إكليل المهبل.. عنف ليلة الزفاف خارج نطاق القانون

ليلة تنتظرها العروس، وتنسج حولها القصص الخيالية الوردية حين تلتقي بشريكها الحميم. فجأة، تتحطم كل تلك المشاعر أمام تخاريف فض إكليل المهبل، أو ما يتم تسميته “غشاء البكارة”. حينها، تكون بضع قطرات من الدماء هي الأهم للشريك لإثبات “رجولته”، وللعائلة لإثبات “شرف” معلق بجسد تلك الشابة. فوفقًا لهذه التخاريف، كل شابة نزفت ليلة زفافها، شريفة، وكل عائلة حرصت على ذلك هي عائلة ذات نسب. 

في مجتمعاتنا الناطقة بالعربية، يرتبط “شرف” الرجال بجسد نساء العائلة. فجسد الشابة ملكية خاصة لعائلتها حتى يتم الزواج، لتنتقل للزوج بالتبعية. فلا يوجد قانون يُعاقب على العنف الجنسي الذي يمارسه الأزواج، لأن الجهات التشريعية والتنفيذية لا تعترف بالعنف الجنسي داخل إطار الزواج. كما أن النساء التي تقوم بالإبلاغ عن تعرضهن لهذه الجرائم، يتم وصمهن بالعهر وجلب “الفضائح” للعائلة.  

في هذا السياق، تتعرض كثيراتٍ لعنف ليلة الزفاف، بسبب الاعتقاد الخاطئ أن كل النساء لديهن إكليل مهبل يتمزق من الإدخال الأول. يتسبب ذلك في خوف شديد، وقد ينتج عنه صدمة نفسية طويلة المدى تؤثر على علاقتهن بأنفسهن وبالشركاء.

حيث يتم ربط خدعة وجود غشاء البكارة ونزول قطرات الدم، بأخلاقهن وحسن تربيتهن، وبالطبع “شرف العائلة”. فالمعايير المجتمعية ترهن تصرف النساء في أجسادهن وجنسانياتهن بالزواج، وتصم كل مَن تخالفها، أو تم الاعتقاد أنها خالفتها بالشك في سلوكها، وممارسة العنف ضدها.

وعندما ذهبنا للطبيبة، أكدت أن كمية النزيف “طبيعية جدًا”.. منذ تلك الزيارة، أعاني نفسيًا من التواصل معه وأكره العلاقة الجنسية.

عنف جنسي في ليلة الزفاف

تقول أمينة،”لم أتوقع أن تكون ليلة زفافي هكذا. أجبرني زوجي على الخضوع، و قام بإدخال عضوه الذكري في مهبلي دون مقدمات. توسلت له كثيرًا ليتوقف، لكنه لم يسمعني. شعرت بألمٍ شديدٍ ثم نزيف غزير. ولما انتهى مني، نظر إلى الفراش وقال: “نزلتي دم كتير. قومي اغسلي نفسك”، ثم تركني.

منذ ذلك اليوم، أصبحت أكره نفسي والعلاقة معه. كل مرة يقترب مني، أشعر بالألم والخوف. أحاول أن أبقى بعيدة عنه قدر المستطاع، وأخفي دموعي بالقوة. أحيانًا أفكر في الموت، ولكن ابنتي هي الشيء الوحيد الذي يمنعني من ذلك. 

من جانبها، أكدت الدكتورة هبة عيسوي، أستاذة الطب النفسي بجامعة عين شمس، أن العنف الذي تواجهه النساء في ليلة الزفاف يعد نوعًا من العنف الجنسي. إذ تم تصنيفه من قبل التقسيم الأمريكي للأمراض النفسية على أنه “عنف الشريك الحميم” (Intimate partner violence)، وهو مصطلح مستخدم على نطاق واسع.

وأشارت إلى أن عنف ليلة الزفاف ينتج عن أسباب عدة، وعلى رأسها مفاهيم الذكورة السامة، ومعاناة كثير من الرجال من ضعف الانتصاب. وبدلًا من علاج الأمر، يلجأ أغلبهم لاستخدام  المنشطات الجنسية، أو الطرق الأخرى التي يتم الإشارة إليها بمصطلح “الدخلة البلدي”. يتسبب ذلك في أضرار نفسية وجسدية للنساء، سواء على المدى القصير أو البعيد.

صدمة نفسية وأعراض جسدية

وتشير عيسوى إلي أن المرأة في تلك اللحظة تشعر بخوف شديد، وبتجريد لإنسانيتها. وبدلاً من الشعور بالمتعة الجنسية مع الشريك الحميم في الليلة الأولى، يبدأ المخ في إفراز هرمون الكورتيزول المسؤول عن التوتر والضغط النفسي. قد يؤدي ذلك إلى أعراضٍ جسدية، ومنها آلام البطن وتنميل الأطراف والدوار والغثيان، ناهيك عن آلام المهبل، والنزيف والكدمات الناتجة عن هذا العنف الجنسي.

أما تأثيرات ذلك علي الجانب النفسي للنساء، أوضحت أن هذا الوقت ينجم عنه مشاعر سلبية نتيجة العنف الذي تعرضت له. ثم يحدث ارتباط شرطي بين المهبل والألم والخوف والتهديد، وبعده، تعاني المُعنفة من آثار الصدمة الأولى. ومع استمرار هذا الارتباط الشرطي، قد تُصاب  بالإكتئاب غير النمطي، والذي يظهر بأعراض جسدية “السيكوسوماتيك”.

تعرف لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية، “عنف الشريك الحميم” بأنه سلوك شريك حميم يتسبب في ضرر جسدي أو جنسي أو نفسي. يشمل ذلك الاعتداء الجسدي والإكراه الجنسي، والأذى النفسي والسلوك المسيطر. 

وفقًا للأسطورة الأبوية الخاطئة حول إكليل المهبل، كلما زادت كمية الدماء، كلما ثبت “شرف العائلة”. في حالاتٍ كثيرةٍ، يتم الزج بالنساء في مستنقع الشكوك والعنف، لمجرد نزول قطرات دماء قليلة بعد إيلاج ليلة الزفاف. فإن كان النزيف غير مرضٍ للزوج أو العائلة، تلاحق العروس اتهامات أخلاقية، حتى يتم إثبات “برائتها”. 

في مجتمعاتنا، أجساد النساء وجنسانياتهن من المحرّمات. وكنتيجةٍ، تتعمد أغلب العائلات تخويف الفتيات الصغيرات من التعامل مع أجسادهن والارتباط بها. وبسبب الخوف الذي ينقل للنساء في الطفولة حول أجسادهن، تصاب غالبيتهن بتشنجات شديدة تعيق إقامة علاقة جنسية في الليلة الأولى، ويستمر بعدها في حالاتٍ عدة.

المجتمع الذي لا يدين الزوج حال ممارسته العنف الجنسي، هو ذاته الذي يجلد النساء اللواتي يواجهن تلك الممارسات التي تنتهك إنسانياتهن.

غشاء مطاطي أم سمعة سيئة؟

تحكي “زينة”: “انتهت ليلة زفافنا واقترب مني وأقام علاقة جنسية عنيفة لفض غشاء البكارة. نزفت بالفعل، لكنه لم يكن راضيًا لاعتقاده أن كمية الدم قليلة، مما أثار “شكوكه”. في اليوم التالي، أخذني للطبيبة برفقة أمه، حتى يطمئن أن كمية النزيف “طبيعية”. وعندما ذهبنا للطبيبة، أكدت أن كمية النزيف “طبيعية جدًا”، وليس من الضروري أن تنزف العروس بغرازة ليلة زفافها. بعدها، اقتنع بكلام الطبيبة، لكنني منذ تلك الزيارة، أعاني نفسيًا من التواصل معه وأكره العلاقة الجنسية.

أوضحت الدكتورة ياسمين أبو العزم، طبيبة النساء والتوليد بمستشفي بلقيس المركزي، إكليل المهبل عبارة عن طبقة أنسجة رقيقة جدًا على بُعد 2 سم تقريبًا من فتحة المهبل، ولا يشترط حدوث نزيف عند ممارسة الجنس للمرة الأولى. كما أنه لا يزيد عن بضع قطرات نتيجة لوجود شعيرات دموية في الأنسجة. لكن هذه ليست قاعدة عامة، حيث أن هناك نساء يولدن دون إكليلٍ للمهبل، أو التحم مع أنسجة المهبل وقت البلوغ.

وبينت أبو العزم أن عدم حدوث نزيف ليلة الزفاف يعد إثارة للشكوك، خصوصًا في القرى. فالأهل يعتقدون في تلك اللحظات أن العروس ربما مارست الجنس قبل الزواج، ولابد من الاستعانة بالتدخل الطبي لحسم الأمر. فهذه هي لحظة “اختبار الشرف”. وأضافت أن ضعف الثقافة الجنسية هي واحدة من المشكلات التي تساهم في زيادة الجهل الجنسي، وعنف ليلة الزفاف بالتبعية.

ليلة حميمية تحولت إلى مشهد عام

عَوار الفكر المجتمعي يفرض على النساء جدار من الصمت “حتى لا يخالفن صورة المرأة المهذبة الخجولة” في عين المجتمع. أما عنف ليلة الزفاف، فيؤثر على صحة النساء النفسية والتي تتأثر بذكرى الليلة الأولى، وقد تتسبب في أعراض صدمة وخوف كلما مارسن الجنس. فالمجتمع الذي لا يدين الزوج حال ممارسته العنف الجنسي ضد الزوجة، هو ذاته الذي يجلد النساء اللواتي يواجهن تلك الممارسات التي تنتهك إنسانياتهن.

تقول نسرين، كان زفافي منذ سبعة وثلاثين عامًا، وما زلت أتذكره. لم أكن أعلم ما ينتظرني، عندما تزوجت في سن الثالثة عشرة، كان ذلك شائعًا في قريتنا، ولم يكن لدي خيار آخر. كان زفافي مليئًا بالفرح والضجيج، ولكني كنت خائفة ولم أعرف شيئًا عن الزواج أو الجنس.

أدخلوني إلى غرفة النوم، حيث كان زوجي يقف في أحد الأركان، وكان هناك جمع من الرجال ينتظرون بالخارج. دخلت معي مجموعة من نساء العائلتين ومعهن الداية، وضعوني على الأرض، وفتحت الداية ساقيّ، ثم شعرت بشيء حاد يقطع في جسدي بقوة. صرخت من الألم و استمرت الداية في فعلها، حتى انتهت منه. وبعدها، خرجت من الغرفة، وأعطت قطعة القماش الملطخة بدمي لأحد الرجال، وارتفع صوت الزغاريد والبنادق. خرجت النساء من الغرفة ومعهن زوجي، أما أنا فبقيت في الغرفة مُنهكة أعاني من الألم.

عنف ليلة الزفاف في قانون العقوبات المصري

أوضحت الناشطة النسوية والحقوقية لمياء لطفي أن كثيرات يتعرضن للعنف في ليلة العرس من جانب أزواجهن أو العائلة، لاسيما في حالة مقاومتها لذلك الفعل. حيث أن كثير من العائلات تربط رفض هذه الجريمة بالتشكك في سلوك العروس، وتزداد الشكوك في حالة تزويج القاصرات بالقرى والأقاليم.

وقالت أن هناك مشكلة قانونية في حالة تزويج القاصرات. إذ يتم تطبيقه في حالات توثيق الزواج، ولكن العائلات تتحايل على القانون ولا توثق الزواج لتتجنب العقوبة. كما أنه لا يوجد عقوبات قانونية للعنف الجنسي في حالات الاغتصاب الزوجي، والإكراه على ممارسات جنسية من قبل الأزواج. أما في حالة تعرض العروس للعنف ليلة الزفاف من قبل الأهل، فذلك يعد وفقًا للغة القانون المصري “هتكًا للعرض”.

وأشارت إلى أن النساء تواجه عوائق في مجتمعاتنا الناطقة بالعربية التي تجرد النساء من ملكية أجسادهن، و”تمنحها” للعائلة. بعدها، تنتقل الملكية للزوج، مما يجعل مسلسل العنف لا ينتهي، ويزيد من معدلات العنف الجنسي المرتكبة ضد النساء في ليلة الزفاف.   

وفق عادات وتقاليد مجتمعاتنا، مازالت ليلة الزفاف تدور في فلك إكليل المهبل. فما أن تبدأ معالم البلوغ بالظهور على الفتاة حتى تبدأ محاولات تطويع سلوكها وقمع جنسانيتها. فالأسطورة الأبوية حول ربط “غشاء البكارة” بالأخلاق والسلوكيات والجنسانية مازالت تحاول السيطرة على أجساد النساء. 

في ظل زيادة القيود المجتمعية التي تفرض عليهن الصمت، هناك ضرورة لإيجاد وتفعيل القوانين التي تحمي النساء من العنف الجنسي داخل إطار الزواج. 

**الشهادات المرفقة بالمقال هي قصص حقيقية تم رصدها من خلال استبيان قامت به الصحافية مي سعودي.

**جميع الهويات تم تجهيلها مراعاة للخصوصية.

كتابة: مي سعودي

 

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد