النساء اليمنيات .. عنف واغتصاب في “قفص الزوجية”
وكأن الحرب المشتعلة منذ 7 سنوات وتأثيراتها والأزمة الاقتصادية التي تلقي بظلالها على النساء اليمنيات لا تكفي!
على العكس، كلما اشتدت وتيرة الحرب، ارتفعت قضايا العنف بحقهن، بشكلٍ كبير. فهن كغيرهنّ من النساء، أول وأكثر من يدفع ثمن الحروب والأزمات.
فيعشن يومياً تحت وطأة عنف المجتمع، أو الشريك، أو العائلة، أو القوانين.
وتخضع حيواتهن للسلطة الذكورية السائدة، والعادات، والتقاليد، والأعراف التي تكبّلهن وتجلدهنّ، وتنتهك حقوقهن.
وبحسب تقرير حديث لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، فإن العنف ضد النساء في اليمن ارتفع بنحو 63%، منذ تصاعد النزاع في سبتمبر/أيلول 2015.
كما سبق لنائبة رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن، ماريون لاليس، أن قالت في آذار/مارس الماضي، إن “اليمن هو واحد من أصعب البلدان في العالم للنساء”.
الاغتصاب الزوجي
عاشت أمل محمد (اسم مستعار)، التي تبلغ من العمر 37 عاماً، وهي من مدينة تعز، عنفاً مارسه عليها زوجها، مدة 13 عاماً.
عانت كثيراً هي وأطفالها الثلاثة من التعنيف المستمر، الذي شمل الضرب المبرح، والاغتصاب، بحسب ما قالت لـ”شريكة ولكن”.
وأضافت بصوتٍ شاحبٍ ومتألّم: “بدأت معاملة زوجي تتغير بعد فترةٍ بسيطةٍ من زواجنا، بطريقةٍ غير مبررة. من عصبية مفرطة، وإهانات لفظية، وسوء معاملة، في جميع الأوقات، وتعنيف جنسي”.
وأوضحت أنها كانت أحياناً تمارس معه العلاقة الزوجية “مغصوبة، ومن دون رغبة”.
تحمّلت أمل بعد زواجها بسنواتٍ قليلة المعاملة السيئة من زوجها، الذي يهينها كل يوم، كما تقول.
لكن، بعد أن أنجبت طفلها الأول والثاني، كانت تظن بأنه سيغيّر من واقع حياتها معه.
وأنه سيُدخل الود واللطف والحب إلى قلب زوجها. وسيحسّن معاملته لها، ويضع اعتباراً لأطفاله. لكن هذا الأمر كان من دون جدوى، وتأزم الوضع أكثر.
وأشارت أمل إلى أنه “بعد أن أصبح لديّ طفلان، فقد زوجي السيطرة على نفسه تماماً. كان يضربني بالأسلاك على كامل جسدي، ويعنّفني جنسياً أكثر من مرة. كنت أنظر إليه وكأنه شيطان لا مفر منه، حتى أنه كان يعنّفني أمام طفليّ”.
فصول من معاناة النساء اليمنيات
هكذا تجد النساء المُعنفات أنفسهن أمام فصولٍ طويلةٍ من المعاناة، تضاف إلى العنف.
وتعتبر أبرز هذه الفصول نظرة المجتمع إليهن، أنهن مخطئات دائماً، بدلاً من تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهن.
“المجتمع لا يرحم، أصبح الناس يستحقرونني، ويرمون عليّ التهم بأنني لست جديرة بالعلاقة الزوجية. ولم أستطع كسب رضا زوجي. ألقوا اللوم عليّ فقط، لكن لم يدينوا زوجي، أو يلقوا اللوم عليه؛ لأنه رجل ولايخطئ بنظرهم”، قالت أمل.
وفي هذا السياق، اعتبرت الأخصائية الاجتماعية وأستاذة علم الاجتماع هدى الأكحلي أن “المعايير الاجتماعية السلبية، من أقوى العوامل التي تؤدّي إلى عدم المساواة بين الرجال والنساء داخل المجتمع اليمني. وتُساهم في زيادة خطر العنف ضد النساء”.
وأشارت إلى أنه “من ضمن هذه المعايير، قبول المفاهيم الذكورية المرتبطة بهيمنة الرجال، ومنحهم حق السيطرة على تصرّفات النساء. واللجوء إلى العنف كوسيلة لحلّ النزاعات، وقبوله في المجتمع. وتحديد الدور الواضح الذي تؤدّيه الأعراف الاجتماعية في تعزيز العنف ضد النساء، وفقاً للعديد من الدراسات الثقافية والاجتماعية”.
شكلت النظرة المجتمعية للمعنَّفة، التي كانت تتوجّس منها أمل، عائقاً أمامها لتتحرر من قفص المعاناة، والحياة القاسية التي تعيشها مع زوجها، وأمام رغبتها في مواصلة حياتها.
فهي لم تواصل تعليمها، ولم تمارس أي مهنة طوال فترة زواجها، وهذا ما صعّب عليها فكرة الانفصال.
وذكرت أنها “كانت دائماً تعطي زوجها فرصاً جديدة، على أمل أن يتغير، لكن سكوتها وخوفها لحفاظها على أطفالها من تفكّك الأسرة، سمح له بالتمادي بعنفه أكثر وأكثر”.
كيف يؤثر العنف على النساء اليمنيات؟
تدهورت حالة أمل النفسية كثيراً، وعانت من الانطوائية والعصبية الشديدة.
وقالت لـ”شريكة ولكن”: “كنتُ أصرخ من الألم وحيدةً في المنزل، ونظرات أطفالي المليئة بالخوف لا تفارقني”.
هذا الوضع دفعها إلى وضع حدٍ لكل ما يحدث. فقررت الانفصال عن زوجها، متحملةً كل تبعات ذلك القرار، خصوصاً بعد أن ساءت حالتها النفسية أكثر.
وفي هذا الخصوص، أوضحت المرشدة النفسية مروى العواضي، أن “آثار العنف مترابطة على كل مستويات حياة النساء. وتصيبهن بأمراضٍ نفسية وجسدية مزمنة، بالإضافة إلى فقدان ثقتهن بأنفسهن، وبالمجتمع من حولهن”.
وأشارت في حديثها لـ”شريكة ولكن” إلى أن “سكوت النساء على العنف نابع غالباً من خوفهن”.
كما لفتت مروى إلى ضرورة وجود برامج إعادة تأهيل للنساء المعنّفات، تتناسب مع شخصياتهن ورغباتهن.
وهو الأمر الذي انتهجته أمل. فلجأت إلى استشارية أسرية، وحصلت على الدعم والتأهيل، لتستمر بحياةٍ سليمة صحياً ونفسياً لها ولأطفالها، بعد انفصالها عن زوجها.
الوعي.. طوق النجاة
لا يوجد انتشار للوعي حول حقوق النساء في اليمن بشكلٍ كافٍ. وهذه إحدى أبرز المشاكل والصعوبات التي تواجهها النساء اليمنيات.
فقانوناً، يحق لهن الإبلاغ ورفع دعوى ضد أزواجهن إذا كانوا يمارسون عليهن العنف.
وهو أمر مكفول لهن في جميع المواثيق الدولية المتعلقة بالنساء، التي صادقت عليها اليمن، وفي قوانين الدستور اليمني أيضاً.
على هذا الأساس، استجمعت أمل قواها وحزمت أمرها. وتمكنت من رفع دعوى خُلع على زوجها وإدانته أمام المحكمة.
كسبت القضية حينها؛ لتعود إلى مواصلة حياتها من جديد مع أطفالها بشكلٍ طبيعي.
وقالت: “أحببت ذاتي من جديد، وعشت حياةً سعيدة لم أكن أحلم بها، وأنا الآن ممتنة لنفسي كثيراً”.
ولفتت أمل إلى أنها وضعت أهدافاً لحياتها الجديدة، وبدأت في تحقيق أحلامها وطموحاتها.
فتوجّهت إلى استكمال الدارسة والتعليم والتدريب لتعيل أطفالها.
وفي فترةٍ قصيرة تلقّت عدداً من الدورات التدريبية، وتعلّمت الخياطة، وبدأت عملها كمُعلمة في إحدى المدارس الخاصة.
الملاذ الآمن
بعد ارتفاع قضايا التعنيف ضد النساء، خصوصاً في مدينة تعز، قررت شادية راحج، مع مجموعةٍ من النساء، إنشاء مركز لحماية النساء المعنفات، وإيواءهنّ بجهود ذاتية.
ليكون “مركز الحماية والتأهيل”، الملاذ الوحيد للنساء المعنفات في المدينة.
وقالت مديرة المركز شادية راجح لـ”شريكة ولكن” إن “المركز تأسس عام 2019، ويعتبر الوحيد الخاص بالنساء المعنفات في المدينة”.
وأكدت أنه “يقدّم الحماية، والدعم القانوني، والإرشاد النفسي والاجتماعي للنساء المعنفات والناجيات من العنف، ويشمل المُطلقات والأرامل والنازحات بسبب الحرب”.
وأضافت أن في المركز قسمان، قسم يعمل على إيواء المعنّفات والسجينات اللواتي رفض أهاليهنّ استلامهنّ من الإصلاحية المركزية.
وقسم ثان للتأهيل والتدريب، لتأهيل النساء وإكسابهنّ مِهن ليحصلن على التمكين الاقتصادي، وحمايتهن من التعرض للاستغلال”.
وأوضحت شادية راجح أن “المركز عمل حتى الآن على تخريج أكثر من 180 امرأة ناجية من العنف، بعد أن حصلن على التدريب والتأهيل، في مجال الأشغال اليدوية، من نقش وخياطة وتجميل وغيرها”.
بينما استقبل قسم الإيواء في المركز حتى الآن 120 ناجية، وقدّم لهن الحماية وإلإيواء، والدعم القانوني والنفسي.
كتابة: هيفاء المذحجي