النسوية المناهضة للاستعمار واستعادة الثامن من آذار

أثبتت النسوية المناهضة للاستعمار في أماكن متعددة من العالم بأن معركتها هي معركة تحرر شاملة. معركةٌ تنسجم مع مبادئ الحرية والكرامة والعدالة لجميع البشر. كما ترفض أن تكون أداة بيد الاستعمار أو غسيلًا لجرائمه باسم الدفاع عن النساء.

بدا ذلك جليًّا بعد أن لبت أطياف نسوية واسعة دعوة نسويات غزة للإضراب الشامل. فحوّلت الاحتجاجات في الثامن من آذار/مارس لهذا العام، إلى مرحلة تاريخية ضد الاستعمار وحرب الإبادة المستمرة ضد غزة.

الثامن من آذار 24 واستعادة النسوية

خلال العقود الماضية كانت الحراكات النسوية القاعدية في الجنوب العالمي، وكذا النسوية المناهضة للاستعمار في العالم، تعيش تحت ضغطٍ كبيرٍ بسبب سيطرة التيارات النيوليبرالية والاستعمارية على النسوية، والتحكم في السرديات العامة.

لكن طوفان الأقصى والحرب الصهيونية على غزة، أعادا النسوية المناهضة للاستعمار إلى قلب المعركة السياسية، وبناء السرديات التي تربط بين النضال ضد النظام الأبوي والنظام الاستعماري.

يأتي ذلك بعد أن استخدم الكيان الصهيوني وحلفاؤه قضايا النسوية، وتحديدًا الاعتداء الجنسي سلاحًا ضد الشعب الفلسطيني وحقه في الكفاح المسلح.

 

View this post on Instagram

 

A post shared by FEMALE (@femalecomms)


محاولة التوريط هذه استجابت لها منظمات ظلت لوقتٍ طويلٍ تتاجر بقضايا النسوية مثل الأمم المتحدة، وغيرها. منظماتٌ كانت تعمل بشكلٍ خفي على جعل النسوية معزولة عن السياسة وعن تحرير الأرض.

فنشرت بيانات تضع النساء الفلسطينيات، في نفس الكفة مع المجندات اللواتي لم يتأخرن عن تلبية النداء الاستعماري المتمثل في البطش والعنف والقتل والمشاركة في الإبادة وجرائم الحرب.

بالإضافة إلى الاعتداء على الأسيرات جسديًّا، والتحرش بهن كما هو موثق في التقارير الأخيرة عن حالة الأسيرات والأسرى في سجون العدو.

كان الرد النسوي الجذري حازمًا، مؤكدًا أن قضايا النساء الأكثر خطورة مثل الاغتصاب والعنف لن تكون أداةً للابتزاز بيد كيانات لا شرعية. احتلالٌ يمارس العنف على النساء الفلسطينيات منذ سبعة عقود.

لا نضال نسوي دون غزة

في وجه جرائم الإبادة الصهيونية ومحاولة استخدام النسوية سلاحًا ضد غزة من أجل الاستفراد بها وتنفيذ مخططات العدو في إبادتها، بادرت نسويات غزاويات إلى تحدي نظام الاستعمار الأبوي من خلال الدعوة لتضامن نسوي عابر للحدود مع غزة في وجه الإبادة.

إذ أطلقن دعوة إلى القوى النسوية وحركات التحرر العالمي لجعل الثامن من آذار يومًا للإضراب الشامل وتخليصه من سموم الاستيلاء الأبوي والرأسمالي الذي حوله نحو احتفال تهنأ فيه النساء على وضعهن المزري تحت هذه الأنظمة.

لم تغفل نسويات غزة عن قوة النسوية الجذرية الضخمة، وذلك بالمراهنة على إمكانيات الفعل النضالي الذي يتحدى الاحتلال والنظام الأبوي والتمويل الرأسمالي للإبادة.

في نص البيان ذكرت الغزاويات أن فعل الإضراب ليس مجرد عرضٍ ليوم واحد، وإنما عملية سياسية تهدف لتوجيه الفعل النسوي في هذا اليوم إلى فعل إدانة للكيان الصهيوني والأنظمة التي تحميه وتموله.

من بيروت إلى أميركا ومن القاهرة إلى تشيلي

لبت النسويات الجذريات في كل مكان دعوة الإضراب. وحولن الاحتجاجات والفعل النضالي النسوي إلى قوة تواجه الاستعمار، وتؤكد عدم التسامح مع الإبادة ولا مع أي جهة تتواطأ معها.

جاء أول تحرك في هذا اليوم من بيروت، حيث اعتصمت العديد من النسويات والحلفاء أمام مقر مفوضية الأمم المتحدة للمرأة، رافعاتٍ شعاراتٍ ثورية منها أن “لا نضال نسوي دون غزة”، وأن النسوية تتبنى حق المقاومة الفلسطينية في الكفاح المسلح، في تحدٍ واضح للبروباغاندا الصهيونية.

 


اختارت الوقفة مكان اعتصامها بوعيٍ سياسيٍّ كبير، حيث تورطت مفوضية الأمم المتحدة للمرأة بتبرير الإبادة الاستعمارية من خلال تبني السردية الصهيونية عن السابع من أكتوبر.

انطلق الفعل النسوي الجذري نحو القاهرة، حيث وجهت النسويات المصريات قوتهن لإدانة الاستعمار وتورّط النظام المصري في حصار غزة. من خلال المطالبة بفتح معبر رفح ووقف الإبادة.

ولم يخلُ الثامن من آذار في مصر من شعارات الاعتزاز بالمقاومة، وتأكيد أن القضية الفلسطينية هي قضية نسوية.

بذات الطاقة، كانت شوارع الأردن وتونس على موعد مع المزيد من الاحتجاجات النسوية المناهضة للاستعمار، والتي استعادت تاريخ نساء المنطقة في توظيف نضالهن ضمن معارك التحرر الوطني. لكن الأجيال الحالية تجعل من نضالها النسوي محركًا لنضالها ضد الاستعمار، مما يُفشل أي محاولة للاستعمار أو النظام الأبوي الرأسمالي في أن يوظف قضايا النساء لتثبيت سلطته.

في المهجر الأميركي والأوروبي، كما في أميركا الجنوبية، طافت المسيرات شوارع كبريات العواصم في هذه البلدان. وخُصصت الاحتجاجات لغزة بشكلٍ خالص.

حيث هيمنت شعارات استحالة النضال النسوي دون النضال من أجل غزة، والمطالبة بوقف اطلاق النار، والاحتفاء بالمقاومة الفلسطينية على أي ثيمات أو هتافات أخرى.

واستطاعت التنظيمات النسوية والقاعدية أن تتحدى نسوية الاستعمار والنسوية البيضاء، التي حاولت جاهدة أن تقلل من حجم الإبادة في غزة، وتورطت في الصمت والتجاهل.

انتقل الثامن من آذار/مارس ليكون يومًا عالميًّا لرفع الصوت النسوي ضد الاستعمار والإبادة، وجعل غزة في قلب المشروع التحرري النسوي.

لا صوت فوق صوت نساء غزة

لا يمكن التوقف عن توثيق هذا الحدث التاريخي الذي أثبتت فيه النسوية الجذرية أنها حركة تحرير تسعى لأن تكون جزءًا من تحرر الجميع، وأن تشمل أصوات جميع النساء.

فالثامن من آذار لهذه السنة أعاد تنظيم الحركات النسوية وربطها بالقضايا القاعدية ومناهضة الأنظمة التي تنتج العنف والإرهاب وعلى رأسها النظام الأبوي والاستعماري والرأسمالي.

كما أن صوت نساء غزة ساهم في استعادة الثامن من آذار/ مارس، ليكون يومًا للنضال الطبقي والسياسي والاقتصادي ضد هذه الأنظمة.

واستعادة النسوية كحركة مناهضة للاستعمار، وتخليصها من سموم النيوليبرالية التي حاولت أن تختزل صراع النساء كصراع من أجل موطئ قدم في نفس المنظومة التي تضطهدن.

سيكون الثامن من آذار في الأعوام المقبلة يومًا لصوت النساء الأصلانيات، والعاملات، والمضطهدات في كل مكان.⁩

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد