كيف أثرت جائحة كوفيد 19 على تعليم الفتيات في الدول العربية؟ 

بعد وقتٍ قصيرٍ من ظهور جائحة كوفيد 19 أدرك العالم بوضوح أنها لن تكون مجرد أزمة صحيةٍ ضخمة، بل ستلقي بآثارها المدمرة على كل النواحي. وعلى رأسها الاقتصاد والأمن الغذائي والتعليم، وستزيد الفجوة بين الجنسين خصوصاً في ما يخص التعليم.

ففي عام 2020 فقط، تسرّبت نحو 405 فتاة من التعليم في مراحله المختلفة في الدول العربية، بسبب الجائحة، وفقاً لتقرير  منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”.

ومع أن الدول العربية هي الأقل نسبةً في التقرير من ناحية الحرمان من التعليم، لكن هذا التأثر كان ضخماً.

وفي الوقت نفسه، على المستوى العالمي، كان هناك 11.2 مليون فتاة معرضة لخطر فقدان التعليم عام 2020، منهم 5.2 مليون فتاة في مراحل التعليم الأولية. وذلك نتيجةً للعوامل الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بانتشار فيروس كورونا، مثل الحاجة إلى توليد الدخل، وزيادة مسؤوليات الأسرة ورعاية الأطفال/الطفلات والتزويج المبكر والقسري أو الحمل غير المقصود، أو الخوف من الإصابة بالفيروس.

لم يتعلق الأمر بالانقطاع عن استكمال التعليم فقط، بل ألقت هذه الأزمة بظلالها على حقوقهن الصحية، وأعاقت الكثير من خطط المساواة بين الجنسين.

ومرت ملايين النساء بفتراتٍ قاسية عانين فيها من أزماتٍ اقتصادية وصحية، مع ارتفاع معدلات الفقر وانخفاض الدخل وضعف الخدمات الصحية التي تم حشد معظمها لمواجهة الجائحة.

كما تسببت بوجود أكثر من 100 مليون طفل وطفلة غير قادرات/ين على استيفاء الحد الأدنى من مهارات القراءة بسبب الإغلاقات التي فرضها انتشار الفيروس في المدارس، وفقاً لدراسة أطلقتها اليونسكو في آذار/مارس الماضي.

وجاء في الدراسة أنه كان من المتوقع أن ينخفض هذا العدد من 483 مليون إلى 460 مليون طالب وطالبة عام 2020. لكن بدلاً من ذلك، ارتفع عدد الأطفال والطفلات الذين/اللواتي يعشن/ون ظروفاً صعبة إلى 584 مليون، وضاعت محاولات تحسين التعليم خلال العقدين الماضيين.

جهود المنظمات في الحد من آثار كوفيد 19

تحاول المنظمات الدولية الحكومية والمجتمع المدني دعم التعليم في ظل الجائحة، من خلال إتاحة اللقاح للتمكن من إعادة فتح المدارس. وإيجاد إجراءات لحماية الفتيات من فقدان حقهن في التعليم، ودعم المدرّسات والمدرّسين، والتعجيل بالتحوّل الرقمي.

وهذه المطالبات جاءت على أولوية مناقشات مؤتمر التنمية المستدامة في أفريقيا، الذي انعقد في العاصمة الرواندية كيغالي في آذار/مارس الماضي.

فأكد التقرير الصادر عن المؤتمر أن “أفريقيا ما زالت تشهد تفاوتاً مستمراً في القدرة على ضمان التعليم للجميع. وتتأثر بشكلٍ أكبر الفتيات الصغيرات في المجتمعات الفقيرة والمهمشة، ويزداد الأمر صعوبة في حالة الأطفال والطفلات المصابات/ين بإعاقة أو المتنقلات/ين من مكانٍ إلى آخر”.

بينما قالت وزيرة التعليم في رواندا الدكتورة فالنتين أوامارية، في مقابلة مع “شريكة ولكن”، إن “كوفيد 19 ألقت بظلالها على الجميع، لكن التأثير الأسوأ كان على الفتيات لأسباب عديدة. أهمها تحمّلهن لمسؤولية رعاية العائلة والقيام بالمهام المنزلية، ومعاناتهن من تحديات كثيرة تجعل وصولهن إلى حقهن في التعليم أمراً بعيد المنال”.

واعتبرت أن “هذا التأثير على الفتيات مشكلة ضخمة لا يمكن لوزارات التعليم في البلدان المختلفة أن تعالجها وحدها، بل يتطلب الأمر العمل مع قطاعات أخرى أيضاً معنية بالنساء والطفلات، لمنح التمويل المالي للأسر وإدراجهم/ن تحت مظلة حماية اجتماعية تجعلهن/م لا يواجهن/ون مشكلاتٍ مع إعادة بناتهن/م إلى التعليم، وحتى لا يعتبرن/ون بالتالي أن تعليمهن مجرد رفاهية”.

وأضافت: “في رواندا، نعمل على ضمان المساواة في الوصول إلى التعليم والقضاء على الفوارق بين الجنسين”.

في السياق نفسه، قالت الأمينة التنفيذية للّجنة الاقتصادية للأمم المتحدة فيرا سونغوي، في كلمتها الرئيسية في المؤتمر، إنه “ينبغي العمل على دعم وصول فئة الشباب والفتيات خصوصاً إلى الإنترنت لدعم التعليم كأحد أهم أهداف التنمية. وفي الوقت نفسه، يجب تطوير نظم التعليم الرقمية لمساعدتهن على الابتكار وإيجاد وظائف بأنفسهن، ودعم التعليم في ظل انتشار كورونا”.

من جهةٍ أخرى، يؤدي إغلاق المدارس إلى تعريض الفتيات أكثر للتزويج أو الحمل المبكر، والعنف الجنساني وكلها مخاطر تحد من قدرتهن على استكمال التعليم، كما يرى تقرير صدر عن الأمم المتحدة بعنوان “التعليم أثناء جائحة كوفيد 19 وما بعدها”، عام 2020.

إذ وجد التقرير أن 40% من أشد البلدان فقراً أخفقت في دعم التعليم أثناء الجائحة.

كما أظهرت الإحصاءات ميلاً إلى إغفال أوجه التفاوت في التعليم بين الجنسين وانعدام المساواة. فزادت الأعباء المنزلية أحياناً على الفتيات الصغيرات، وحرمتهن من الحصول على الوقت للتعليم.

واتفق مع هذه المخاوف تقرير آخر صدر عن صندوق “ملالا” لتعليم الفتيات عام 2020، وجد أن أكثر من 10 ملايين فتاة تتعرض لخطر التسرب من التعليم بسبب كوفيد في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.

كيف تأثرت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟

 

بشكلٍ عام، اختلفت عملية التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كثيراً عما كانت عليه بحسب برنامج تعقب تعافي التعليم العالمي. وهو مبادرة تشاركية بين البنك الدولي ومنظمة اليونيسيف وجامعة جونز هوبكنز، لتقييم التعليم أثناء الجائحة.

إذ عاد/ت الطالبات والطلاب في 45% من بلدان هذه المنطقة إلى الدراسة داخل الفصول، منها مصر وتونس والجزائر والعراق والإمارات.

لكن لا تزال البلدان المتبقية تعتمد على الأساليب الهجينة، مثل الأردن ولبنان وعمان والبحرين والمغرب، أو إبقاء المدارس مغلقة في بعض المراحل التعليمية أو لبعض الطالبات والطلاب مثل الكويت وليبيا والسعودية وسوريا.

وأكدت مديرة منظمة المرأة العربية فاديا كيوان، في مقابلة خاصة مع “شريكة ولكن”، أن “فيروس كورونا كان له تأثير كبير على تعليم الفتيات وعلى ظروف حياتهن بأكملها. ففرضت إجراءات احترازية وتدابير حجر منزلي حجبت الوصول إلى المدرسة عنهن، لأن الدراسة في المنزل كانت تتطلب توفر وسائل تكنولوجية معينة لم تكن متاحة للفتيات بنفس القدر الذي أتيحت به للفتيان”.

وأضافت أن هذا الأثر “يتضاعف في المناطق التي يحدث فيها تهجير قسري وفي مخيمات النزوح التي تعيش فيها النساء والفتيات ظروفاً صعبة. وبالتالي ضاعت منهن فرص التعليم التي كانت قليلة بالأساس. للأسف النساء هن الحلقة الأضعف التي تتأثر بالأزمات الاقتصادية والصحية والاجتماعية أو الكوارث الطبيعية أكثر من سواهم دائماً”.

ويبدو مخيفاً أن يتوقع التحالف العالمي للتعليم الذي أطلقته اليونسكو، أن هناك 11 مليون فتاة قد لا يعدن إلى المدارس مجدداً بسبب الجائحة، إضافة إلى 130 مليون فتاة كنّ لا يذهبن إلى المدرسة أصلاً قبلها، وهو ما سيؤدي إلى فجوة ضخمة، ستؤثر على بلدانهن من جميع النواحي.

في السياق نفسه، أطلقت “اليونسكو” و”اليونيسيف” و”صندوق ملالا” وهيئة “بلان إنترناشينوال”، دليل إعادة الفتيات إلى المدارس، جاء فيه أن “الجائحة أدت إلى زيادة تعرض الفتيات للعنف القائم على النوع الاجتماعي، والعنف والاستغلال الجنسي”.

وطالب بإعادة بناء نظم تعليمية قادرة على التصدي للضغوط الناجمة عن الجائحة، وحماية الفتيات من التسلط عبر الإنترنت، وإنشاء بيئات آمنة ومراعية للنوع الاجتماعي، ودعم موظفات/ي قطاع التعليم لدعم الفتيات اللواتي يكافحن نفسياً.

بشكلٍ عام، كل سنة دراسية إضافية يمكنها زيادة أجور النساء بنسبة 12% كما يرى البنك الدولي. لذلك، تبرز الحاجة الملحة جداً لدعم الفتيات ومنحهن الإمكانيات الكافية لاستكمال تعليمهن في ظل الظروف القاسية التي خلقتها جائحة كوفيد 19.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد