مواريث النساء في ليبيا معطلة بأعراف الأبوية
يسلّط هذا التحقيق الضوء على عُرف يمكّن الرجال في ليبيا من احتكار المواريث من العقارات والأراضي دون النساء، وحرمانهنّ منه بحجّة أنهن قد يورّثن أزواجهن هذه العقارات.
ووفقًا لتلك الرؤية، تقلق العائلة من تبعثر أملاكها وضياعها، وبالتالي تراجع مكانتها الاجتماعية.
ينطلق التحقيق من فرضية الحق الشرعي في الميراث وفقًا للشريعة الإسلامية التي تمتثل لها القوانين الليبيّة.
ورغم أن المواريث الشرعية لا تساوي بين الرجال والنساء، إلا أن التحقيق يعرض أسباب عدم حصول النساء على الحد الأدنى من الميراث، وهو نصف نصيب الرجل للمرأة الواحدة.
شمل هذا التحقيق مقابلات مع نساء من طبقاتٍ اجتماعية متوسطة وفوق المتوسطة. ولم يتطرق إلى مواريث غير المسلمات، رغم أنها محكومة بقوانين الشريعة الإسلامية أيضًا.
وذلك لأنه يستحق تحقيقًا منفصلًا وموسعًا لم تتسّع السطور هنا للخوض فيه.
مواريث مسلوبة.. جيلٌ يسلم جيل
تشعر فتحية (اسم مستعار) بالأسى والحسرة في كل مرةٍ تسير فيها بجوار أحد المباني الواقعة في مدينتها مصراتة، حيث كبرت في كنف أسرتها. وذلك لاعتقادها أن من حقها الحصول على هذا المبنى من ميراث أبيها، الذي احتكره إخوتها الرجال، وحرموها -وأختها- منه.
في ليبيا، توجد أعراف أبوية واجتماعية متأصلة تحرم النساء من حقهن في توارث العقارات. فمن توفي والدها لا تحصل على حقها الشرعي من إخوتها أو أعمامها. فأصبح من غير الطبيعي أن تحصل النساء على نصيبهن المكتوب من العقارات التي يتركها المُتوفى.
عندما طالبت فتحية بحقها من إخوتها -الذين ظنوا أنها لن تفعل ذلك جريًا على سكوت نسوة أخريات عن هذا الموضوع، كان ردهم: “ليس لدينا بنات يرثن آباءهن، وعائلة (…) لا تورّث النساء.
فتحية من الغرب الليبي، تقول إن لها أختًا واحدة مقابل خمسة إخوان، توفي والدهن/م لكنهما لم تنالا نصيبهما من الميراث. وبسبب أن كل أملاك جدها من أبيها باسم الأخير، مارس والدها الأمر نفسه مع عماتها. فلم يعطهن حصصهن، ولم ينل من الميراث أحدٌ إلا هو.
الأمر يتكرر بحذافيره كابرًا عن كابر، ويورث مرارة في نفوس النساء اللاتي يرين ميراثهن في أيدي الرجال، من دون القدرة على نيله أو انتزاعه.
في هذا السياق، فتحية ليست الضحية الوحيدة. هناك حالات كثيرة تتحدث فيها نساء في ليبيا عن سطوة وجبروت أقربائهن الرجال، أمام قلة حيلة النساء اللواتي يُحرمن من حقوقهن بحجة الأعراف والعادات والتقاليد. ولكن غالب هذا الحديث يدور من وراء جُدُر، وبشكلٍ خافت هامس؛ إذ تقف الأعراف مجددًا في وجه البوح بآلامهن.
فعندما طالبت فتحية بحقها من إخوتها -الذين ظنوا أنها لن تفعل ذلك جريًا على سكوت نسوة أخريات عن هذا الموضوع، على اعتبار أنه عرفٌ جارٍ في البلاد- كان ردهم: “ليس لدينا بنات يرثن آباءهن، وعائلة (…) لا تورّث النساء“.
