المشكلة أعمق من ترؤس السعودية للجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة

منذ 77 سنة، تعقد “اللجنة المعنية بوضع المرأة” التابعة للأمم المتحدة مؤتمراتها بشكلٍ سنوي. وترفع شعارات للمطالبة بإنهاء العنف القائم على النوع الاجتماعي، والتطرق للقضايا والتحديات التي تواجهها النساء والفتيات حول العالم.

بيانات شكلية

طيلة هذه العقود كانت الاتفاقيات والمواثيق الصادرة عن اللجنة كما الهيئات المعنية “بالمرأة” في الأمم المتحدة، حبيسة أروقتها ومؤتمراتها وبياناتها، عاجزة بذلك أن تفرض حلولًا جذرية للمشاكل والقضايا المطروحة.

اليوم يعود النقاش حول مدى جدوى اللجنة وجذريتها في ما يتعلق بالمبادئ النسوية، بعد أن أُعلن عن ترؤس السعودية لها هذا العام.

مشكلة بنيوية وسياسية.. وخطابات متحيزة للاستعمار

وفي الوقت الذي يكثر فيه التنديد بهذه الخطوة، فإن قراءاتنا النسوية لها تذهب أبعد من مجرد الاعتراض على وجود السعودية على رأس هرم اللجنة، أو استخدامها في غسيل صورتها السياسية، تحديدًا في ما يتعلق بالانتهاكات المروعة التي تقوم بها ضد النساء والفتيات.

إن المشكلة في اللجنة كما في هيئة الأمم المتحدة للمرأة، هي مشكلةٌ بنيويةٌ وسياسية، تتعلق بالمبادئ والممارسات كما الخطابات التي تنتجها هذه المنظمة وفروعها حول أساس اضطهاد النساء.

ولعل الفيصل في النظر لها كمشكلة بدأ يظهر منذ زمن طويل، عندما أدارت ظهرها لنساء المستعمرات ولم تدرج قضاياهن كركيزة لإنهاء اضطهاد النساء ووقف العنف ضدهن.

وقد عاد هذا التشكيك بعد صدور خطابات متحيزة للاستعمار ضد النساء الفلسطينيات بالتزامن مع السابع من أكتوبر. لتثبت مجددًا أن معالجتها لقضايا النساء، لا تتعدى التنديد ووضع اتفاقيات غير ملزمة لدول الاستعمار بوقف عنفها ضد النساء.


كما يمكن أن تكون مكانًا للغسيل السياسي لدول مثل السعودية التي تستخدم العنف الأبوي في تثبيت التسلسل الهرمي والعنف الجندري، وتسجن النسويات والناشطات في حقوق النساء.

لسحب السلطة من يد الأنظمة المضطهدة

إن وضع قضايا النساء وحقوقهن، والعمل على وضع استراتيجيات وسياسات تهدف لإنهاء العنف والتمييز ضدهن، لا بد أن ينطلق من نضالات هذه المجموعة وتصورها عن مشاكلها وطرق تحررها.

وإلى حدود اللحظة فإن وضع رئاسة اللجنة كما صياغة السياسات والاتفاقية والموافقة عليها، بيد الدول الأعضاء للأمم المتحدة، التي تتورط جميعها من شمال العالم إلى جنوبه باضطهاد الفتيات والنساء والفئات المهمشة والعنف ضدهن/م وعرقلة التحرر، هو أساس المشكلة.

فلا يمكن لهيئة دولية مهما بلغت سلطتها أن تعطي النساء فرصة إنهاء اضطهادهن عبر وضعها في يد ذات الأنظمة التي تضطهدهن.

وهنا يكمن تفسير التعاطي الخجول مع القضايا المتقاطعة لقهر النساء، ومنها الاستعمار والرأسمالية والعنصرية والأبوية، التي بدورها تنتج بنى قهرٍ أكثر خطورة.

فالهيئات الدولية تضع حدودًا لما يمكن للتنظيمات النسوية أن تقوم به، ثم تسلبها الأهلية التي تمكّنها من مواجهة أنظمتها. وتقوم بوضعها معها وجهًا لوجه كل سنة، لتمنح هذه الأنظمة عبر ممثليها فرصًا أكبر لعرقلة التغيير.

التلاعب بمصائر النساء.. بقيادة دول متورطة بانتهاكات ضد النساء

إن ترؤّس السعودية للجنة هذه السنة، سبقه ترؤس دول أبوية واستعمارية أخرى متورطة بانتهاكات مروعة في حق النساء، لتكون دائرة من العبث بمصائر النساء يتم رعايتها من مساحة دولية تدعي الدفاع عنهن.

تحاول التنظيمات النسوية من مختلف بقاع العالم بحضورها لمؤتمرات اللجنة السنوية، أن تحدث تغييراتٍ جوهرية في الخطاب، وأن تطرح قضايا النساء باختلافها وتقاطعاتها. لكنّ الملاحظ أنه طيلة هذه العقود كانت لوبيات الأنظمة السياسية أقوى في التأثير على عمل اللجنة وتسييرها، مستغلة بذلك الموارد والقوة السياسية التي تمتلكها من أجل تعطيل أي تغييراتٍ لصالح النساء.

لذلك كنا وما زلنا نؤمن أن الخلل الجوهري في المنظمات الدولية، هو خلل موازين القوى.

وأن ترؤّس السعودية للجنة لا يختلف عن ترأس أميركا أو أي دولة أخرى من الدول الأعضاء، التي تتورط بشكلٍ أو بآخر في انتهاكاتّ جسيمة ضد النساء سواءً داخل أراضيها أو في بلدان أخرى.

كما نؤمن أن الحل دائمًا سيكون بيد المجموعات المضطهدة وعملها القاعدي الذي يهدف لإنهاءٍ جذري للنظام الأبوي. ولا يكون التعويل إلا على السياسات التي تنتجها هذه المجموعات من نضالها وعملها السياسي.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد