جنسنة الإبادة… عندما يستخدم الصهاينة التشييء الجنسي كسلاح حرب

تمثل جرائم الحرب الاستعمارية على غزة، كما كل مرحلة من مراحل استعمار وتدمير فلسطين، تغذية للمخيال الإرهابي الصهيوني، حيث يقوم جيش الاحتلال بانتاج مزيد من الشر والوحشية من خلالها.

فما بين التقاط صورٍ داخل منازل أهل غزة المجبرات/ين على النزوح، واستخدام التشييء الجنسي والتعبيرات الذكورية تجاه النساء الفلسطينيات ومتعلقاتهن، يؤكد الاستعمار أن لا حدود لإرهابه.

النظام الأبوي يغذي العنف الاستعماري

منذ بدء الاستعمار كنظام هيمنةٍ سياسية واقتصادية واجتماعية، كان من ضمن أولوياته استخدام الأسلحة الذكورية بذريعة الانتقام من نساء المستعمرات، وتسجيل انتصارات عبر أجساد النساء وموقعهن الاجتماعي.

لهذا تعتبر أدوات النظام الأبوي من اعتداءٍ وتشييء جنسي، أحد أكثر الأسلحة فتكًا في الحروب والهجمات الاستعمارية. إذ يهدف من خلالها العدو إلى رسم خريطة إذلال وسيطرة تتغذى على الصور والنظرة الأبوية للأجساد والعلاقات الاجتماعية، فتصبح النساء وأجسادهن وملابسه وكيانهن عرضة للاستهداف، بالنظر إلى اعتبارهن الحلقة الأضعف في النظام الاجتماعي.

لهذا يستهدف الكيان الصهيوني النساء الفلسطينيات من خلال قيمٍ وممارسات أبوية تؤدي دورًا كبيرًا في تغذية الخيال الصهيوني عن النصر الزائف. أي اعتبار أن العنف الذكوري ضد النساء في غزة يمكن أن يعطي لهم دفعة معنوية في قهر الشعب الفلسطيني.

في الحقيقة فإن هذه الممارسات تكشف عن الهياكل العنيفة جنسيًا للاستعمار الاستيطاني العسكري والاحتلال على نطاق أوسع.

الإذلال والتشييء الجنسي.. سلاح حرب الصهاينة

لطالما كان العنف الجنسي واستخدام الأنماط الذكورية محركًا أساسيًّا للعنف الاستعماري، وسلاحًا يتخذه عندما يريد أن ينشر مشاعر الخوف والاخضاع في وسط المجتمعات التي يحتلها.


وكان استخدام التقنية في نشر هذا الانتهاك وسيلة لجعل الكيانات الاستعمارية تشعر بتفوقٍ أكبر، وتشحن جنودها بطاقةٍ ذكورية تجعلهم قادرين على المواصلة.

ظهر ذلك في استخدام الإذلال الجنسي ضد نساء المستعمرات ونشر صورهن، وفي نشر التعذيب الجنسي ضد المعتقلين، التي كانت أكثرها صدمة صور الإذلال الجنسي لمعتقلي أبو غريب من الجيش الأميركي.

وإلى جانب الاستخدام الواسع للاعتداء الجنسي سلاحًا في الحروب الاستعمارية التي شنها الكيان الصهيوني على فلسطين وعلى غزة مراتٍ متعددة، فإن جنسنة الإبادة والتشييء الجنسي للنساء الغزيّات كان الوجه الآخر لهذا السلاح.

وغالبًا ما كان التعاطي النسوي مع ظاهرة جنسنة الإبادة من جنود الاحتلال في السياق الفلسطيني دون المستوى المطلوب. إذ تم تجاهل استخدام هذا السلاح للانتقام من النساء الفلسطينيات، حتى وصل الأمر إلى جعله محركًا عامًّا للعداء الصهيوني لغزة والشعور بالتفوق والانتصار.

العنف الذكوري في انتهاك المساحات الخاصة لنساء غزة

انتشرت في الآونة الأخيرة صورًا لجنود الاحتلال وهم ينتهكون المساحات الشخصية للنساء النازحات أو/و الشهيدات والمفقودات، وذلك من خلال التقاط صورٍ للجنود وهم يعبثون بملابسهن الداخلية ويستخدمون إيحاءات جنسية وأنماط السخرية، بهدف السيطرة على مشاعر الآخرين وإثارة الغضب أو الإحساس بالتفوق وإخضاع الأشخاص عبر الممارسات الذكورية.

تظهر الصور الملتقطة من الجنود، مكامن الإرهاب الذكوري والاستعماري في العقلية التي ينشأ عليها الصهاينة، وحقيقة بحثهم عن المتعة والسخرية في الإبادة والتدمير.

يلتقطون الصور وسط مذابح يومية، وسط القصف، والتجويع القسري. يفعلون ذلك وهم يستهدفون الأطفال/الطفلات الفلسطينيين/ات من أجل انتصارات ديموغرافية.

صورهم تقدّم دون خجلٍ من حقيقتهم الإبادية. يمدون ألسنتهم، والابتسامة الوحشية والقذرة ترتسم على وجوههم. ينظرون إلينا! عبر الكاميرا، ويوجهون لنا خطابًا صامتًا، حافلًا بمكامن الإرهاب: انظروا ماذا وجدنا. إنها حمالة صدر، حمالة صدر امرأة، حمالة صدر امرأة فلسطينية تُركت في منزل اضطرت إلى النزوح منه. والآن أصبحت ملكنا، وسوف نعبث بها لأننا نستطيع ذلك، وسنأخذها إلى الشارع ونقف معها ونظهر للعالم من نحن. جنودٌ طغاة مستعدون للإبادة الجماعية والانتصار الذكوري.

من خلال هذه الصور يبعث الجنود برسائل إلى النساء المفقودات، وربما حتى إلى شركائهن/م المفقودين/ات الذين أحبوا بعضهن/م البعض. فينتهك اللحظات الحميمية، ويتفاخر بانتهاكه كما اعتاد على التفاخر بجرائمه.

هذه الصور هي تجسيدٌ لتسلّط النظام الأبوي، حيث يتم اختراق العلاقات الأكثر حميمية والأفكار والمشاعر والرغبات الخاصة، ويتم نهبها وتمزيقها، وتحويلها إلى نكات. كما أنها عروضٌ ذكورية مبنية على الإذلال الذي يعتمده الاحتلال الصهيوني وقودًا لتغذية استمراريته.

إن استكشاف استخدام أدوات النظام الأبوي في الحرب والاحتلال الاستعماري والعنف، يمكن أن يساعدنا على التعامل بشكلٍ أفضل مع مآسي العنف الجنسي في الحرب الإستعمارية. كما يذكرنا بضرورة دمج مناهضة الإمبريالية ومناهضة النظام الأبوي والسياسة الاستعمارية في التحليل النسوي.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد