التجربة الجنسية الأولى.. نساء يخفن من أجسادهن ومجتمع يتحكّم بملذاتهن

“خائفة.. أفكر ماذا سيحدث بعد هذه اللحظة؟ ماذا سأقول لأهلي؟ وكيف سأبرر موقفي إن علموا ما فعلت”. كل هذه الأسئلة طرحتها سارة على نفسها بعد تجربتها الجنسية الأولى خارج إطار الزواج. مشاعر الخوف والتوتر لازمتها، وربطت جسدها ورغبتها الجنسية بمفاهيم أبويةٍ تجرم الإيمان بالحق الجسدي.

تجربة سارة تشبه تجارب عديدة لنساء مارسن متعتهن الجنسية المختلفة في السرّ وعلى “السكت”. نساء يجمع بينهن الخوف من المجتمع وخرافات الأبوية، ومن تأنيب الضمير حول “شرف” العائلة. في هذا النص، قابلنا نساء داخل مجتمع ناطق بالعربية يتحكم بملذاتهن ويجعل أجسادهن وجنسانياتهن مصدرًا للرعب والعار. 

تعيش معظم النساء البيولوجيات والعابرات سواء كن مغايرات أم مثليات، حياتهن الجنسية سرًا.

تجارب جنسية مغموسة بالتخويف من “أسطورة” العذرية

مفهوم “العذرية” الوهمي المرتبط بالعفة و”الشرف” والقيمة الاجتماعية للنساء والفتيات يعمّق مغالطة تبعية النساء للرجال.

توضح الأمم المتحدة أن لا أساس علمي لما يسمى “العذرية/غشاء البكارة”. وتنص صراحةً على أنه “ليس مصطلحًا طبيًا، بل يمثّل تركيبة اجتماعية وثقافية ودينية”.

سارة، الفتاة العشرينية، نقلت معها مفاهيم النظام الذكوري إلى لحظات حميمة جمعتها بشريكها. إذ تركت في ذاكرتها لحظات خوفٍ وألم لا تريدها أن تتكرر: “رافقني الخوف والشعور بالذنب عدة أيام، كأنني ارتكبت جريمة”.

عقدة الذنب لدى سارة ارتبطت بأفكار تقدّس “العذرية” وإكليل المهبل، أو ما يسمى بـ”غشاء البكارة”. تلك مفاهيم مجتمعية متوارثة قيّدت جسدها وجمدت مشاعرها، واضعةً رغباتها تحت رحمة السلطة الأبوية. 

بحسب الطب، لا يملك إكليل المهبل أية وظيفة فسيولوجية. هناك بعض النظريات التي تشير إلى أنه يحمي المهبل من التلوث البكتيري، إلا أنها محل تشكيك. فإن كان إكليل المهبل له وظيفة فسيولوجية، فماذا عن النساء اللواتي يولدن دونه؟ وماذا عن اللواتي فضضنه بجنسٍ رضائيٍ، أو تمزق بفعل اعتداءٍ جنسي؟

الفجوة الجنسانية في العلاقات المغايرة

تابعت سارة حديثها عن تجربتها الجنسية الأولى: “لم أستمتع. كنت خائفة جدًا وأفكاري مشوشة. ربما كنت مستعدة جسديًا، ولكنني لم أكن مستعدة نفسيًا وشعرت بألمٍ شديد”. وتشير إلى أن شريكها كان لديه خبرة جنسية من تجارب متعددة، رغم أنه يكبرها بأشهرٍ فقط. 

هوس المجتمع بجسد المرأة صوّب اهتمامه على فرجها. وهذه الازدواجية حصرت”العذرية” بأجساد النساء وذوات/ذوي المهبل، مستثنيةً الرجال مغايري الجنس. وهذا التمييز الجنساني، المتعلّق بحقّ ملكية الجسد والتصرف به، يحرم النساء ملكية أجسادهن والإيمان بالحق الجسدي والجنسي.

لذا، جاء تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان، ليؤكّد على أحقية الاستقلالية الجسدیة للنساء. “يجب أن تكون لدى النساء القوّة والقدرة على اتخاذ قرارات تتعلّق بأجسادھن ومستقبلھن دون عنفٍ أو إكراهٍ”.

استأنفت سارة سردها لمشاعرها، قائلةً: “ربما أكثر ما أخافني أننا لم نمارس الجنس الآمن. لم أدرك خطورة الأمر، إلّا عندما انتهينا. بدأت أسئلة جديدة تدور برأسي: هل يمكن أن أحمل؟ ماذا لو هو مصاب بعدوى منقولة جنسيًا، بما أن لديه ممارسات سابقة؟ بسبب هذه الأفكار، أجلت ممارستي الجنسية التالية لأكثر من عامٍ”. 

غياب التربية الجنسية يضاعف خوف النساء

اختبرت فرح الجنس لأول مرة من دون إيلاج. تنوعت ممارستها من المداعبة إلى الجنس الفموي. وحين وصلت إلى مرحلة الإيلاج، طلبت من شريكها التوقف، لأن شعور الخوف سيطر عليها. حينها، شعرت أنها تريد الوصول إلى النشوة الجنسية ولكن دون الشعور بألم. “لم أستطع المتابعة.. أخاف جدًا من الوجع”.

من هذا المنطلق، أكّدت الدكتورة لينا عطا الله الباحثة والمتخصصة في علم الجنس ومدربة العلاقات الحميمية، أن: “غياب الوعي قد يزيد إحساس الخوف خلال الممارسة الجنسية الأولى. وبدوره، قد يؤدي إلى التشنج المهبلي، ويخلق توترًا وألمًا خلال الإيلاج. لذلك، من المهم التواصل مع الشريك/ة قبل البدء بأي ممارسة، للحديث عن الرغبات والتوقعات والهواجس”.

رغم شعور الخوف المشترك بين سارة وفرح، إلا أن الأخيرة ورغم صغر سنها لم تتوجَس من المجتمع والعائلة. كانت خائفة ومتوترة من العلاقة الجنسية بحدّ ذاتها، وبشكلٍ خاصٍ الإيلاج. حيث تحيط به معتقدات خاطئة تتعلق بالنزيف الشديد والألم غير المحتمل.

تؤكد د. لينا أن: “التربية والتوعية الجنسية من عمر صغير وتعريف الفتاة على أعضائها الجنسية، تخلق رابطًا بين عقلها وجسدها. وذلك مع ذكر التسميات الواضحة والصريحة لهذه الأعضاء. ومسؤولية الوعي لا تقع فقط على الفتيات، بل يجب على الأهل تربية الفتيان أيضًا على احترام أجساد الأخريات/الآخرين”.

تتابع: “يشمل ذلك الحق في اتخاذ القرار المناسب لكل فرد، فيما يخص أجسادهن/م. وقتها، يمكننا التحدث عن مسؤولية يتم توزيعها بالتساوي بين جميع الأطراف المنخرطة في فعل جنسي أو حميمي، من أجل علاقات جنسية آمنة وسليمة وممتعة”.

التمييز الجنساني يحرم النساء ملكية أجسادهن والإيمان بالحق الجسدي والجنسي.

تجربة جنسية “سيئة”

أما أحلام، فكان لها تجربة مختلفة. فقد وصفت ممارستها الجنسية الأولى عن عمر الثمانية عشر، بـ”السيئة”. “لم أدرك أنه من حقي رفض بعض الممارسات. كانت أشبه باغتصاب، شعرت بالألم ولم أستمتع. وشعرت أنني مجبرة على إمتاع شريكي، رغم عدم رغبتي وعلامات الانزعاج الواضحة على وجهي وجسدي”. 

ما حدث مع أحلام – وغيرها كثيرات – هو نتيجة لفجوة العدالة الجنسانية والتي تزيد من معدلات حدوث العنف الجنسي داخل العلاقات الغيرية. تعرف الإسكوا عنف الشريك على أنه: “سلوك يتسبب في ضرر جسدي أو جنسي أو نفسي. بما في ذلك الاعتداء الجسدي والإكراه الجنسي”. 

هنا يجب التنويه، أنه حتى إن كان الجنس رضائيًا، فالموافقة خلاله ليست “أبدية”. إذ يحق للشريك/ة، في أي لحظة، سحب هذه الموافقة. وتعتبر أي ممارسة دون قبول جميع الأطراف اعتداءً جنسيًا، إن لم ينتبه الشريك/ة إلى رغبات وعلامات الراحة لدى الأطراف الأخرى.

تصنّع النشوة الجنسية.. “مجاملةً” للشريك

غالبية النساء اللواتي تمت مقابلتهن كانت قصصهن وتجاربهن الأولى مرتبطة بالحب أو بالصداقة. كأنهن يبحثن عن مصدرٍ يثقن به ليشاركنه سرًا “عظيمًا”. ورغم ذلك، بعض النساء أشرن إلى أنهن في الكثير من المرّات يتصنعن النشوة الجنسية، فقط  لإمتاع الشريك.

ربما يعود هذا التصرف للاعتقاد الأبوي السائد أن وصول النساء إلى النشوة الجنسية هو أمر ضروري لإشباع رغبات الرجال، وأن المتعة الجنسية ليست حقًا أصيلًا للشريكات.

تصف سحر تجاربها الجنسية مع شريكها السابق بـ”المملة”. “كنت دائمًا أتصنع النشوة، رغبةً مني بإرضاء شريكي. بمرور الوقت، بدأت أشعر بعدم رغبة في ممارسة الجنس معه، لأنني فعليًا لا أستمتع”. 

من هنا، سألت النساء إن حاولن التواصل مع الشريك، لإيجاد طريقة مشتركة للوصول إلى النشوة بدلًا من تصنعها.

غالبية النساء اللواتي قابلتهن لم يحاولن التواصل أو مشاركة مشاعرهن مع الأطراف الأخرى. رغم أن هذه العلاقات كانت خارج إطار الزواج، أي من المفترض أنها تجاوزت المعايير الاجتماعية الواصمة للنساء وللجنس. ولكن حتى في هذه الحالات، أبقت النساء مشاعرهن قيد الكتمان. 

ربما نستدل من ذلك على أن العلاقات الجنسية مهما كان إطارها، فالمفاهيم الأبوية تهيمن عليها وتصم الجنس والنساء اللواتي يعبّرن بانفتاح عن جنسانياتهن. ونستدل أيضًا أن الأمر يتطلب مجهودًا تشاركيًا بين الأطراف، لتفكيك هذه المفاهيم وتجاوزها والوصول إلى إمتاع جنسي عادل ومُرضٍ.

إزدواجية المجتمع والتمييز الجنساني

في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن السلطة الأبوية لا تفرض قيودها فقط على النساء المغايرات والبيولوجيات. إنما تحصر العلاقة الجنسية بقالب الزواج الشرعي بين رجل بيولوجي وامرأة بيولوجية. وكل ما خرج عن هذا الإطار يعتبر ممارسة غير “طبيعية”، مثل العلاقات المثلية أو العلاقات بين/مع العابرات/ين جندريًا.

انطلاقًا من هذا التمييز الجنساني، وعلى عكس التجارب السابقة، كانت تجربة سمر الأولى مليئة بالمتعة والحبّ، بحسب وصفها. سمر امرأة تنتمي لمجتمع الميم عين، روت مشاعرها الإيجابية أثناء تجربة حررت جسدها من قيود المجتمع حول الجنس والجنسانية.

تعتبر سمر أن تجربتها الجنسية جعلتها تفهم وتحب رغباتها وميولها، قائلةً: “لم أكن خائفة. كنت مستمتعة، رغم التوتر قليلًا بحكم أنني لا أملك الخبرة”. 

تعيش معظم النساء البيولوجيات والعابرات سواء كن مغايرات أم مثليات، حياتهن الجنسية سرًا. تكتمن المشاعر، الرغبات، الاحتياجات، والهواجس التي خلقتها سلطةٌ فرضت نفسها على أجسادهن. هذا التكتم يقابله تفاخر الرجال مغايرو الجنس بعلاقاتٍ جنسية.. معظمها “من نسج خيالهم”.

جميع الأسماء في هذا المقال مستعارة حفظًا للخصوصية. 

كتابة: مريم دحدوح

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد