعد 5 أعوام من تقديم المركز اللبناني لحقوق الإنسان بطلب استحضار بوجه صاحبة عملها السابقة من خلال إصدار حكم بالإجماع.
وبحسب المركز، قضى الحكم الصادر عن المجلس بـ: “إلزام المدعى عليها بأن تدفع للمدعية حليمة أربا أوبا مبلغ 11100 دولار أميركي أو ما يعادله بالعملة الوطنية بتاريخ الدفع”.
ويمثل هذا المبلغ، رصيد الرواتب المتوجبة لها عن فترة عملها لديها، مع فائدته القانونية منذ تاريخ 28 أيلول/سبتمبر 2018 حتى تاريخ الدفع الفعلي.
كما تضمن الحكم، “رد طلب العطل والضرر الذي نتج عن إساءة استعمال حق المقاضاة، وتضمين المدعى عليها النفقات كافة، ورد كل ما زاد أو خالف”.
ويأتي هذا الحكم ليشكل نقضاً واضحاً لاجتهاد سائد في مجالس العمل التحكيمية، وقد يضع حجر الأساس لوصول العديد من العاملات الأجنبيات لحقوقهنّ، والتخلص من معاناتهن مع نظام الكفالة العبودي، على غرار حليمة.
موقف مجلس العمل التحكيمي
مجلس العمل التحكيمي هو محكمة استثنائية، ينظر بالطريقة المستعجلة في القضايا الناشئة عن نزاعات العمل بين أصحاب العمل والعمال/العاملات.
أما اللافت في الحكم الذي أنصف أربا أوبا، فهو توصيف مجلس العمل التحكيمي للعلاقة بين أطراف النزاع بأنها “علاقة عمل وليست علاقة كفيل بكفيله”، على عكس المنحى السائد في قضايا مشابهة عادةً.
ولا بد في هذا السياق من التوقف عند تعمق المجلس بتفاصيل القضية ودرء الادعاءات المبتذلة بالمعاملة الحسنة لعدم ثبوتها.
كما تطرق المجلس في حكمه إلى ادعاءات صاحبة العمل لجهة صحة الإبراء الذي أرغمت حليمة على توقيعه قبل سفرها، وشكّل الإدلاء الأساسي لصاحبة العمل. فاعتبره إبراء غير قضائي قابل لإثبات العكس، واعتمد الوقائع المثبتة لجهة تاريخ توقيع الإبراء قبل السفر ولجهة القيمة المرسلة إلى حليمة على سبيل التعويض، وخلص إلى إبطاله لعدم ثبوته.
نظام الكفالة .. 10 سنوات من العبودية الحقيقية
بدأت حليمة بالعمل في الخدمة المنزلية لدى صاحبة العمل منذ 10 سنوات ونصف فور قدومها من بلدها الفيليبين. حينها تقاضت أجرها المتفق عليه لأول 3 أشهر، إلا أن صاحبة العمل امتنعت عن تسديد راتبها بعد هذه الفترة.
كما ذهبت إلى حد منعها من الاتصال بأهلها والخروج من المنزل، حتى تمكنت حليمة من إيصال صوتها إلى الرأي العام ومواقع التواصل الاجتماعي، بعد عودتها إلى بلدها الأم، وبحوزتها جزء ضئيل من مستحقاتها مقابل توقيعها على إبراء ذمة.
روت حليمة من منزلها في الفيليبين عبر فيديو لموقع “This is Lebanon” أنها “تعرّضت خلال فترة العمل في منزل صاحبة العمل إلى الضرب، والحرمان من الحرية ومن التواصل مع عائلتها. إضافة إلى حجز راتبها المستحق من دون وجه حق.
ثم تواصلت بعدها حليمة من خلال “This is Lebanon” مع المركز اللبناني لحقوق الإنسان بهدف الحصول على تمثيل قانوني.
أصحاب العمل في لبنان وإثباتات حسن المعاملة
يتذرع غالباً أصحاب العمل عند تقديم دعوى بمعاملتهم الحسنة لعاملات المنازل. وفي الدعوى الراهنة، وبعد ادعاء حليمة على صاحبة العمل، أبرزت الأخيرة إثباتات حسن معاملتها لها من خلال مجموعة من الصور تظهر كيفية تعامل العائلة معها واحتفالهم/ن بعيد مولدها.
فأي معاملة حسنة تبرّر مصادرة راتب حليمة، وسوء معاملتها وحجز حريتها؟
لذلك، يعتبر هذا التصريح مثالاً عن النزعات السادية السائدة لدى معظم أصحاب العمل، ولا تقع/يقع ضحيتها إلا العمال والعاملات الأجانب المستضعفين/ات.
خطوات الوصول إلى العدالة
على الرغم من أهمية إنصاف حليمة اليوم وتحررها من العبودية، مازالت المئات من العاملات المنزليات الأجانب يعانين من انعدام الوصول إلى العدالة أو التعامل معهن كعاملات خاضعات لقانون العمل اللبناني، الذي استثنت المادة السابعة منه العاملين/ات في بيوت الأفراد.
ويشكّل هذا الحكم نقضاً لاجتهاد سائد وخطوة أولى، لكن غير كافية لتحقيق العدالة التي نصل إليها من خلال مثابرة مجلس العمل التحكيمي على إصدار أحكام مماثلة، وعمل مجلس النواب على إصدار تعديل للمادة السابعة من قانون العمل اللبناني، وصولاً إلى إلغاء نظام الكفالة وجميع وجوه العبودية في لبنان.
المصدر: المركز اللبناني لحقوق الإنسان