أشواق الطيري .. التعليم كان مفتاح حياة جديدة لها رغم المعاناة

يشتد الخناق على الفتيات في معظم المناطق الريفية في اليمن. ويجدن صعوبةً في استكمال التعليم من دراستهن الثانوية، وما يليها من مراحل هامة لبناء مستقبلهن.

أما أسباب ذلك فعديدة، من بينها الفقر، وبعد مواقع مراكز التعليم عن القرى.

وفي محاولة منها لتوفير التعليم للفتيات، ذاع صيت شابة مكافحة، أصبحت خلال سنواتٍ قليلة من أبرز الشخصيات النسوية في مديرية الأزارق التابعة لمحافظة الضالع اليمنية، والمعروفة بطابعها الريفي.

“اسمي أشواق علي الطيري، ولدت في منطقة الأزارق عام 1986، وامتهنت القبالة منذ تخرجي من معهد أمين ناشر الصحي عام 2011″، هكذا عرّفت عن نفسها في مقابلةٍ خاصة لمنصة “شريكة ولكن”.

النضال من أجل التعليم

اشواق الطيري

عانت الطيري من ظروف اقتصادية عصفت بأسرتها وأخواتها الفتيات ووالدتهن التي تعيلهنّ وحدها.

وعن حياتها، قالت أشواق: “حين أتذكر طفولتي والمنعطفات التي مرّت في حياتي، أحمد الله أنها تحسنت وتغيرت بإصراري ومساعدة والدتي”.

وأضافت: “عانيت لإكمال دراستي الثانوية، ثم واصلت في معهد أمين ناشر للعلوم الصحية فرع الضالع، ودرست قبالة. نشأتُ يتيمة الأب، ووالدتي كافحت لتربيتنا، وشجعتني لأتعلّم رغم ظروفنا المادية الصعبة”.

وأوضحت أن والدتها “كانت راعية للمواشي نهاراً وفي الليل تعمل في مهنة الخياطة بواسطة ماكينة قديمة. وتحصل على مبالغ مالية زهيدة جداً، تكاد توفر لنا المأكل والمشرب وبعض احتياجاتي للدراسة”.

لكن، مع اشتداد تدهور الوضع الاقتصادي، وتقدم والدتها في العمر، أصبح الأمر أصعب.

إلا أن العائلة صبرت وكافحت، وتمكنت أشواق من بين شقيقاتها الأخريات أن تواصل دراستها وتحقق طموحها.

عقبات وقيود مجتمعية

اشواق الطيري

تبعد مواقع المدارس والثانويات والمعاهد عن القرى، ما يجعل العديد من الأسر تمتنع عن دعم فكرة تدريس الفتيات.

وفي هذا السياق، أشارت تقارير منظمة الأمم المتحدة للأطفال (اليونيسيف) إلى أن هذه المعوقات تبرز في المناطق الريفية أكثر من المناطق الحضرية.

وعن الصعوبات والمعوقات التي واجهتها خلال مسيرتها التعليمية، ذكرت أشواق أنها عانت من بُعد المسافة بين منزلها ومنشآت التعليم الأساسي والثانوي. كما أن الفقر كان عائقاً كبيراً في طريقها.

وأضافت: “لن أنسى تلك الأيام الصعبة، حتى من الجانب الاجتماعي، كان لي 3 أعمام ولهم أبناء حاولوا منعي من استكمال دراستي، لكن والدتي ساندتني، فلم يستطيعوا إعاقتي”.

نزول ميداني توعوي حول الجانب الصحي وتشمل في ذلك توعية الاطفال والاهالي حول اهمية التعليم وباقي القضايا الحقوقية
نزول ميداني توعوي حول الجانب الصحي وتشمل في ذلك توعية الأطفال والأهالي حول أهمية التعليم وبقية القضايا الحقوقية

 

وقالت: “لم يتوقف ضغطهم، فبعد تخرجي من المعهد، حاولوا منعي من العمل. لكنني لم أستسلم لرغباتهم. وشقيت طريقي، وعملت في حملات التحصين، وفي المركز الصحي القريب من منزلي براتبٍ زهيد، لطرد شبح الجوع والفقر عن منزلنا”.

كما بحثت أشواق عن عمل مع المنظمات العاملة في المجال الصحي في منطقتها، وتطوعت للعمل مع “منظمة أطباء بلا حدود” عام 2012 في المركز الصحي.

وسُجّلت إلى جانب العديد من القابلات والممرضات للعمل في المركز الصحي، في عاصمة المديرية.

واستمرت في عملها لأكثر من 6 سنوات مع “أطباء بلا حدود”، حتى غادرت المنظمة المحافظة عام 2018.

