شيريل ومارتا.. عاملتان أجنبيتان ناجيتان من “استعباد” قاسم بيرم وزوجته
نشرت منظمة “ذيس إز ليبانون” (This Is Lebanon)، المختصة بتوثيق حالات التشغيل القسري للعاملات المنزليات في لبنان، تفاصيل قضيّة العاملتين شيريل ومارتا. وذلك في 22 أيار/مايو الجاري.
واتهمت العاملتان الأجنبيان المهندسيْن رنا عيد وزوجها قاسم بيرم، بالتعنيف الجسدي والجنسي والاستغلال.
وبحسب شهادة العاملة الكينية، شيريل، اعتدى قاسم بيرم عليها جنسيًا مرتين، فيما اقتطعت رنا عيد من راتبها الشهري 50 دولارًا، وضربتها وهدّدتها بالقتل.
هذه الاعتداءات دفعت شيريل إلى الهرب من العمل لدى الزوجين المعنّفيْن، بعد بضعة أشهر عام 2019.
وبعد هروب شيريل، وظف الزوجان العاملة الإثيوبية، مارتا لمدة 3 سنوات بين 2019 و2022.
وكان يجب أن تتقاضى مارتا 6,600 دولارًا أميركيًا، لكنّها تلقت 1,321 دولارًا فقط، أي أن قاسم بيرم ورنا عيد اقتطعا 5,279 دولارًا أميركيًا من راتبها الإجمالي.
وبحسب شهادتها، تعرّضت مارتا للضرب والحرق بالمكواة على يد رنا عيد. جرى ذلك بعد أن منعاها الزوجان من التواصل مع عائلتها ودفعا لها راتبها مرتين فقط خلال فترة عملها.
وأكدت منظمة “ذيس إز ليبانون” أنها حاولت الاتصال بوزير العمل اللبناني، مصطفى بيرم، لطلب المساعدة في القضية، لكنها لم تتلقَ جوابًا.
وحمّلت المنظمة الوزير مسؤولية التحقيق في حالات العمل القسري ومحاسبة المتورطين/ات.
وكانت رنا عيد ادعت كذبًا أن وزير العمل مصطفى بيرم، هو عمّ زوجها، في محاولةٍ منها لإخافة ناشطي/ات “ذيس إز ليبانون”.
شيريل.. اعتداءات جنسية وصفع واقتطاع من راتبها الشهري
وصلت شيريل إلى لبنان من كينيا في 27 شباط/فبراير 2019.
وفي شهادتها لـ”ذيس إز ليبانون”، أفادت شيريل أن معاملة رنا عيد لها كانت جيدة في الشهر الأول من العمل. لكن، وبحسبها، “كل شيء تغير في اليوم الذي طلبت فيه راتبها”.
وأضافت: “منذ ذلك الحين بدأت رنا عيد تصرخ في وجهي طوال الوقت. إذا نسيت أن أفعل شيئًا كانت تصفعني. إذا كنت ألعب مع طفلها وبكى قليلًا كانت تضربني”.
هذا على الرغم من أن راتب شيريل كان من المفترض أن يكون 250 دولارًا أميركيًا في الشهر، إلا أنها كانت تحصل على 200 دولارًا فقط.
في تلك الفترة، اضطرت شيريل قبول الراتب المقتطع وتحمّل الإساءة لأنها كانت بحاجة إلى العمل.
وقالت: “ما دفعني للهروب لم يكن الراتب الأدنى أو الإساءة اللفظية والجسدية من قبل رنا عيد، وإنما الاعتداء الجنسي الذي تعرّضتُ له على يد قاسم بيرم”.
وتابعت: “لقد جاء إلى المطبخ وسألني أين زوجته. أجبتُ وواصلتُ عملي. ثم اقترب باتجاه ظهري ووضع قضيبه على أردافي”.
وشرحت شيريل: “كان قاسم بيرم قد استيقظ لتوه وكان يرتدي فقط ملابسه الداخلية. مشيت باتجاه الباب وقلت له أن يتوقف وإلا سأخبر زوجته”.
وتحدّثت الناجية عن تعرّضها للإساءة والتعنيف الجسدي بالصفع لرفضها ما عرّضها له قاسم بيرم. ثم روت رحلة هروبها وما تكبدته في تلك الليلة.
وأشارت شيريل إلى أن قاسم بيرم هددها بأنه ثري ومشهور وسيعرف في حال حاولت الهروب. كما أكدت أنها اضطرت لترك جميع أغراضها الشخصية في منزله لأن ذلك “سيجعل رحلة الهروب طويلة”.
وأردفت: “ذهبت إلى المطبخ الساعة الـ3 صباحًا، عندها كان حسن، ابن قاسم بيرم، قد عاد إلى المنزل. تظاهرتُ بأنني كنت أغسل الصحون. عندما ذهب إلى غرفته، أخذت سلة المهملات وخرجت وركضت”.
ركضت شيريل في الحقول لوقت طويل في تلك الليلة.
من جهتها، نقلت منظمة “ذيس إز ليبانون” عن وكيلة شيريل تأكيدها على مصداقية رواية الناجية عن الاعتداء الجنسي. ولفتت إلى أن رنا عيد حاولت اتهامها بالسرقة.
وفي النهاية، وجدت شيريل عملًا جديدًا مع عائلة أجنبية، حيث عملت بسعادة حتى عودتها إلى كينيا عام 2021.
مارتا.. احتجاز وحرق وتشغيل قسري دون أوراق أو راتب
وصلت مارتا هيرا إلى لبنان من قرية شانتو في منطقة ولايتا الإثيوبية في 24 حزيران/يونيو 2019.
وتواصلت عائلة مارتا مع منظمة “ذيس إز ليبانون” حول قضيتها بعد عامين ونصف من عملها في منزل قاسم بيرم، في كانون الثاني/يناير 2021.
حينها، اتصل ابن عم مارتا بالمنظمة، وكشف أن الناجية لم تتصل بعائلتها منذ أكثر من عام. وكلّما حاول أحد أفراد العائلة الاتصال بصاحبيّ عملها، عمدا إلى حظرهم/ن.
وفي التفاصيل، تدخلت المسؤولة عن قضايا العاملات الإثيوبيات في “ذيس إز ليبانون”، واتصلت برنا عيد التي “كانت لطيفة للغاية”، بحسب وصفها. ودعتها إلى زيارتها وزوجها في الوردانية.
وخلال الاتصال، قالت رنا عيد إنها وزوجها كانا عضوين في نقابة المهندسين. وحاولت “طمأنة” المسؤولة عن القضية بحقيقة أن عمّ زوجها هو وزير العمل، مصطفى بيرم.
وأخبرت رنا عيد المسؤولة أنها كانت تدفع لمارتا راتب 150 دولارًا شهريًا، مدعيةً بأن الناجية هي من اختارت عدم إرسال الأموال إلى عائلتها في إثيوبيا.
وقالت: “مارتا لا تريد أن ينفق شقيقها الأموال، وأرادت ادخاره لأخذه معها عندما تغادر”. وهو عذرٌ لطالما استخدموه أصحاب العمل لعدم دفع مستحقات العاملات المنزليات.
وأكدت المسؤولة في “ذيس إز ليبانون” أن “لطافة رنا عيد تبخّرت عندما طلبت منها إيصالها بمارتا”. واكتفت بإخبارها أن “مارتا بخير”، وأغلقت الخط في وجهها.
تمكنت المسؤولة عن القضية من التحدث إلى مارتا في وقت لاحق. وعلى الرغم من مقاطعات رنا المستمرة للحديث، تأكدت المسؤولة من أن مارتا لم تتلق من راتبها سوى دفعتين قيمتهما 100 دولار أميركي، خلال مدة عملها لسنتين ونصف.
كما حُرمت من الاتصال بأسرتها، وكانت مستميتة للذهاب إلى منزلها في إثيوبيا، إلا أن صاحبيّ العمل لم يسمحا لها بذلك.
وبحسب شهادة المسؤولة عن قضية مارتا، استمرت رنا عيد في الشكوى خلال الاتصال من العمال/ات الإثيوبيين/ات. وقالت: “لا أحب أي شخص أسود أن يتحدث معي بطريقة متسلطة. حذائي أكثر صدقًا منهم/ن”.
وحاولت رنا عيد اتهام مارتا زورًا بالسرقة “من وقت إلى آخر”. وادعت أن الناجية حاولت الهروب بالقفز من الشرفة.
وحاولت مارتا بالفعل الهرب أكثر من مرة، لكن الزوجين تمكنا من القبض عليها وإعادتها إلى المنزل.
ومن المحتمل أنه بعد هروب شيريل، اتخذا قاسم بيرم ورنا عيد الاحتياطات اللازمة لمنع مارتا من الإقدام على الأمر نفسه.
هذا وواصلت “ذيس إز ليبانون” الاتصال برنا عيد لطلب إثباتات على تسديد مستحقات مارتا، وهي قسائم تحويل “ويسترن يونيون”.
وفي اتصال مع قاسم بيرم، طمأن الأخير مسؤولة القضية بأنه “ميسور ماليًا ولن يفكر في تمزيق فتاة فقيرة أتت من أقاصي الأرض لخدمة عائلته”. وأضاف: “مارتا ستغادر بكامل راتبها نقدًا، وسيتم تصويرها أثناء تسلّمها النقود”.
بعد الكثير من الضغط، أرسلا قاسم بيرم ورنا عيد أخيرًا تذكرة عودة مارتا إلى وطنها في 29 آذار/مارس 2022.
كانت “ذيس إز ليبانون” قلقة بشأن مغادرة مارتا إلى إثيوبيا من دون راتبها. آنذاك لم يكن لدى المنظمة أية وسيلة للاتصال بالناحية.
بعد يومين، في 31 آذار/مارس 2022، اتصلت المنظمة بأسرة مارتا للتحقق من هذا الأمر، وفوجئت عندما علمت أنها لم تصل أصلًا.
عندها تواصلت المنظمة مع قاسم بيرم، فأخبرها أنه لم يُسمح لمارتا بالصعود إلى الطائرة لأنها لا تمتلك أوراقًا.
أبقيا المعتديان على مارتا بلا أوراق. فاضطرت للعودة إلى منزلهما قسرًا.
في وقت لاحق، سمحت رنا عيد باتصال شقيق مارتا بها. فأخبرته أن رنا وقاسم قررا الاحتفاظ بها إلى ما بعد شهر رمضان حتى تتمكن من خدمة العائلة أثناء صيامها.
على خلفية ذلك، راسلت “ذيس إز ليبانون” صاحبيّ عمل مارتا. فكتبت إلى قاسم بيرم ورنا عيد: “نظرًا لأن أوراق الناجية تستغرق وقتًا طويلًا حتى تنتهي، فإن أسرتها تطلب منها وبشكل عاجل تحويل جميع أموالها”.
ثم تلقت المنظمة جوابًا من قاسم بيرم عبر مكالمة هاتفية، قال فيها إن “مارتا لا ترغب في إرسال المال لأنها تخطط للزواج”. ثم أنهى المكالمة.
بعدها، أكدت رنا عيد أنها حجزت تذكرة جديدة لمارتا، يوم 26 أيار/مايو من العام نفسه. وادعت أنها وزوجها دفعا لمارتا راتبها كاملًا نقدًا.
حينها، لم تتمكن المنظمة من التواصل مع مارتا للتأكّد من هذه المزاعم، فانتظرت وصولها إلى إثيوبيا.
عادت مارتا أخيرًا إلى موطنها في ذلك اليوم. بعد أن عملت في منزل قاسم بيرم ورنا عيد 3 سنوات و3 أشهر، لم تتلقَ مقابلها سوى فتاتًا من مستحقاتها المالية.
خلال هذه السنوات، تعرّضت مارتا للاعتداءات الجسدية والاستعباد. فقبل 3 أيام من رحيلها، غضبت رنا عيد من مطالبات مارتا المتكررة للإفراج عنها. وأحرقتها بمكواة ساخنة على رقبتها وجبينها.
بعد بضعة أيام من وصولها إلى إثيوبيا، تمكنت مارتا من إرسال صور لعلامات الحروق حتى تلاشت إلى حد ما، ولكنها بقيت واضحة.
وعندما علمت “ذيس إز ليبانون” بشأن المبلغ الإجمالي المقتطع من راتب مارتا، اتصلت برنا عيد التي أنكرت الأمر.
وخلال الاتصال، أصبحت رنا دفاعية للغاية، خصوصًا لدى سؤالها عن ندوب الحروق. فقالت إنها “لا تعرف عنها شيئًا”. ثم أخذ زوجها الهاتف وبدأ بالصراخ، ونادى مسؤولة القضية بـ”الحيوانة”.
وكما في كل حالة استعباد لعاملة منزلية أجنبية في لبنان، حاولت المنظمة التواصل مع وزير العمل، لمطالبته بتحمل مسؤولياته في تقديم المساعدة للناجيات، لكنها لم تتلقَ أي رد.
وبدلًا من أن يتولى وزير العمل اللبناني مهمة المتابعة والتحقيق في الوقائع ومحاسبة مرتكبيها، سُمح لقاسم بيرم ورنا عيد توظيف عاملة منزلية جديدة.
إشارةً إلى أن العاملات الأجنبيات تخضعن لنظام الكفالة في لبنان. وهو مجموعة من الممارسات الإدارية الاستعبادية المستخدمة لتوظيف العمال/ات المهاجرين/ات. ومعظمهنّ من النساء، وهنّ قادمات للعمل من بلدان أفريقية وآسيوية.
ويفتقر قانون العمل اللبناني إلى تدابير الحماية الأساسية للعاملات الأجنبيات، فيحمي نظام الكفالة المعتدين/ات والمعنّفين/ات ويحرم عاملات المنازل من حقوقهن البديهية. لا بل يعرضهن للعبودية الحديثة والاتجار بالبشر والاستغلال.