أسباب المنعة
تعدّ العقارات من أسباب القوة والمنعة والمكانة القبلية في ليبيا. لذلك سرت أعراف على مدى سنوات طوال تقضي بأن تظل العقارات في الميراث لدى الرجال وحدهم، كونهم يحملون اسم العائلة. أما النساء اللاتي قد يتزوجن من خارجها، فإنهن يُحرمن من أنصبتهن في العقارات، خشية أن تنتقل إلى الأزواج. وبالتالي، تزيد قوة ومكانة قبيلة أو عائلة أو أسرة أخرى على حساب أسرة المُتوفى.
وحتى يبرأ الإخوة من مسألة الظلم الذي قد يوقعونه على أخواتهم، فإنهم -في عدد من الحالات- يعوضونهن ماديًّا مقابل العقارات. ولكنهن غالبًا ما يصفن هذه التعويضات بـ “الهزيلة” التي لا تكافئ حقوقهن المشروعة في الميراث. ويكون هذا التصرف على سبيل “الهبة” أو “الترضية”، وليس حقًّا أصيلًا للوارثة كما يقوله الشرع، ويُقرّه القانون.
صادفت مبروكة البسيكري، مديرة المنظمة العربية الدولية لحقوق المرأة، العديد من القضايا المشابهة في منطقة الجبل الغربي جنوب غربي طرابلس، وفي الشرق الليبي. وتؤكد البسيكري تعمد حرمان الإخوة حق أخواتهم حتى لا يرثن معهم الأراضي. وذلك بحجة أنها ستأتي برجلٍ غريب يدخل بينهم، وبهذه الحجة تُمنع النساء من حق الميراث.
وتضيف البسيكري: “من الممكن أن تمنح بعض العائلات النساء تعويضًا ماليًّا مقابل حقهن في الأرض. ولكنها لا تتحصل على ملكية أرض أو عقارات أو غيرها. هذا يعد ظلمًا واضحًا وصريحًا، ولقد طالبتْ العديد من المنظمات برفع هذا الظلم”.
ويصف الأكاديمي موسى القنيدي، عضو هيئة التدريس بجامعة مصراتة، مبررات الورثة الرجال بـ “الواهية الضعيفة”. وذلك لقولهم إن هذا المال و”الرزق” سيضيع ويذهب إلى بيت زوج الأخت.
من ناحيته، يعتبر الأكاديمي الليبي إبراهيم سالم، سليل قبيلة العبيدات (شرقي ليبيا)، أن المسألة مردّها إلى ثلاث نقاط، وهي “البعد عن الدين وعدم الوعي (بتعاليمه)، وعدم الثقافة. ونظرة المجتمع الدونية للنساء. والطمع -وهذا عنصر خطير جداً- وغريزة التملك وحب الأنا وحبّ النفس”.
ويردف قائلاً: “هناك بعض العائلات القليلة التي تمنح النساء حق الإرث، ولكنّ الأغلبية تسلبهنّ هذا الحق”.
تغليب الجانب العرفيّ في هذه المسألة قاد مبروكة البسيكري، مديرة المنظمة العربية الدولية لحقوق المرأة -وفريقها- لإعداد حملات للمطالبة بحق المرأة الليبية في الميراث.
تطالب أيضًا الحقوقية منال الحناشي، كل فرد ومؤسسة في المجتمع العمل على حماية حق النساء في الميراث، وتحقيقه بالوسائل الشرعية والقانونية. وتضيف الحناشي: “على الدولة والقضاء وضع القوانين والإجراءات الكفيلة بمنع حرمان النساء من الميراث أو التعسف فيه، وأن يُحاسب كل من يخالف ذلك، وأن يتمّ نشر ثقافة العدل والمساواة. وعلى الأسرة والمدرسة والمجتمع تربية الأجيال على احترام حق النساء في الميراث وتقديره”.
الأكاديمي موسى القنيدي، عضو هيئة التدريس بجامعة مصراتة، يرى ضرورة وجود توعية حقيقية فعلية، تتمّ في الوسط الاجتماعي لرفع مستوى وعي بعض الناس. خصوصًا الذين يعرقلون هذه الحقوق الخاصة بالوارثات، قبل الحديث عن الدستور والقانون.
مناطحة الجدار في شأن المواريث
بقيت فتحية تتحيّن الفرص من أجل العودة إلى موضوع الميراث المسلوب منها، حتى سمعت أن إخوتها باعوا بعض أملاك والدها لأناس من خارج العائلة. أي أن ما كانوا يدّعون خشيته، وهو تبدد أملاك العائلة بوصولها إلى أيدي الآخرين، قد وقع بالفعل.
يتذرع الرجال بالخشية من إضعاف مكانة الأسر بوصول العقارات المورَّثة إلى أيدي أزواج النساء.
عاودت فتحية إحياء الموضوع مجددًا، وطالبت إخوتها أن يعطوها وأختها نصيبهما مما تبقى من الميراث -وهي قطع أراضٍ كثيرة- كحصة “ذكرين” وليس “أنثيين”، حتى تسامحهم في القسمة الأولى. تمسّك الإخوة بموقف العرف القبلي. ولكن، وبعد محاولات مضنية، تنازل الإخوة وأعطوها مبلغًا ماليًّا مقابل نصيبها في المبنى الذي تم بيعه، من دون أن تدري ما قيمته، وكم سعر البيع حينها.
تدرك فتحية أن ما بين أيدي إخوتها ليس مال أبيها وحده، بل هو أيضًا ميراث عمّاتها اللاتي لم يحصلن منه على شيء. ولكن لم تجد مناوراتها نفعًا، لا لها ولا لعماتها. ظل الإخوة يبيعون الأراضي كلما احتاجوا لتزويج أولادهم أو صيانة منازلهم… وغيرها.
أختكِ مثلكِ
لم تكن فاطمة أوفر حظًّا من فتحية، فهي واحدة من أربع شقيقات، ولها أخوان اثنان. بعد وفاة والدهم/ن، انفرد الشقيقان بجميع الإرث من العقارات، وخرجت الأخوات خاليات الوفاض. وكان والدهم/ن يمتلك عقارات تقيّم بملايين الدنانير.
بصعوبة، وافقت فاطمة على الحديث إلى معدّ التحقيق. إذ يتعمد الإخوة الذكور منع الأخوات من الجهر بالشكوى، أو التقدم إلى المحاكم، أو مجرد الحديث عن هذا الموضوع.
View this post on Instagram
استعان معدّ التحقيق بمثمّن عقاري، ودلّته فاطمة على جملة العقارات التي تركها لهم الأب عند وفاته. وبعد حساب جملة العقارات وتثمينها بالسعر الحالي، وحساب الفريضة الشرعية للمواريث، تبيّن أن لفاطمة من العقارات ما يقارب 2.7 مليون دينار ليبي، (أي نحو ثمانمئة ألف دولار أميركي).
الأمر نفسه تم تطبيقه على العقارات التي ورثتها فتحية وإخوتها. حيث أجريت عليها العملية التقييمية، وتقسيم المواريث بحسب الفريضة الشرعية بينها وبين إخوتها. يتبيّن أن ما لفتحية من هذا الميراث يعادل تقريبًا المليون ونصف المليون دينار، (نحو ثلاثمئة ألف دولار أميركي).
هل يحفظ القانون حق النساء في الميراث؟
يشير الأكاديمي موسى القنيدي، عضو هيئة التدريس بجامعة مصراتة، والمتخصص في القانون العام، إلى الموقف القانوني. “عند حديثنا عن القانون في هذا الشأن، فنحن نتحدث عن القانون رقم (6) لسنة 1959، بشأن حماية حق النساء من الإرث. فقد نصت المادة الثانية منه على أنه لا يجوز الامتناع عن أداء ما تستحقه المرأة من نصيب في الميراث. كما نصت المادة الخامسة منه على أن كل مخالف لأحكام هذا القانون يعاقب عليها بالحبس مع الحكم بأداء ما تستحقه المرأة من ميراث”.
يشاطره الرأي احميد المرابط الزيداني، رئيس اللجنة القانونية في منظمة ضحايا لحقوق الإنسان. إذ يقول إن حرمان المرأة من الميراث يُعدّ عنفًا قائمًا على النوع الاجتماعي، مستنداً إلى المادة (2) من القانون رقم (6). ويرى عدم جواز الامتناع عن أداء ما تستحقه النساء من نصيب في الميراث، أو الحيلولة دون انتفاعهن به أو تصرفهن فيه.
في نقطة الاستعاضة عن الإرث بمقابل مادي، يقول الزيداني إنه “عندما يكون هذا الأمر برضا الوارثة، ليست هناك إشكالية في هذه المبادلة. مع الأخذ في الحسبان أن يكون التعويض موازيًا للقيمة الحقيقية لتلك العقارات أو المنقولات”.
كما أوضح أن “هذا الرضا يجب أن يكون غير المقرون بالإكراه، أو الغش، أو التدليس، أو غيره. وذلك شريطة اكتمال أهلية الوارثة وتجاوزها سن الثامنة عشرة”.
أما في حالة إن كان التعويض “هو إرغام الوارثة، ووضع اليد على نصيبها في الميراث، وإجبارها على أخذ المقابل المادي بحجة أن الميراث من العقار سيذهب لرجل غريب (الزوج)، فإن ذلك لا يجوز ويُعدّ مخالفًا لنص المادة الثانية”.
المواريث في عيون مناصري الأعراف
لا يجد محمد الغيثي، عضو لجنة الحكماء وعضو لجنة فضّ النزاعات، أي غضاضة في بقاء الأصول والممتلكات العقارية في الميراث لدى الرجال حصرًا. إذ يقول إن هذا الأمر وارد في المنطقة الشرقية من ليبيا، بل وفي ليبيا كلها.
ويُرجع الغيثي السبب للمشاركة؛ “لأن التقسيم في كامل إقليم برقة يتمثل في امتلاك الشخص أراضٍ معينة، تعود ملكيتها له بالكامل من دون مشاركة أحد”. وبحسب الغيثي، فإن التقسيم يضيّع الأراضي ويفرقها بين القبائل: “نسعى لأن تكون الأرض بالكامل لنا، العائلة الواحدة، وهذا هو السبب الرئيسي”.
يشير الغيثي إلى أن بعض المورّثين/ات لا يملكن/ون الكثير من الأموال، ولكن لديهم/ن عقارات كثيرة. فعند التوريث لا يستطيع الرجال تعويض الوارثات ماديًّا لقاء أنصبتهن في العقارات، فيقومون بالاستحواذ عليها. ويقول: “نعرف بأن هذا الأمر حرام شرعًا، ولكن الإخوة لا يستطيعون تثمين الأراضي وإعطاء أموال بدلًا من ذلك”.
ما الذي جرى للقانون؟!
يتكرر الحديث عن القانون اليوم -وهو في عامه الخامس والستين- وما يزال في طور الأخذ والردّ، انتظارًا للدستور الذي تجري صياغته. فقد قامت الدولة الليبية عام 1973 -بتعليمات من معمر القذافي الذي حكم ليبيا من 1 أيلول/ سبتمبر 1969 حتى 17 شباط/ فبراير 2011– بتعطيل الدستور الذي أُسس في خمسينيات القرن الماضي.
إذ أمر بإلغاء القوانين واللوائح كافة، المعمول بها في الدولة الليبية، وبالتالي لا يوجد للدولة دستور. إلا أن أغلب القوانين المعمول بها هي قوانين المملكة الليبية إبان حكم الملك إدريس السنوسي، مؤسس ليبيا الأول.
مريم حسين، عضوة الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، تحدثت لمعدّ التحقيق عن سلب حق ميراث النساء وكيف نظرت الهيئة لهذا الأمر. فنصّت المادة (49) من مسوّدة مشروع الدستور الليبي على أن “تلتزم الدولة بدعم ورعاية المرأة وسن القوانين التي تكفل حمايتها ورفع مكانتها في المجتمع والقضاء على الثقافة السلبية والعادات الاجتماعية التي تنتقص من كرامتها وحظر التمييز ضدها وضمان حقها في التمثيل في الانتخابات العامة وإتاحة الفرص أمامها في المجالات كافة وتُتخذ التدابير اللازمة لعدم المساس بحقوقها المكتسبة ودعمها”.
المواريث.. المعروف عرفًا والمشروط شرطًا
الحديث عن وجود قوانين ودساتير ليس هو جوهر المشكلة. فالموضوع ليس بهذه السهولة في رأي الدكتورة سالمة الشاعري، المتخصصة في القضايا الاجتماعية المُعاصرة. فتقول إن مطالبة المرأة الليبية بميراثها عن طريق المحاكم والهيئات القضائية، يُعدّ “عارًا أو عيبًا” في المجتمع، ويشوّه “سمعة العائلة”. الأمر الذي يؤدي بدوره إلى اضطهاد النساء وقمعهنّ بجميع الوسائل، في سبيل منعهنّ عن حقوقهن. وتضيف الشاعري: “بل وصل الحال بأن قامت بعض الأسر بانتحال شخصية الوارثة، وتنازلت باسمها عن حقها… وحدثت هذه القصة في مدينة درنة”.
وعلى الرغم من تعطيل الدستور، إلا أن القوانين ما تزال سارية. فقد تحصّل معدّ التحقيق بشكلٍ خاص على شكوى تقدمت بها وارثتان في إحدى المدن الليبية ضد إخوانهما الذين رفضوا بشكلٍ قاطع منحهما إرث أبيهما. والأخير ترك عقارات تقدّر بالملايين، ما اضطرهما إلى رفع دعوى قضائية.
عند مثول الرجال أمام القاضي، ومحاصرتهم بالمواد القانونية؛ تعهّدوا بإعطاء أختيهما ما لهما من حقوق. وإزاء ذلك، رأت الأختان أن المسألة هكذا تم حلها. ولكن هذا التعهد لم يجد سبيله للتنفيذ؛ فالأعراف في ليبيا تُعطّل تنفيذ حتى الأحكام القضائيّة. فوصل الحال إلى تهديد الإخوة لهما (للأختين) بالقتل، إن عادتا إلى الشكوى من جديد.
“وإذا وصل الأمر إلى القضاء فإن العرف يظل حجر العثرة أمام النساء في الحصول على حقهن من الميراث”. هذا ما يقوله الأكاديمي موسى القنيدي، عضو هيئة التدريس بجامعة مصراتة. حيث يعتقد أن مسألة العقوبة خاضعة للقاضي بعيدًا عن المُشرّع أو السلطة التشريعية، لأن كل جريمة لها عقوبتها. وبالتالي، القاضي له الحق في الحكم بحبس الأشخاص من يوم إلى ثلاث سنوات، حسب نص القانون.
إلى الجاهلية دُر!
“يعد حرمان المرأة من الميراث من مخلّفات الجاهلية. فكانوا لا يورثون المرأة إلى أن جاء الإسلام وأزال هذا الظلم”. هذا ما قالته الدكتورة سالمة الشاعري، المتخصصة في القضايا الاجتماعية المُعاصرة. وأشارت إلى أن المسألة لا تقف عند حرمان الوارثة من ميراثها، ولكن لها آثار اجتماعية مدمرة تمتد إلى العداوة والبغضاء بين المرأة وإخوتها.
وعلى عكس العقارات والأراضي، يرث/ترث الأبناء والبنات من كلا الفريقين هذه الكراهية والفرقة بلا تمييزٍ جندريٍ.
وأشارت إلى أن بعض الوارثات يلجأن لحيلة دفاعية للانتقام، معتمداتٍ على المنظور الأبوي الرابط بين سلوكيات النساء و”شرف” العائلة. ولفتت الدكتورة الشاعري إلى أن حرمان النساء من جانب كبير من الميراث المتمثل في العقارات، يخلق تفاوتًا اقتصاديًّا بينهن وبين الإخوة. هؤلاء يتمتعون وحدهم بالعائد منها، في حين تقبع النساء في مستوى اقتصادي أدنى.
مَن يسرق حق النساء في المواريث؟
لا تستطيع النيابة العامة تحريك الدعوى الجنائية من تلقاء نفسها، كما يقول الأكاديمي موسى القنيدي، عضو هيئة التدريس بكلية الحقوق، بجامعة مصراتة. مشيرًا إلى “ضرورة وجود شكوى من وارثة تطالب بحقها من إخوتها وأقاربها، لتستطيع بعدها النيابة السير في القضية”.
ويعتقد القنيدي أن “جوهر المشكلة يأتي من خوف المرأة وعدم قيامها باتخاذ إجراءات ضد من يمتنع عن إعطائها حقها. إلى جانب الأعراف والتقاليد، مع تقاعس الجهات الحكومية التنفيذية عن القيام بواجباتها إن وصل الأمر إلى القضاء”.
لكن ذلك يخلق إشكالية جديدة، وهي لوم النساء على التمييز ضدهن واعتبارهن مسؤولاتٍ عن منعه. كما ينفض أيدي الورثة الرجال من سرقة الحق الشرعي في الميراث بناءً على الهوية الاجتماعية للوارثات، مخالفةً للقانون والشريعة. يُضاف إلى ذلك دور المنظومة الأبوية في ترسيخ العنف ضد النساء وتجذّره، ليس بين الرجال فحسب. إنما داخل القوانين والسياسات والأعراف التي ترى النساء بلا أهلية وتنقض على حقوقهن، أو تحول بين حصولهن عليها.
View this post on Instagram
ففي النهاية، لا يسلب الورثة الرجال حق الوارثات النساء لأنهم “رجال أشرار”. بل لأن الأبوية متأصلة في تشكيل ذواتهم الرجولية، وهو ما لا ينفي مسؤوليتهم في تنفيذ جريمة سلب ميراث النساء.
ويقول القنيدي أيضًا: “هناك اضطهاد تتعرض له المرأة من مسألة الشكوى ضد الأخ. نتيجة لتجذّر المفاهيم الأبوية التي تحرمهن حق معرفة حقوقهن وتمكنهن من أدوات اجتماعية وقانونية تحفظها، يقمن بالتوقيع على مستندات التنازل. وذلك مقابل قيمة رمزية (ترضية)، لإسكاتهن وتنازلهن عن حقهن في الميراث”.
وهو مثالٌ حي على ما شرحه أحميد الزيداني أعلاه، حول خرق شروط الترضية والتفاوض. بل يصل الأمر -في بعض الأحيان- إلى التهديد بالقتل. فـ “الفلوس تغير النفوس” كما يجري في الأمثال الشعبية الليبية.
***
كانت فتحية تنكّس رأسها، عند مرورها بالقرب من مبنى تعتقد أنه -أو جزء منه- كان يجب أن تمتلكه بعد وفاة والدها.، ولكنها اليوم عازمة أكثر من أي وقت مضى على نيل حقها. ربما تفتح طريقًا أمام غيرها من النساء للحصول على حقوقهن المشروعة من المواريث.