نجاح على الرغم من كل العقبات

تكريم اشواق الطيري
تكريم أشواق الطيري

 

تحولت أشواق الطيري إلى وجهة تقصدها الفتيات والنساء، الباحثات عن المشورة والمساعدة في مجال القبالة والرعاية الصحية، خصوصاً الحوامل والنساء المقبلات على الولادة.

قدمت خدماتها الطبية مجاناً للنساء من الأسر الفقيرة، وبمبالغ رمزية لأخريات من الأسر “المقتدرة” في المديرية.

كما تحرص على التطوع في المركز الصحي، في الأوقات التي لا تحصل فيها على تعاقد مع أي جهةٍ طبية.

وزادت من وتيرة دفاعها عن حقوق الفتيات، وناصرت قضايا النساء والأطفال والطفلات.

نزول ميداني توعوي
أشواق الطيري في نزول ميداني توعوي

 

تزوجت عام 2015 مع اشتعال الحرب في اليمن، من رجلٍ داعم لها، يرى فيها نموذجاً مشرفاً للشابة المجتهدة، ويساندها لتوعية الأسر في القرية، بحسب تعبيرها.

وقالت: “حظيت بزوجٍ واعٍ، زاد من تشجيعي أكثر على العمل في الجانب السياسي والحقوقي لمناصرة قضايا النساء والأطفال/الطفلات في قريتي، التي تعتبر من أشد القرى فقراً”.

تحرص أشواق على إقامة الندوات واللقاءات، وتكرّم الفتيات المثابرات في الدراسة. وتستهدف في حملاتها التوعوية الرجال والنساء.

وعن منصبها في المجلس الانتقالي الجنوبي، قالت: “شجعني زوجي للموافقة على تولي مهمة مديرة إدارة المرأة والطفل في المجلس الانتقالي الجنوبي في المديرية”.

وأضافت: “في السابق كنت أناضل وحدي وسط القرية والقرى المجاورة. أطرح قضايا وأناقشها رغم معارضة العادات والتقاليد لها”.

وأوضحت أنها اليوم أصبحت مدعومةً من مكونٍ سياسي يدعم حق الفتيات بالتعليم والحياة، وكافة الحقوق المدنية والسياسية.

لذلك، كثّفت جهودها ونشاطها الحقوقي والسياسي. وأكدت أنه “تتم دائماً توعية الأمهات على أهمية تعليم الفتيات. ومحو الأمية واجب علينا لحمايتهن، وعدم تركهن ضحيةً للفقر والجوع”.

أشواق الطيري في نزول ميداني توعوي
أشواق الطيري في نزول ميداني توعوي

 

تلقي أشواق محاضرات للتوعية من خطر تزويج القاصرات، وما يتبعه من مخاطر على الطفلات. وعن مناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي.

وتستهدف الرجال قبل النساء في ندوات التوعية واللقاءات التي تشارك فيها، كونها تعتبر أن “الآباء هم صناع القرار بحكم عاداتنا وتقاليدنا”.

وقالت عن ما تعيشه اليوم بنبرة فخر: “حطمت آمال كل من كان يرى أن التعليم لا فائدة منه. وخذلت كل من كان يرى أن تربية النساء منقوصة. أنا وأخواتي تربينا على يد امرأة كافحت لأجلنا. وأنا ممتنة لوالدتي التي أفنت عمرها من أجلنا”.

وأضافت: “لا أخجل من سرد قصتي ومعاناتي للفتيات الصغيرات اللاتي أصادفهن أثناء نزولي إلى المدارس الابتدائية، لحثهن على استكمال التعليم ومحو الأمية، والمثابرة لنيل مكانة اجتماعية وتعليمية مرموقة، ولتحسين حياتهن الاقتصادية”.

كما أشارت إلى أنها “اليوم أم لـ3 فتيات، وسأحرص بكل الإمكانيات التي أمتلكها أن أحسّن واقعهن وأن يلتحقن جميعهن بالدراسة. وأنا واثقة بأن التوعية المستمرة ستحدث فرقاً مع الوقت”.

ترى أشواق أن التعليم كان مفتاح حياةٍ جديدةٍ لها، على الرغم من المعاناة التي عاشتها منذ طفولتها.

وتتمنى لو أن كل الفتيات يحظين بالصبر والثبات، وبأمهات مثل والدتها ليحققن النجاح ويصنعن مستقبلاً أفضل لهن في اليمن، التي تشهد أسوأ أزمة إنسانية بسبب الحرب المستمرة.

 

كتابة: نور سريب

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد