ارتفاع عدد النساء والفتيات المفقودات خلال الأزمات في لبنان
نشرة تفصيلية من رحم الأزمة الإنسانية
ساهمت منظمة “في-مايل”، إلى جانب هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومنظمة “كفى” بإنتاج نشرة حول النساء والفتيات المفقودات خلال الأزمة في لبنان.
حملت النشرة عنوان “قضايا النوع الاجتماعي.. اختفاء نساء وفتيات في خضم الأزمة الإنسانية في لبنان.. ما نعرفه حتى الآن”.
هذه النشرة، تعتبر الخطوة الأولى لفهم الظاهرة بشكلٍ أفضل، والعمل على الاستجابة والتصدي لها. وتم التحقق من صحة بياناتها من خلال اجتماعٍ جرى في شباط/فبراير 2023 بحضور الأطراف المعنية.
واعتمدت، في تحليلاتها، على إحصائيات قوى الأمن الداخلي، وتحليلات الأمم المتحدة لأحدث تقييمات الوضع الإنساني في لبنان المتعلقة بالنوع الاجتماعي. بالإضافة إلى معلوماتٍ مستمدة من مقالاتٍ منشورة في وسائل إعلام محلية وتقارير ذات صلة، وتقييم جوانب الضعف لدى اللاجئات/ين السوريات/ين واحتياجاتهم/ن في قطاعات متعددة.
أرقام حول العنف الأسري
ازدادات التبليغات عن العنف الأسري بنسبة %241 خلال فترة انتشار فيروس كورونا (المصدر: بيانات قوى الأمن الداخلي).
عبّرت 44% من النساء والفتيات اللبنانيات والسوريات، عام 2020، عن عدم شعورهن بالأمان داخل منازلهن.
في حين عبّرت 57% منهن عن عدم شعورهن بالأمان داخل مجتمعاتهن.
إذ تفاقمت حوادث العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتأثرت النساء والفتيات بها بشكلٍ جائر.
كم بلغ عدد النساء والفتيات المفقودات؟
عام 2021، اختفت 81 إمرأة وفتاة وفقاً للتبليغات التي تلقتها قوى الأمن الداخلي؛ 62% منهن لبنانيات، و%24 سوريات.
وارتفع هذا العدد بنحو الثلث في عام 2022. إذ سُجّل اختفاء 129 إمرأة وفتاة، 67% منهن لبنانيات و24% سوريات.
ولم تتمكن قوى الأمن من تحديد أسباب اختفاء 108 منهنّ.
في حين تبيّن أن 15 امرأة اختفت لأسبابٍ لها علاقة بالصحة العقلية، و2 هرباً من العنف الأسري، بحسب الأمم المتحدة.
من غير الواضح ما إذا كانت النساء والفتيات أكثر عرضة لخطر الاختفاء، فهذه المسألة تحتاج إلى مزيدٍ من التحقّق.
إلا أن النساء والفتيات، وتحديداً المهاجرات، يعانين من الضعف والهشاشة في أكثر من صعيدٍ، ما يجعلهنّ أكثر عرضة للاستغلال وسوء المعاملة.
لكن لا توجد بيانات عن المهاجرات المفقودات، ولا تغطي أرقام القوى الأمنية الواردة في النشرة هذه الفئة.
ويؤدي خضوع شؤون المهاجرات/ين لإدارة الأمن العام اللبناني إلى قصورٍ على هذا الصعيد. كما أن نظام الكفالة الذي ينطبق على المهاجرات يتسبب في انقطاع الروابط الاجتماعية ويجعل التبليغ عن حالات الاختفاء أكثر صعوبة.
التحديات التي تواجه مسألة التحقيق بقضايا المفقودات
تُعتبر مسائل التبليغ والمساءلة وتحقيق العدالة في وقائع الاختفاء معقّدة وصعبة حول العالم.
وتزداد صعوبتها في سياق الانهيار الحالي في لبنان.
حيث يُفاقم الشلل القضائي، مع الإضرابات المفتوحة التي ينفّذها موظّفي/ات قطاع العدل هذا الأمر.
فمنذ آب/أغسطس 2022، أعلن قرابة 400 قاضي/ة من أصل 550 إضراباً أعاق تقديم الشكاوى إلى النيابة العامة.
هذا الأمر أخّر توثيق قضايا النساء المفقودات، إلى جانب قضايا أخرى.
كما أن افتقار مراكز الشرطة للموارد اللازمة والأموال حدّ من قدرتها على متابعة حالات النساء المفقودات وإجراء التحقيقات فيها.
النتائج الرئيسية للنشرة
نساء اختُطفن وتعرّضن للقتل:
قد تؤشّر حالات اختفاء النساء والفتيات إلى جرائم قتل تتعرّضن لها.
بين عاميّ 2021 و2022، حققت القوى الأمنية في لبنان في 50 حالة قتلٍ بحق نساء وفتيات.
في هذا السياق، فُقدت امرأة وبناتها الـ3 في آذار/مارس 2022 لـ25 يوماً، قبل العثور عليهنّ مقتولات في منطقة أنصار جنوب لبنان.
الخطف في عمليات الاتجار بالبشر
تتزايد حالات الاتجار بالبشر في جميع الأراضي اللبنانية، منذ 2021.
فبين عاميّ 2020 و2021، تعرضت 367 امرأة للاتجار، بحسب المنظمة الدولية للهجرة.
كما احتُجزت عصابة بتهمة الاتجار بالبشر وإجبار نساء سوريات على العمل بالدعارة، بعد استقدامهنّ بصورةٍ غير قانونية إلى لبنان، في تشرين الأول/أكتوبر 2021.
وأغلبية الضحايا/ الناجيات هن من النساء والفتيات، خصوصاً المهاجرات واللاجئات.
ويتم الاتجار بالنساء والفتيات من خلال استقدامهنّ للعمل في لبنان بصورةٍ غير قانونية معظم الأوقات.
إن الاتجار بالنساء والفتيات المقيمات في لبنان أمرٌ واردٌ أيضاً، وقد يؤدي إلى اختفائهنّ.
ومعظم حوادث الاتجار بالنساء والفتيات في لبنان تكون لأغراض الاستغلال الجنسي، بحسب وحدة مكافحة الاتجار والاستغلال في منظمة كفى.
الخطف من أجل الزواج
بين عاميّ 2021 و2022، وثّقت القوى الأمنية في لبنان تعرّض 92 امرأة وفتاة للاختطاف من أجل الزواج.
وأوضحت أن هذه الحالات تنوّعت ما بين زواج بالاكراه أو “خطيفة” أو مبكر.
ولاحظت منظمة “في-مايل” وجود رابط بين التزويج المبكر والتزويج القسري للنساء، وبين اختفاء النساء والفتيات.
إذ تعمل المنظمة مع الفتيات اللواتي اضطُررن لمغادرة منازل عائلاتهن والزواج، هرباً من العنف وتسلط الآباء وممارساتهم، أو لتخفيف العبء المالي على الأسرة.
في هذا السياق، تبيّن أن 22% من الفتيات والشابات السوريات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عاماً متزوجات، مقارنة بـ2% من الفتيان والشبان السوريين.
وعلى مستوى الأسر، فإن 1% من العائلات اللبنانية والفلسطينية اللاجئة في لبنان وعائلات المهاجرات/ين لديها طفل واحد على الأقل من تزويجِ مبكرِ.
في سياقٍ متصل، تم توقيف رجل دين لتزويجه فتاة قاصرة (15 عاماً) من رجلٍ زعمت أنها “هربت” معه، في كانون الثاني/يناير 2022.
واعتبر القاضي حينها أن القضية تندرج ضمن الاتجار بالبشر، بما أنها اختُطفت من عائلتها من أجل الاستغلال الجنسي.
الخطف مقابل فدية
ظهرت أدلة جديدة تشير إلى أن حالات اختفاء النساء والفتيات في لبنان آخذة في الازدياد، ويرتبط اختفاءهن ارتباطاً وثيقاً بنوعهن الاجتماعي.
وتتزايد الجرائم من هذا النوع بسبب الأزمة الاقتصادية، وتدهور الأحوال المعيشية.
في هذا الإطار، وثّقت القوى الأمنية زيادةً في عمليات الخطف مقابل فدية، من حالة واحدة تم التبليغ عنها عام 2021، إلى 15 حالة عام 2022.
ويشعر السكان الأكثر ضعفاً الذين يحصلون على مساعدات إنسانية، خصوصاً اللاجئين/ات، بقلقٍ متزايدٍ إزاء الاختطاف.
إذ أعربت أسرة واحدة تقريباً من كل 7 أسر فلسطينيةن وأسرة واحدة تقريباً من كل 10 أسر سورية، عن أن أكثر ما يثير قلقها هو أن تتعرض فتياتهم للخطف.
وفي عام 2022، اختُطفت فتاة قاصر من أجل الفدية. وفي وقتٍ لاحقٍ، أُلقي القبض على الخاطفين.
كما اختُطفت سيدة سورية وابنتاها من أجل فدية، في العام نفسه. وكان الخاطفون قد رتبوا بشكلٍ غير قانوني دخولهن من سوريا إلى لبنان.
توصيات
يعاني لبنان من أزمةٍ اقتصاديةٍ حادّة، وأزمة لجوء متزايدة، خلال السنوات الأخيرة.
وطالت أوضاع البلد المتردية جميع سكّان لبنان، خصوصاً النساء والفتيات والفئات المهمشّة. كما تراجعت أحوال هذه الفئات لا سيما مع تفشّي فيروس كورونا المستجد، ولا تزال تزداد سوءاً.
ومع تزايد الأزمات، لا بد من أن تولي جميع الأطراف المعنية اهتماماً أكبر بقضية النساء والفتيات المفقودات. خصوصاً الجهات الفاعلة في المجال الإنساني، والهيئات الحكومية. بالإضافة إلى القوى الأمنية التي تشمل مهامها منع العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
دور الحكومة اللبنانية والأجهزة الأمنية
يستوجب على الحكومة اللبنانية القيام ببعض الخطوات، في سبيل معالجة ظاهرة اختطاف النساء والفتيات. من بينها:
- زيادة التنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية اللبنانية، بما في ذلك قوى الأمن الداخلي والأمن العام والشرطة البلدية.
- إنشاء آليات لتبادل المعلومات حول المختفيات/ين المفقودات/ين.
- إنشاء آلية متابعة داخل مختلف الأجهزة الأمنية مخصصة للأشخاص المفقودين/ات من أجل التحقيق في أسباب الاختفاء.
- مواصلة تدريب عناصر الدرك على المسائل الجديدة المتعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، وتحديداً في مجال التوثيق والمتابعة.
- رفع مستوى التعاون مع منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال العنف القائم على النوع الاجتماعي حول تبادل المعلومات والإحالات ومتابعة القضايا.
- مواصلة تدريب القضاة ودعمهم تقنياً في مجال تيسير إصدار الأوامر القضائية المتصلة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي.
دور الجهات الإنسانية
- الاستمرار في إعطاء الأولوية لتمويل وتقديم دعمٍ أكبرٍ لإدارة حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتوفير ملاجئ آمنة للناجيات.
- التواصل وتبادل أفضل الخبرات في مسألة الوقاية من العنف القائم على النوع الاجتماعي مع قطاعي الحماية والصحة للحؤول دون حصول حالات اختفاء.
- دعم عمل مختلف الأجهزة الأمنية، وتعزيز مسارات الإحالة مع قوى الأمن الدولية ومقدمي ومقدمات الخدمات المتعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي.
- زيادة المعارف والبيانات المتعلقة بمسألة النساء والفتيات المفقودات في لبنان من خلال التحليلات المعمقة والبحوث الكمية.
دور مقدمي ومقدمات الخدمات المتعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي
- التعاون مع القوى الأمنية التي تتعامل مع قضايا النساء والفتيات المفقودات من خلال دعمها وتعزيز عملها.
- توفير دورات تدريبية لعناصر القوى الأمنية حول حالات اختفاء النساء والفتيات، خصوصاً في ما يتعلّق بحماية الناجيات الهاربات من العنف.
- تحديث مسارات الإحالة بين المؤسسات لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي من خلال إعطاء معلومات لمقدمي ومقدمات الخدمات حول القضايا التي تتوالاها القوى الأمنية لتشجيع التعاون الآمن.
- توعية المجتمعات المحلية المتضررة بأهمية تبليغ القوى الأمنية عن حالات اختفاء النساء والفتيات للمساعدة في معالجة النقص في التبليغ وضمان توثيق الحالات.