مشاركة الفلسطينيات في الحياة العامة بعد نكبة 1948.. التغيير الاجتماعي والسياسي
انطلقت الحركة النسوية في فلسطين منذ أوائل القرن العشرين. حين انخرطت الفلسطينيات في الحياة العامة من خلال العمل الاجتماعي الخيري، وتأسيس الجمعيات النسائية ذات الأهداف الإنسانية المتعددة. ومما لا شك فيه أن هذه الجمعيات ساهمت في تكوين الوعي العام بين الفلسطينيات.
بعد اجتياح فلسطين عام 1920، عمّت موجات من النضال الوطني الكثير من المدن والقرى، وشاركت فيها الحركة النسائية الفلسطينية. فكان لها وجودٌ في مظاهرات 1920 التي ضمّت 40 ألف مواطن/ة. وطافت مدينة القدس والمدن والقرى الفلسطينية الأخرى رفضًا للاستعمار الإنجليزي والمطامع الصهيونية.
وإبان ثورة 1929، تم اعتقال أكثر 300 فتاة وامرأة وزجهنّ في السجون. وما إن حلّت سنة 1933 حتى كانت الحركة النسائية الفلسطينية تنال ثقة العاملات/ين في حقل القضية الوطنية.
في عام 1938، افتتح المؤتمر النسائي العربي، بحضور وفود من عدّة بلاد ناطقة بالعربية، وكان الوفد الفلسطينيّ أكبرها. إذ ضمّ عدداً كبيراً من النساء العاملات في الحركة. بالإضافة إلى عدد من ممثلات لجان النساء من بلدان ناطقة بالعربية، والمنتشرة في مدن فلسطين.
يعتبر دور المرأة الفلسطينية في الحركات النسوية، بعد نكبة عام 1948، أمرًا بارزًا في تحقيق التغيير الاجتماعي والسياسي والديموغرافي في مجتمع فلسطين. تسببت هذه الفاجعة في نزوح زهاء 600 ألف فلسطيني/ة، وتهجير واسع للشعب الفلسطيني، الذي احتلّت إسرائيل أرضه. ومن ثم، انتفضت النساء الفلسطينيات بقوة للدفاع عن حقوقهنّ، وللمساهمة في النضال الوطني للتحرّر والعدالة.
تعدّ هذه الحركات النسوية ساحة حقيقية للتغيير وتحقيق المساواة في ظل الاحتلال الإسرائيلي. يهدف هذا التقرير إلى تسليط الضوء على تأثير مشاركة النساء الفلسطينيات في هذه الحركات على المستوى الاجتماعي والسياسي والديموغرافي.
تحديات تواجه النساء الفلسطينيات تحت الاحتلال
تواجه النساء الفلسطينيات العديد من التحديات والقيود في ظل الاحتلال الإسرائيلي. يتضمن ذلك الانتهاكات اليومية لحقوق الإنسان التي تتعرض لها النساء الفلسطينيات، ومن ضمنها اعتقالات التعسّف والتهجير القسري. وكذلك، اعتداء إدارة مصلحة سجون الاحتلال الإسرائيلي على الأسيرات الفلسطينيات في سجن الدامون في رام الله.
حيث يعتقل الاحتلال 29 أسيرة، بينهنّ 3 قاصرات. وقد نفّذت إدارة سجون الاحتلال عمليات قمع واسعة بحقّ الأسيرات في سجن الدامون، وحوّلت غرف الأسيرات إلى زنازين، بعد تجريدهنّ من كافة مقتنياتهنّ. كما عزلت الأسيرة ياسمين شعبان.
وجاء الردّ من الأسيرات في كانون الثاني/ يناير المنصرم ، بحرق الغرف احتجاجًا على القمع الممارس ضدهنّ.
كما تزداد الصعوبات في الوصول إلى الخدمات الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية، بسبب قيود الاحتلال الإسرائيلي. إضافةً إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الفلسطيني بسبب الحصار والفقر.
مشاركة النساء الفلسطينيات في الحركات النسوية
منذ نكبة عام 1948، شاركت النساء الفلسطينيات بقوة في الحركات النسوية المختلفة، والتي تعمل على تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية. هنا بعض الأمثلة على هذه الحركات:
- اللجنة الوطنية للمرأة الفلسطينية (NCW): تأسست في عام 1965، وتسعى لتعزيز حقوق النساء في الأراضي الفلسطينية المحتلة. والتركيز على التعليم والتوعية لتمكين النساء من أجل مساهمتهنّ في صنع القرار.
- تجمع نساء فلسطين للثقافة والتنمية (PWWSD): تأسست في عام 1981، وتهدف إلى تعزيز دور الفلسطينيات في التنمية المستدامة والمساواة الاجتماعية والاقتصادية. كما تقدم برامج لتطوير قدرات النساء وتمكينهن في مجالاتٍ مختلفة.
- المركز الفلسطيني للمرأة والتنمية (PWDC): تأسس في عام 1991، ويعمل على تعزيز الدور الاقتصادي والاجتماعي للفلسطينيات وتحقيق المساواة.
إعادة تعريف التحرّر الوطني.. حراك “طالعات”
بدأ حراك “طالعات” النسويّ بالتوسّع في الضفة الغربية والقدس والداخل المحتل عام 1948. هذا الحراك المكوّن اليوم من مئات الشابات اللاتي خرجن في مسيرات احتجاج في رام الله والقدس وحيفا ورفح وبيروت ومدن عالمية أخرى بعد جريمة قتل الشابة الفلسطينية إسراء غريب المأساوية.
أعاد حراك “طالعات” ربط شعار “لا وجود لوطن حرّ إلّا بنساء أحرار”. “طالعات” هو حراك نسوي شبابي احتجاجي، وامتدادٌ لمجموعات “مكمّلين ضد العنف”، و”ما تسكتيش”. وقد استطاع اختراق عجز وخمول المنظمات النسوية واتحاد المرأة والأحزاب اليسارية.
فمنذ ثلاثينيات القرن الماضي، ربط المفكرين الفلسطينيين روحي الخالدي وخليل السكاكيني محاربة الاستعمار بمحاربة “تخلف” المجتمع. وأوضحا أن أي نجاح ضد الاستعمار يرتبط بتحرر المجتمع من قيود “التخلف“.
لكن حركة “فتح” التي انطلقت في ستينيات القرن العشرين، لم تربط التحرر الوطني بالتحرر الاجتماعي. كما أن التنظيمات الوطنية واليسارية لم تطرح برنامجًا اجتماعيًا جديًا، مرجئة قضايا التحرر الاجتماعي إلى ما بعد التحرر الوطني.
وهنا تجلّى حراك “طالعات” في ربطه “السياسي نسوي.. والنسوي سياسي”. وتبدأ الشابات بتعريف التحرر الوطني بوصفه تحررًا من كل سلطة، وليس سلطة الاحتلال فقط.
التوزّع الديموغرافي في فلسطين
يقدر عدد الفلسطينيات/ين نهاية عام 2022 في العالم بحوالي 14.3 مليون فلسطيني/ة. منهن/م حوالي 5.4 مليون في دولة فلسطين، أي ما يقرب من 37.8% من إجمالي عدد الفلسطينيات/ين في العالم. وبلغ عدد السكان الفلسطينيات/ين في فلسطين التاريخية نهاية عام 2022، نحو 7.1 مليون.
كما تظهر البيانات المتوفرة حول الفلسطينيات/ين المقيمات/ين في أراضي 1948، أن نسبة الأفراد الذكور دون الـ15 من العمر نهاية عام 2021 بلغت 32.7%، مقابل 30.7% للإناث. في الوقت الذي بلغت فيه نسبة الأفراد الذكور الذين أعمارهم (65 سنة فأكثر) 4.7%، والإناث 5.8%.
كما بلغ معدّل الخصوبة الكلية في أراضي 1948 للنساء الفلسطينيات 3.0 مولودًا لكل امرأة في العام 2021. وأشارت البيانات إلى أن متوسط حجم الأسرة الفلسطينية بلغ 4.3 فرد خلال العام 2021. وذلك وفقًا لـ”الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني”، تحت عنوان: الفلسطينيات/ون في نهاية عام 2022.
بلغ عدد السكان المقدر في منتصف عام 2021 في فلسطين بناءً على الجنس البيولوجي، حوالي 5.23 مليون مواطن/ة، منهم 2.66 مليون ذكر بنسبة 51%، و2.57 مليون أنثى بنسبة 49%. فيما وصلت النسبة التقريبية بين الذكور والإناث 103.4، أي أن هناك 103 ذكور لكل 100 أنثى.
لكن بالرغم من أن النساء يشكّلن ما يقارب نصف المجتمع الفلسطيني، إلا أن مساهمتهنّ في القوى العاملة لا تزال محدودة. ويرجع السبب في ذلك إلى تدني مستوى الخبرة العملية، والناتجة عن التمييز المجتمعي بحقّ النساء في الحصول على فرص العمل، مقارنةً بالرجال. ونتيجة للموروثات الاجتماعية التي تدفع بالكثير من الأسر الفلسطينية إلى عدم السماح للنساء بالخروج للعمل. إلى جانب أمور اجتماعية أخرى كالزواج، أو تلك المتعلقة بالفسيولوجية، كالحمل، والولادة.
مشاركة الفلسطينيات في قوى العمل
حسب بيان الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في 8 مارس/آذار 2022، بلغ عدد النساء في فلسطين 2.70 مليون امرأة من مجموع السكان المقدر، وبنسبة بلغت حوالي 49%. فيما وصلت نسبة الجنس 103.3، أي أن هناك 103 ذكور لكل 100 أنثى. وترأس النساء حوالي 12% من الأسر في فلسطين في العام 2022، بواقع 12% في الضفة الغربية و11% في قطاع غزة.
ارتفعت نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة للعام 2022 مقارنة مع عام 2021. حيث بلغت حوالي 19% من مجمل النساء في سن العمل في عام 2022، بعد أن كانت النسبة 17% في عام 2021. مع العلم أن نسبة مشاركة الرجال في القوى العاملة بلغت 71% و69%، للأعوام 2021 و2022 على التوالي.
فيما بلغ معدل بطالة النساء حوالي 40%، مقابل 20% بين للرجال لعام 2022. في حين بلغ معدل البطالة 48% بين الشباب (19-29 سنة)، من حملة شهادة الدبلوم المتوسط فأعلى، بواقع 61% للنساء، مقابل 34% للرجال.
40% من العاملات/ين بأجرٍ في القطاع الخاص يتقاضين/ون أجرًا شهريًا أقل من الحد الأدنى للأجور والبالغ (1,880 شيقلاً). حيث تنقسم هذه النسبة إلى 38% للرجال، مقابل 50% للنساء. بينما 40% من العاملات بأجر في القطاع الخاص يعملن دون عقد عمل، فإن 44% يحصلن على مساهمة في تمويل التقاعد/مكافأة نهاية الخدمة. في المقابل، هناك 46% من العاملات بأجرٍ في القطاع الخاص يحصلن على إجازة أمومة مدفوعة الأجر، عام 2022.
حسب بيانات “ديوان الموظفين العام” حتى شهر فبراير/شباط 2023، بلغت مساهمة النساء في القطاع المدني حوالي 48% من مجموع الموظفات/ين. وتبرز الفجوة في نسبة الحاصلات على درجة مدير عام فأعلى، والتي بلغت 14% للنساء مقابل 86% للرجال.
مشاركة الفلسطينيات في صنع القرار والحياة العامة
مشاركة النساء في صنع القرار والحياة العامة والمواقع القيادية يعد جانبًا أساسيًا من جوانب المساواة المبنية على النوع الاجتماعي. حيث بلغت نسبة النساء اللواتي تم انتخابهنّ وتعيينهنّ في الانتخابات المحلية 2021/2022 نحو 21% مقابل 79% للرجال.
ولا تزال مشاركة النساء في مواقع صنع القرار محدودة ومتواضعة مقارنةً مع الرجال. حيث أظهرت بيانات عام 2021 أن نسبة النساء من أعضاء المجلس المركزي تشكّل حوالي 23%، و19% من أعضاء المجلس الوطني، و12% من أعضاء مجلس الوزراء. كما أن هناك امرأة واحدة تشغل منصب محافظ من أصل 15 محافظًا.
1% من رؤساء الهيئات المحلية في فلسطين هنَ من النساء. أما عن إدارة مجلس الغرف التجارية والصناعية والزراعية فقد بلغت 1% فقط من النساء، وحوالي 19% نسبة القاضيات، وبلغت نسبة النساء أعضاء النيابة 18%.
تعد مشاركة النساء الفلسطينيات في الحركات النسوية بعد نكبة 1948 أمرًا بارزًا وحيويًا في تحقيق التغيير الاجتماعي والسياسي والديموغرافي في المجتمع الفلسطيني. تساهم هذه الحركات في تمكين النساء، وتغيير المجتمع والثقافة، وتعزيز المشاركة السياسية، وتحقيق التوازن الجندري. لذلك، يجب دعم وتعزيز هذه الحركات لضمان تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية في فلسطين.