لماذا نعتبر النضال العمالي قضية نسوية؟

في عيد العمال/ العاملات كل عام، يتجدد النضال ضد المنظومة الرأسمالية. إذ يتم التركيز على قضايا الطبقة العاملة، والإضاءة على الانتهاكات ضدهم/ن، التي بنَت عالمًا من الاستغلال والنهب والموت، وعرّضت اليد العاملة لأنواع العنف والأذى.

يبقى الصوت النسوي ذا أهمية كبرى. لأن هذا الصوت يواجه الدعاية الرأسمالية الخطيرة، التي تطبّع استغلال الطبقة العاملة.

تركت الرأسمالية ملايين الأشخاص عرضةً للفقر والجوع، وانعدام الخدمات الصحية والتعليمية والسكنية. وبسبب سياسات النيوليبرالية، يتجه العالم كل يوم نحو مزيدٍ من الخصخصة والربح قبل النجاة.

في غرّة أيار/مايو، يتجدد الهجوم الشرس للقوى الرأسمالية على الوعي الجمعي. ويتنوع الهجوم بين تحييد الطبقة العاملة عن دورها وتاريخها النضالي، وتغييب هذا التاريخ في الإعلام. كذلك عبر طمس أهمية عيد العمال/ العاملات في المناهج الدراسية، التي لا تسمح للأجيال بمعرفة معناه وأهميته للطبقة العاملة حول العالم. كونه يمثل ذكرى نضالية تتوعّد النظام الرأسمالي بالمزيد من المواجهة وإنهاء الاستغلال.

ورغم تكرار الحديث والكتابة عن هذا اليوم، وكونه فرصة ملائمة للتذكير بمآسي العمال/ العاملات، وخصوصًا الفئات الأكثر هشاشة، يبقى الصوت النسوي ذا أهمية كبرى. لأن هذا الصوت يواجه الدعاية الرأسمالية الخطيرة، التي تطبّع الاستغلال، وتنقضّ على الحركات النسوية، بهدف جرها إلى صفوفها. وبالتالي، يتم تغييب الاستغلال المضاعف، الذي تتعرض له العاملات بناءً على الطبقة والنوع الاجتماعي والعرق وغير ذلك.

العنف الرأسمالي ينتج العنف الأبوي

يصعب التغاضي عن العنف الذي تعيشه الطبقات العمالية، ولو ليومٍ واحدٍ. إذ تظهر جرائم الاستغلال والعنف كل يوم، وتتوحش المنظومة الرأسمالية وشركاتها العابرة للقارات في سحق الإنسان والنساء بشكلٍ أساسي.

كما أنها تنهب ثروات الشعوب المُفقرة، من أجل مراكمة الثروة في رصيد حُفنة من الكيانات الرأسمالية الجشعة. تلك التي تُفقِر الفئات الأكثر تهميشًا كالنساء، والشرائح المضطهدة على أساس العرق واللون والجنسانية والإعاقة وغيرها من العوامل الفردية التي يتم استغلالها لصالح هذه الكيانات. إلى جانب تدمير الكوكب والمساهمة في الكوارث البيئية.

ولأن أغلبية البشر يعملن/ون تحت ظروف مأساوية في أماكن تعرضهن/م لخطر الإصابات والموت، لا يوجد عمل “كريم” تحت الرأسمالية. مع تدني الأجور، وغياب التغطية الصحية والاجتماعية، وانتشار العنف في أماكن العمل، وبالأخص القطاعات التي لا تحدد ساعات العمل. فالعمل لنصف اليوم أو لليلة كاملة، مثلًا، ينتشران بين الطبقات المُفقرة.

كما يتم ممارسة مختلف أنواع الإهانات والمسّ بالكرامة، في قطاعات العمل العامة والخاصة، كالعنف الجنسي ضد النساء، بالإضافة إلى اعتبارهن يد عاملة “رخيصة”. وبالتالي، استغلالهن في الأعمال التي تخلو من العمل النقابي، أو غير معترف بأنها رسمية خاصةً في الشركات والمعامل والعمل المنزلي مدفوع الأجر وقطاع الخدمات.

نضال النساء ضد العنف المزدوج

بمتابعة أوضاع العاملات في المنطقة، نجد أنه هناك انتهاكات صارخة تضاعف العنف ضدهن. فالنساء هنّ فئة اجتماعية واقتصادية هشّة، ويشكّلن النسب الأعلى من الإفقار والحرمان من ظروف عملٍ كريمة. لذلك، فالتعامل الطبقي معهن ممزوجًا بسموم النظام الأبوي، الذي يضاعف العنف باستغلال أدوارهن الاجتماعية ضدهن.

ويكفي أن يطالع الجميع وضع العاملات في الحقول والمعامل، وأنواع العنف الجنسي والاقتصادي الذي يتعرضن له، حتى ندرك جميعًا كيف تستغل المنظومة الرأسمالية قيم الذكورية لممارسة مزيد من العنف ضد النساء واخضاعهن. ويحدث ذلك بغرض الاستغلال وتأنيث “الفقر”، بصفته عاملًا مهمًا في استمرار وجود أسر منعدمة وخاضعة للكيانات الرأسمالية.

في المنطقة، كما في كل دول الجنوب العالمي، تناضل النساء العاملات، اللواتي يشكلن الجزء الأكبر من معيلات الأسر، ضد الاستغلال والعنف الرأسمالي الأبوي. هؤلاء النساء يقاومن، في ظل اقتصادياتٍ منهارةٍ وغير عادلة، وأنظمةٍ قمعيةٍ تستهدفهن بالاعتقال والظلم وانعدام الخدمات الصحية والاجتماعية. بجانب تدهور التعليم والسكن، وانقضاض الجشع الرأسمالي والاستعماري على مقدراتهن وغاباتهن وآراضيهن، وتهديد شعوبهن بالمجاعات والجفاف والعنف المسلّح.

لهذا السبب فإن الأول من مايو/ أيار، وكل يوم في حيواتهن، هو مناسبة للتذكير بنضالاتهن ومقاومتهن، للنجاة بالكوكب ككلّ من أيادي الرأسمالية المتوحشة والأبوية العنيفة.

نضال مشترك ضد الرأسمالية والأبوية

خلال منتصف القرن الماضي، ظهرت النسوية كنظرية وممارسة في مختلف النضالات والقضايا. وكان لقضايا النضال ضد الرأسمالية النصيب الأكبر من الاهتمام النسوي. حيث مزجت المنظرات النسويات بين مناهضة النظام الأبوي، ومناهضة الرأسمالية بصفتهما وجهان لعملة واحدة. هذه العملة تنتج نفس هرميات الاضطهاد والاستغلال في حياة النساء والفئات الهشة أو المعرضة للهشاشة.

الاضطهاد والاستغلال في أماكن العمل مرتبطٌ ومشابهٌ للاستغلال والاضطهاد في المنازل. حين يصبح ربّ المصنع أو الشركة، وجهًا آخر لربّ الأسرة أو رجالها، ويستخدم قوة أبوية سلطوية ضد العاملات/العمال ويتوقّع منهن/م الخضوع.

وتنامى التنظير النسوي حول الرأسمالية الأبوية في تلك الفترة. وكان ذلك بتفكيك مفاهيم مثل قوى الإنتاج والربح والاستغلال والثروة والعنف والطبقة العاملة من منظورٍ يضيء واقع النساء كطبقة مضطهدة في البيت وفي أماكن العمل. ومنها انطلقت النسويات الماركسيات نحو تجديد وتفعيل معنى العمل والنظام الاقتصادي والنظام الاجتماعي، وكيف يتشكل عالمٌ طبقي وهرمي بناءً على عوامل متعددة منها التراتبية الاقتصادية. ولكن كان التركيز الأكبر على التراتبيات المبنية على النوع الاجتماعي، واستغلالها من أجل استمرار النظام الرأسمالي.

جادلت المنظّرات النسويات بأن الرأسمالية مرتبطة، بل وتتغذى على النظام الأبوي. وذلك من خلال مراكمتها للأرباح، عبر التقسيم الجندري للعمل في العائلة أو ما يعرف بالعمل المنزلي، واستخدامه في إعادة انتاج الهرميات الاجتماعية. تلك التي تسمح بوجود وتنامي الطبقة العمالية واستغلالها.

لم ترد النسويات الوقوع في فخ أن قضايا النساء هي قضايا طبقية فقط. ولذلك، كان الاضطهاد والاستغلال في أماكن العمل مرتبط ومشابه للاستغلال والاضطهاد في المنازل. حين يصبح ربّ المصنع أو الشركة، وجهًا آخر لربّ الأسرة أو رجالها، ويستخدم قوة أبوية سلطوية ضد العاملات/العمال ويتوقّع منهن/م الخضوع. وفق نفس القيم الأبوية، يتم التطبيع على أن العادات والتقاليد والتاريخ قد قضوا بالتقسيمات غير العادلة للثروة. وهذا منطقٌ مطابق لقيم الأبوية، التي تقنع الأشخاص ببذل مزيدٍ من الجهد، وأن هذا التقسيمات والهرميات ما هي إلا تسلسل تاريخي “طبيعي”.

لم تتأسس النسوية على يد النساء الأكثر امتيازًا وترفًا. بل بأيادي العاملات والنساء المناضلات ضد الاستعمار والعبودية والعنصرية.

انتبهت النسويات الماركسيات -ونقصد هنا من قمن بتجديداتٍ نظريةٍ ترفض المفاضلة بين النضال النسوي والنضال الطبقي- مبكرًا لهذا الخطر. واستطعن تسليط الضوء على هذا الاضطهاد المركّب، وخطر النظام الأبوي والرأسمالي على أمن النساء والأشخاص من أنواعٍ اجتماعيةٍ لا نمطية، وحقهن في العيش والسلامة.

النسوية هي نضال النساء الأكثر عرضة للقهر

لم تتأسس النسوية على يد النساء الأكثر امتيازًا وترفًا. بل بأيادِ العاملات والنساء المناضلات ضد الاستعمار والعبودية والعنصرية. وهذا ما تثبته تضحياتهن في النضال من أجل الأجيال اللاحقة، ومن أجل مواصلة المعركة ضد النظام الأبوي الاستعماري الرأسمالي. وذلك بالوقوف في وجه السرقات المتعمّدة لهذه النضالات، وتمرير شعارات النسوية الليبرالية، التي تستغل نساء الطبقات الغنية والمترفَة.

شعارتٌ تنشر أفكارًا رأسمالية تعتبر أن  التشقق في أيادي النساء من الطبقات المفقرة، كسل. وترى أن وصول نساء الطبقات العُليا إلى مواقع صنع القرار، هو هدف كل النساء.

نتذكر اليوم نضال الطبقة العاملة وطموحاتها في غدٍ أفضل، وأكثر عدلًا ومساواة للجميع.

نتذكر اليوم نضال وتضحيات ملايين العاملات عبر التاريخ، ومنهنّ عاملات المنازل والعاملات في المعامل والحقول والشركات. نحتفي بالمعلّمات والمداويات والعاملات دون أجرٍ في البيوت. ولا ننسى البائعات على الأرصفة، والعاملات في صالونات الحلاقة وأماكن الترفيه وقطاعات الطعام، وغيرهن ممّن يعملن خارج منظومات وهرميات الاقتصاد الرسمي.

النضالات النسائية هي مسؤولية تتحملها كل الأجيال النسوية. وعليها أن تحافظ على عهدها في ركل أيّة محاولة للرأسمالية الأبوية في نكران أن الرأسمالية هي نتاج الأبوية والحامي لها.

نتذكّر اليوم نضال الطبقة العاملة وطموحاتها في غدٍ أفضل، وأكثر عدلًا ومساواة للجميع.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد