ماذا نعرف عن التلاعب النفسي والابتزاز الذكوري؟

يُذكّرنا التلاعب النفسي بأننا نعيش في عالم تتحكم فيه أنظمة قمعية. تمارس هذه الأنظمة عنفًا مباشرًا وتستخدم أدوات غير مباشرة للتحكم والسيطرة.

بناءً على ذلك، انتشر التلاعب النفسي والابتزاز العاطفي في العلاقات الاجتماعية وعلاقة الأفراد بالمؤسسات والبنى السياسية والدينية. كما أصبح سلاحًا في يد كل مَن يمتلك سلطة أو هرمية في المجتمع.

لهذا، تنتشر الحيل النفسية التي تهدف لتشكيك الشخص في حكمه/ا ومشاعره/ا وتنزع عنه/ا الأهلية. هذه الأدوات خطيرة جدًا، لكونها تشكل عثرة أمام تحقيق تواصل ندي وخالي من السميّة.

ماهو العنف النفسي وكيف يستخدم لترسيخ النظام الأبوي؟

يعتبر العنف النفسي أحد أشكال العنف بشكلٍ عام، لكنه من أكثرها خطورة. حيث تتم ممارسته بشكلٍ غير مباشر ويصعب رصده، بسبب التلاعب والابتزاز والحيل النفسية. والأخيرة تهدف لتشكيك الضحية في نفسها، وجعلها تعتقد أنها المخطئة والمتسببة في أي أذى يمارس عليها.

ويظهر التلاعب والابتزاز العاطفي بشكلٍ أكبر في العلاقات الاجتماعية القائمة على الهرمية الجندرية. مؤخرًا، شهدنا نموًا للخطاب النسوي المناهض للعلاقات السامة بالعربية. ساعد هذا الخطاب في كشف الممارسات والحيل التي تستخدم عادة من المعنفين، للتحكم في الضحايا. 

كما شهدت العقود الأخيرة ازدهارًا في الدراسات النسوية في علم النفس التي فككت العنف النفسي كجزءٍ أساسي من النظام الأبوي.

ساهم ذلك في ظهور مفاهيم تدل على التلاعب النفسي مثل الـ (Gaslighting)، أو التشويش الإدراكي. وهو شكل من أشكال الأذى والعنف النفسي، وتم تصنيفه بأنه ظلم معرفي تمييزي. 

ويحدث التلاعب النفسي عندما ينكر شخص ما ذو نفوذ وسلطة، جندرية أو طبقية أو عرقية، الأذى الممارس على أساس الهوية الاجتماعية لآخرين/أخريات. كما يحدث بإنكار شهادتهم/ن حول الأذى الذي حدث. هذا النوع من العنف يوصف بأنه شكل من أشكال الإساءة النفسية والعاطفية ذات الأثر العميق.

التلاعب النفسي وأثره على النساء

من جهة، يعد الأذى النفسي الناتج عن هذه الممارسة ذو نتائج كارثية على من يقع عليهن الأذى بالدرجة الأولى. ومن جهة أخرى، له تأثيراته في تغذية واستمرار العنف، كبنية ايديولوجية.

حيث قاربت النسويات التلاعب النفسي من زاوية أنه نوع من الظلم المعرفي. وقصدن به استهداف قدرة الضحية على الإدراك، من خلال تشكيكها في كل ما تعرفه وفي مشاعرها.


كما يهدف هذا الأسلوب لتقويض النساء، بإنكار شهادتهن حول الأضرار التي لحقت وتلحق بهن من قبل الرجال والنظام الأبوي السياسي والاجتماعي.  

ويكون تحدي مصداقية الضحية وقدرتها على إدراك الأذى باستخدام أسلوبين. أولهما، التهرب من الأدلة التي تدعم شهادتها. وثانيهما، تحويل الموضوع  إلى هجوم على شخصية الضحية، أي استهداف تركيبتها الشخصية، أو ولائها للشخص المؤذي.

يستخدم هذا التكنيك القمعي لاستدامة النظام الأبوي، وتطبيع ممارسات العنف والاضطهاد الذكوري. كذلك يتم استخدمه لقطع الطريق أمام النساء والأشخاص من هويات جندرية وميول جنسية غير نمطية في أن يناهضن/ون النظام الأبوي.

تمكين الذكوريين بهذه الوسائل جعلها سمة مرافقة للعلاقات الاجتماعية والعاطفية، لتبرير العنف والتمييز والمعاملة المسيئة. وتفرض هذه الوسائل على الضحايا البقاء في علاقات سامة وعنيفة، بسبب انتشار لوم الضحية.

والجدير بالذكر أن نشر النظام الأبوي لممارسة الإساءة والعنف في العلاقات الاجتماعية له هدف أيديولوجي أكبر. هذا الهدف هو تبرير وتطبيع التمييز في النظام السياسي والاقتصادي، بحيث يصعب أن تحدث تغييرات أو احتجاجات ضده.

التلاعب النفسي وجذور كراهية النساء

يشمل الاضطهاد النفسي القائم على الذكورية مجموعة وسائل وأدوات تهدف لترسيخ السلطة الأبوية من خلال التلاعب والابتزاز. ويهدف إلى عزل النساء والأشخاص من فئات جندرية وجنسانية مختلفة عن أنفسهن/م، ووضعهن/م في خانة فقدان الأهلية والرضوخ للعنف.

وتعد هذه الأنماط من أكثر الوسائل الذكورية شيوعًا لتطبيع وتفعيل كراهية النساء (الميسوجينية). حسب تعبير كيت مان، الميسوجينية هي أمر بنيوي للأنظمة الاجتماعية.

حيث تتعرض النساء غير الممتثلات للذكورية إلى أنواع مختلفة من العداء، وأكثرها انتشارًا هو التلاعب النفسي. والغرض منه هو فرض القواعد الأبوية، ولا سيما مطالبة النساء بلطف وحنان، بخدمة الرجال وقبول السلطة.


ويظهر التلاعب والابتزاز النفسي كلما همت الضحايا بمواجهة الأذى، ولا أدل على ذلك مما يحدث للضحايا/الناجيات من العنف النفسي. إذ يتمحور إنكار مصداقيتهن حول التلاعب بقدرتهن على الحكم، وتكذيب تجاربهن وابتزازهن نفسيًا. وذلك بالتركيز المفرط على حيواتهن الشخصية، وإبراز ما يعتبر كعيوب في المجتمع، لتقويض أي محاولة لإثبات العنف.

التلاعب النفسي في العلاقات الشخصية

بالقدر نفسه تتعرض النساء داخل العلاقات الاجتماعية والعاطفية للإساءة من خلال التلاعب النفسي. حيث يحرص المعنف/المؤذي على عزلهن اجتماعيًا وهز ثقتهن في أنفسهن، بغرض التلاعب بالحقائق واستمرار العنف.

يمكننا تعريف التلاعب النفسي الذكوري في المجتمع بأنه ظاهرة سياسية. ذلك أنه يرتبط بالبناء الإيديولوجي للنظام الأبوي الذي سخر أنظمة كاملة لإضفاء الشرعية على اضطهاد النساء.

وهذا ما يجعل الانتهاكات والعنف النفسي الناتج عن البناء الأيدولوجي والسياسي للنظام الأبوي يؤدي إلى اضطهادٍ نفسي. كل ذلك بالإضافة إلى الاضطهاد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي تعيشه النساء والأشخاص غير المعياريات/ين.

وبالتالي، فإن العنف النفسي الذي ينبع من كراهية النساء هو بالمثل ظاهرة جماعية. وذلك لأنه يعمل على فرض قواعد النظام الأبوي، عن طريق تثبيط النساء عن توجيه اتهامات ضد الرجال الذين يؤذونهن.

وهذا بدوره، يسمح للرجال بالإفلات من المحاسبة، ويشجعهم على ارتكابها مجددًا وبحق عدة أفراد. كما يساعد على تعزيز سلطتهم على النساء، ودفعهن إلى قمع أحكامهن أو الشك فيها، وربط الإساءة بكونها حبًا أو نتاجًا “طبيعيًا” للهرمية الجندرية.

الهدف ليس الضحية وحدها

تكمن خطورة العنف النفسي الذي يتجلى عبر التلاعب والابتزاز بإنه ممارسة جماعية. وهذه الممارسة تستهدف فرض معايير الأبوية، وتعزيز الشك الذاتي لدى النساء علنًا.

حيث تمارس هذه الأفعال المسيئة في المجال العام، من خلال الإعلام والمؤسسات الدينية والنظم الثقافية. وهو ما يساهم في جعل التلاعب وتكذيب النساء جزء من التركيبة الاجتماعية يمارسه رموز وأشخاص ذوي/ذوات مكانة ونفوذ.

هذا النوع من العنف النفسي العام فعال بشكل خاص في التلاعب بالنساء، للتكهن بآرائهن حول الذكورية. وهذا لأنه يستهدف جميع النساء اللواتي يشاهدن، وليس الضحية فقط.

وإذا حدث ذلك بانتظام، فهو قادر على حث النساء على حالة ذهنية معينة، يتخلين فيها عن تصورهن ورؤيتهن وتمييز ما إذا كان تصرف الرجل أو التمييز الممنهج تجاههن خاطئًا أو ضارًا، وبالتالي إيقافه.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد