كذبة المدني المسالم وحقيقة المستعمر العنصري

خلال سبعين عامًا من الاستعمار الصهيوني لفلسطين، انتشرت كذبة المواطن الإسرائيلي المدني المسالم. إذ سخّرت “إسرائيل” وحلفاؤها الوسائل الإعلامية والأكاديمية وحتى المؤسسات الدولية لتلميع هذا الاحتلال وشرعنته. وكانت العقود الماضية فارقة في تثبيت وجود هذا الكيان وتطبيعه، من خلال السوق الرأسمالية العالمية التي يتحكم فيها الصهاينة والمستعمرون.

لم تكن حرب الإبادة الأخيرة على غزة إلا استكمالًا لمشروع التطهير العرقي، الذي يعد ضروريًا لبسط سيطرة الكيان الصهيوني على كامل الأراضي الفلسطينية. لكنها أوقعت هذا الكيان في شر أعماله، وبيّنت دون شك أن كل المحاولات الهادفة لوضعه ضمن سردية “حقوق الإنسان” و “الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، و “الدولة الواعدة”، لتحقيق شعارات الحرية والسلام على المقياس الغربي، تبخّرت بفعل التناقض الاستعماري الواضح.

الحقيقة العنصرية وراء الاستعمار

يعتبر الكيان الصهيوني الإنتاج الأفظع للإمبريالية العالمية. فرغم كل محاولات التلميع التي تقوم بها أميركا والدول الأوروبية والأنظمة القمعية المتواطئة معها، فإن هذا الكيان أنتج ثقافة عنصرية ومتعطشة للدماء. وهذه الثقافة بدورها أنشأت مجتمعًا استيطانيًا مخيفًا وموغلًا في الشر.

تعتبر المجتمعات الاستيطانية الصهيونية المنتشرة على امتداد التراب الفلسطيني بؤرة للكراهية والعنصرية. حيث يتم تلقين العنف ضد الشعب الفلسطيني والنظر إليه بتعالٍ، والسخرية من التدمير الذي يقوم به الاحتلال. 

وهذه البنية تعد أساسية لتزويد المستوطن/ة بالمشاعر الاستعمارية اللازمة لقيامه/ا بمهام التطهير العرقي ضد السكان الأصلانيين/ات. هذا الاستعلاء والشعور بالتفوّق هو ما نشاهده باستمرار في المقاطع المصورة للصهاينة. إذ يقمن/ يقومون بوصف الشعب الفلسطيني بأقدح الأوصاف العنصرية ويضحكن/ون على مآسيه. كما يعتبرن/ون أن ما يقمن/ون به بوصفهنّ/م مجتمعًا استيطانيًا من جرائم بحق الإنسانية هو حقهن/م المطلق. 

هذا التناقض يفضح الرواية الرسمية التي تصدر عن الصهاينة، من أكبر الدول الاستعمارية وإعلامها المتحيز.

كذبة المدنية الصهيونية

حققت كذبة “الاسرائيلي المدني” المسالم، وتشويه الشعب الفلسطيني وشيطنته ووصمه بالإرهاب نجاحًا نسبيًا. فالصهيونية عقيدة استعمارية، يتغذى عليها المستوطنون/ات منذ الصغر، وتعلمهم الكراهية والعنصرية والسعي لمحو الشعب الفلسطيني والسخرية من آلامه.

يكشف الصهيوني نفسه بأنه ليس سوى مستعمر مسلّح لديه هدف واضح وهو إزالة الوجود الفلسطيني، باعتباره مُهددًا لوجوده هو. يظهر ذلك دون خجلٍ في السخرية والتهليل للإبادة من قبل المستوطنين/ات. وكذلك في مقاطع التفاخر بحمل السلاح، وتعليم الطفلات/الأطفال استخدامه، كوسيلة للدفاع عن النفس في المستقبل.

بالطبع، هذا الدفاع عن النفس هو نفسه مفهوم استيطاني، يعتبر مقاومة الاستعمار إرهابًا، ويزرع هذه الفكرة في الأفراد منذ الطفولة. فيكبرن/ون على الشعور بالاستحقاق تجاه أرض الغير، والسعي لطرده وإبادته من أجل السلام المزعوم.

هذا التناقض يفضح الرواية الرسمية التي تصدر عن الصهاينة، من أكبر الدول الاستعمارية وإعلامها المتحيز. فيتم تصوير المجتمعات الاستيطانية في فلسطين بالمدنيين/ات الأبرياء، وتبرير الإبادة على غزة والمجازر المستمرة لما يزيد على سبعة عقود بأنها رد فعل على “إرهاب” الشعب الفلسطيني. يحدث ذلك دون الالتفات إلى حقيقة أن الكيان الصهيوني نفسه كيان استعماري محتل للأراضي الفلسطينية.

 

View this post on Instagram

 

A post shared by Sharika WaLaken (@sharikawalaken)

اختلفت الشعوب والاستعمار واحد

تمكنت العديد من الأجيال التي خاضت حروب الاستقلال والتحرر الوطني من دحر أكاذيب الاستعمار، ونشر التاريخ والحضارة والثقافة الأصلانية، والتصدي لمحاولات الطمس الممنهج التي قام بهذا النظام وجعلها غطاءً لنهبه. 

إلا أن الاستعمار العقلي مازال مسيطرًا حتى اللحظة، بسبب سيادة قيم هذا النظام وبنياته الثقافية والإعلامية المهيمنة دوليًا. يومًا بعد يومٍ، يثبت الاستعمار عداءه لوجود هذه الشعوب نفسها وليس ثقافاتها فقط، كما يدّعي. فوجودها هو نقيض لوجوده، واستمرارها بالعيش ضمن كيانها التاريخي، يُشعر هذا النظام بالتهديد. كما يشعره بالنقص وعدم القدرة على استكمال مشروعه في بسط سيادته المطلقة على مواردها وأراضيها.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد