شركاء في الصحة فقط.. رجال يتركون شريكاتهم بسبب السرطان 

“كثيرات منا يتركهن شركاؤهن العاطفيون، بمجرد علمهم إصابتهن بمرض السرطان، وخصوصًا لو كان المرض في الثدي”.

في أحد الأيام الشتوية الدافئة، كنت أتجول داخل النادي الرياضي الذي أرتاده عادة، ووجدت معرضًا للمنتجات المتنوعة. لفت انتباهي  مجموعة من النساء المبتسمات، وكأن طاقة إيجابية تشع منهن. تفقدت منتجاتهن، وهي نتاج ورش تدريب تنظمها جمعية خاصة بدعم مريضات السرطان في مصر.

قمت بإعداد تقرير صحفي عن نشاطهن، إلا أن إحداهن استوقفتني وأمسكت بيدي قائلة: “لدينا مشكلة كبيرة ونتمنى أن تكتبي عنها”.

شعرت بالفزع مما سمعت. فكثيرًا ما تغنّت الدراما بدعم النساء لشركائهن عند المرض، بل ورفضهن الزواج بعد وفاة الزوج. هذا علاوة على قصص أعرفها في دوائري الاجتماعية المقربة، لرجالٍ تمسكوا برعاية شريكاتهم المريضات بالسرطان.

لا أعرف لماذا تذكرت صيغة الزواج المعروضة في الأفلام الأجنبية، حينما يردد الراهب عبارة: “في السراء والضراء، وفي المرض والعافية”. أين ذهبت هذه الوعود؟

قررت البحث في الأمر، وكانت المجموعات الخاصة بدعم مريضات السرطان عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” هي بوابتي الأولى. طرقتها، وتفاجأت أن الأمر منتشر، وهو ما أكده تواصلي مع مسؤولين/ات من مؤسسات داعمة لمرضى/مريضات السرطان.

تساءلت: ما هو نوع الشراكة العاطفية التي يمكن أن تربط بين شخصين، إذا اقتصرت على لحظات الصحة والسعادة؟

“شعرت أن الطلاق بداية جديدة لي”.

“أنتي بقيتي مريضة.. متنفعيش”

“اسمي بسمة، قولي اسمي عادي مش عايزة اسم مستعار”. هكذا بدأت حديثها، مؤكدة أنه ليس لديها ما تخجل منه، بل على الطرف الآخر أن يخجل.

قبل 6 سنوات عندما كان عمر بسمة 25 عامًا، فوجئت بتورم في الغدد اللمفاوية ما بين الفخذين. خافت، لأنها من أسرة تاريخها الوراثي يظهر فيه الإصابة بالسرطان عادة بعد سن الستين. وعندما ذهبت لطبيب، طلب منها فحوصات رفض شريكها دفع ثمنها، فلجأت لطلب المساعدة من أسرتها. وفي اليوم المحدد للفحص، ظلّ يكرر عبارة: “أنتي بقيتي مريضة متنفعيش”.

شريك بسمة السابق هو الحب الأول، وهو أيضًا ابن خالتها، وكانت في منتهى السعادة عند زواجها منه. لكن الزيجة كانت تعيسة بدرجة فاقت قدرتها، إذ لم يحبها يومًا، وكان يردد أنه استجاب فقط لرغبة والدته. كان دائم الاعتداء الجسدي عليها، فضلًا عن عدم الاهتمام بصحة أطفالهما.

أخبرها الطبيب أن استمرار الضغط النفسي عليها ساهم بشكلٍ كبيرٍ في تطور مرضها. “حينها كرهته، لأنه كان السبب في مرضي”.

في اليوم المحدد لسحب العينة، تلقّت بسمة وصلة من الضرب المبرح من شريكها، فهدّدت بإلقاء نفسها من الشرفة، وغادرت بملابس النوم.

أكثر ما يؤلم بسمة هو وجهة النظر الذكورية لدى عائلتها التي لا تعرف الرحمة، بحسب وصفها. إذ رفضوا/ن طلبها الطلاق، وكذّبوها/كذّبنها فيما ذكرته حول حالتها الصحية. ثم قامت بتحريك دعوى قضائية بالطلاق خلعًا، ما أغضب عائلتها، لدرجة أن خالها تعدّى عليها بالضرب، وحررت ضده محضرًا رسميًا.

تذكر بسمة ما ارتدته من ملابس وقت الطلاق قائلة: “كنت أبدو وكأنني عروس تستعد للزفاف. ارتديت فستانًا أبيض، ووضعت مساحيق التجميل على وجهي. غضب الجميع حينها، لكني شعرت أن الطلاق بداية جديدة لي”.

رجاء عدم الاتصال!

“تخلى عني شريكي بعد علمه إصابتي بمرض السرطان”. هكذا بدأت رشا حديثها عن الصدمة التي تلقتها من شريكها العاطفي. ظل مرتبطًا بها طوال خمس سنوات. يلحّ في طلبه الزواج منها، ترفض وتتركه فيعاود الإلحاح مرات ومرات.

تشعر رشا بالندم على سنوات عمرها التي ضاعت إلى جواره، وتقول : “أشعر بالحسرة الآن. أذهب لجلسات العلاج وحدي، وأرفض أي مساعدة وكأنني أعاقب نفسي لأنني منحت هذا الشخص خمس سنوات من عمري. لن أنسى كلماته الأخيرة عندما أخبرته أنني سوف أبدأ جلسات العلاج الكيماوي. تمنى لي الشفاء، وطلب عدم الاتصال به مرة أخرى”.

ابتسام لم يكن لها نصيب من اسمها، وهي امرأة أربعينية لديها ابن واحد. كان الحزن الذي سبّبه لها شريكها العاطفي سببًا في تدهور مستوى مناعتها، ومن ثم اكتشاف إصابتها بسرطان الثدي.

تخضع ابتسام حاليًا للعلاج، بعد معاودة المرض للظهور. تقول لـ”شريكة ولكن”: “دعمت شريكي السابق، وشجعته على العلاج من الإدمان، لكني فشلت في مساعدته. تركت المنزل وعدت للعيش مع والدتي، وشعرت بالقهر عندما علمت ببيعه أثاث المنزل ومقتنياتي الخاصة لشراء المخدرات”.

تكمل قائلة إن شريكها السابق عند علمه بمرضها عرض عليها الرجوع إليه، لكنها رفضت. “لم تتغير أي من الأسباب التي دفعتني للانفصال. وهو لم يكرر عرضه مرة أخرى، ولم يهتم بالسؤال عني ولا عن ابنه”.

بطلان الزواج بسبب السرطان!

“من فضلك يا أستاذة ارفعي لنا قضية بطلان زواج.. العروسة عندها سرطان”. هذه هي العبارة التي تفاجأت بها سحر أبو العباس المحامية، ورئيسة مركز المحاماة العلاجية، وجاءت على لسان رجل جاء إلى مكتبها بصحبة ابنه.

في البداية، اندهشت سحر من الأمر، لأن طلب البطلان جاء على إثر رغبة والد الزوج. حيث جاء للسؤال عن الحقوق الشرعية للعروس المريضة بسرطان الرحم الممتد لمنطقة الشرج والمهبل بصورة تمنع إقامة ممارسة جنسية. وبالتالي، قد يترتب على ذلك استحالة الإنجاب، وهو ما أخفته أسرتها عن الزوج.

أخبرتهم/ن سحر أبو العباس بأنه “طالما حدثت خلوة شرعية ولم تحدث علاقة جنسية فإن للزوجة نصف مستحقاتها المالية. كما لا يجوز أن يكون مرض الزوجة سببًا في بطلان عقد الزواج. في حين أن مرض الزوج الذي يمنعه عن الممارسة الجنسية هو سبب لبطلان عقد الزواج. هذا في حال طالبت الزوجة ببطلان العقد”.

بعد حوالي عام، عاد الشاب لمكتب سحر أبو العباس بعد وفاة الزوجة بسبب مرض السرطان. إذ طلبت أسرتها الحصول على حقوقهم/ن المالية من حق المتوفاة في منقولات المنزل. هنا، قرر الشاب مقاضاة أسرة الشريكة السابقة، لعلمهم بمرضها واستحالة الممارسة الجنسية والإنجاب.

قالت سحر أبو العباس إن “أسرة الزوجة لم تترك له حق الاختيار ، لأن الزواج لم يقع. ما نعرفه هنا هو رواية الزوج فقط. ربما أرادت الزوجة قضاء أيامها الأخيرة برفقته”.

تمنى لي الشفاء، وطلب عدم الإتصال به مرة أخرى”.

بعد مرض السرطان.. نقاط مضيئة

أثناء بحثي. التقيت نجاة من الجزائر، بعد أن تعرفت إليها عبر مجموعات الدعم الخاصة بمرضى السرطان على “فيسبوك”.

عام 2019، علمت نجاة إصابتها بسرطان الثدي، والذي يستدعي إجراء جراحة لاستئصال الثدي الأيسر إلى جانب  الكيماوي. تقول إن الدعم الذي تلقته من شريكها هوّن الأمر عليها.

قالت: “كان يرافقني دائمًا في جلسات العلاج. كما أنه كان يقوم بكافة الأعمال المنزلية ويعتني بالأولاد، حتى أنه تخلى عن عمله من أجل القيام بهذه المهام. لم يضجر يومًا كوني فقدت شعري أو ثديي -أو على الأقل لم يُشعرني بذلك. كان يستقبل اللحظات الصعبة بالمزاح، ما ساعدني على التجاوز”.

قصة سماح والدعم والمحبة اللذين تلقتهما من شريكها لا تختلف كثيرًا عن نجاة، و إن كانت قصة ارتباطهم/ن أشبه بالأفلام العربية، كما تصفها. شريكها الحالي، والسابق في نفس الوقت، كان الحب الأول في حياتها.

عرفت سماح بمرضها المرجح أنه ناتج عن الحالة النفسية السيئة التي أصيبت بها بعد مرض والدتها. حينها، كانت منفصلة عن شريكها العاطفي الذي صمم على معاودة الارتباط بها، وقام بدعمها. قالت عنه: “وقف إلى جواري ولم يتركني لحظة، ودعم والدتي وتكفل برعاية ابنتي من زواجي السابق. مشاعره تهوّن عليّ تعبي”.

تفاوت جندري في دعم مريضات/مرضى السرطان

في أواخر  التسعينيات، ذاع صيت مسلسل “يوميات ونيس” بطولة محمد صبحي. كان من ضمن طاقم التمثيل شابة اسمها جميلة عزيز، لكنها اختفت عن الأنظار.

أثناء إعدادي هذا المقال، الذي استغرق مني مجهودًا نفسيًّا، لفت انتباهي لقاء تلفزيوني مع جميلة عزيز. ظهرت مرتدية الحجاب، وتحدثت عن تجربتها الصحية وإصابتها بمرض السرطان، ثم أردفت أن خطيبها تخلى عنها عند معرفته بمرضها.

توقفت أمام الأمر طويلًا، لا سيما وأن تلك نفس الفترة التي شهدت استضافة لمى الشواربي، بطلة كرة اليد في عدة برامج تلفزيونية. تحدثت لمى عن قصة حبها لشريكها أحمد ثروت، ابن المطرب الشهير محمد ثروت، وكيف ظلت إلى جواره طوال فترة العلاج من السرطان.

في مجتمعاتنا الأبوية، يكاد يختفي عنصر الشراكة عادة في الارتباطات العاطفية. في الغالب، تتحمل النساء الجانب الأكبر من المسؤولية، ويطلب منهن أن يكن طاهيات جيدات، بل محترفات. يعرفن كيفية التوفير في النفقات، تكاد بيوتهن تبرق بفعل النظافة، ويفضل أن ينجبن بالطبع. يتحملن الأعباء المنزلية والرعائية، إلى جانب عملهن لتوفير الدعم المادي وخدمة جميع أفراد الأسرة وقت المرض. لكن هن.. من يرعاهن عند المرض؟

عدا بسمة، جميع الأسماء مستعارة، للحفاظ على الخصوصية.

كتابة: علياء أبوشهبة

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد