تهم “الإرهاب” الكيدية تلاحق الناشطات مناهل العتيبي وبشرى بلحاج وجميلة بن طويس
تهديد الناشطات النسويات والسياسيات في السعودية وتونس والجزائر
بعد عقدٍ من محاولات قمع الحراكات النسوية وحراكات العدالة الاجتماعية والسياسية، لم تتردّد الأنظمة الاستبدادية في المنطقة الناطقة بالعربية من استخدام جميع أدوات القمع من أجل وضع حدٍّ نهائي لأي معارضة لها أو مطالب بتحسين أوضاع الشعوب والفئات المضطهدة.
وتصاعد هذا القمع في السنوات الأخيرة، مخلّفًا حملات اعتقالٍ واسعة تستخدم فيها الأنظمة الأبوية الاستبدادية التهم الكيدية مثل “الإرهاب، وزعزعة أمن الدولة” للنيل من الناشطات/ين، مثلما حصل في السعودية وتونس والجزائر.
السعودية الحكم على الناشطة النسوية مناهل العتيبي بالسجن 11 سنة
في تقريرٍ نشرته المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، كشف رد الحكومة السعودية على مقرري الأمم المتحدة أن المحكمة الجزائية المتخصصة، وهي محكمة متخصصة بقضايا الإرهاب وأمن الدولة، حكمت على الناشطة والمدرّبة الرياضية مناهل العتيبي بالسجن 11 عامًا، في 9 كانون الثاني/يناير 2024، وفقًا للمادتين 43 و44 من قانون مكافحة الإرهاب وتمويله.
اعتُقلت العتبيبي في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، على خلفيّة نشاطها النسوي في حملات إسقاط الولاية، والمطالبة بفتح المجال للنساء في المساحات العامة والحق في التريض والسير في الشوارع دون عباءة والتغريد في وسوم نسوية.
وواجهت مناهل بسبب هذا النشاط تهمًا بموجب نظام مكافحة جرائم المعلوماتيّة.
كما تواجه شقيقتها فوز العتيبي، التي هربت من السعوديّة خوفًا من الاعتقال بعد استدعائها للاستجواب في عام 2022، تهمًا مماثلة.
وفي كانون الأول/ديسمبر 2023، أصدر المقرّر الخاص للأمم المتحدة المعني بالمدافعين/ات عن حقوق الإنسان رسالة عامّة إلى السلطات السعوديّة بشأن قضيتي فوز ومناهل، ودعا إلى الإفراج الفوري عن الأخيرة.
وأشارت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، إلى جانب 9 منظمات حقوقية أخرى، في بيانٍ مشترك، إلى “أنه في 14 نيسان/أبريل 2024، عندما تمكّنت العتيبي أخيرًا من الاتصال بأسرتها بعد اختفائها قسريًّا منذ تشرين الثاني /نوفمبر 2023، أخبرتهم/ن أنها محتجزة في الحبس الانفرادي في سجن الملز في الرياض، وأن ساقها مكسورة بسبب الاعتداء الجسدي الذي تعرّضت لها. وقالت إنها محرومة أيضًا من الزيارات الطبيّة”.
وأوضح البيان أن هذه الانتهاكات تعتبر “دليلًا آخر على ازدراء الحكومة السعودية لرفاهية المعتقلين/ات في السجون. حيث يتعرض من يقبع وراء القضبان، بشكلٍ روتيني، للاختفاء القسري وللانتهاكات الوحشيّة على أيدي السجناء/السجينات والحراس الآخرين وللإهمال الطبي”.
ووفقًا للمنظّمات الحقوقية فإن مناهل العتيبي كانت قبل فترة وجيزة من اختفائها في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، “قد تعرّضت لمختلف أشكال الاعتداء على يد سجينة أخرى، بما في ذلك الضرب والعض والتهديد بالقتل. وفي المكالمة الهاتفيّة الأخيرة التي أجرتها مع أسرتها، قالت العتيبي أنها تعرّضت للمزيد من الضرب منذ ذلك الحين”.
ملاحقة الناشطة النسوية بشرى بلحاج في تونس..
النظام الجديد يلاحق الناشطات بوجه النظام القديم
انتهج النظام التونسي القائم نهجًا مماثلًا في ملاحقة الأصوات المعارضة والناشطات السياسيات، وذلك بعد ما أصبح يعرف بقضية “التآمر على أمن الدولة” التي أُقحمت فيها المحامية والناشطة النسوية بشرى بلحاج نتيجة لمعارضتها للنظام القائم.
وتعتبر بشرى بلحاج من أبرز الوجوه النسوية التي عارضت نظام “بن علي” لعقود، حيث شاركت في الحركات الطلابية وانتفاضة الخبز في الثمانينات.
وهي أيضًا محامية ونقابية شغلت عضوية “مجلس النواب التونسي” بين 2014 و2019، وترأّست لجنة الحقوق والحريات الفردية والمساواة. كما أسست “الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات” عام 1989، وتولت رئاسة الجمعية بين 1994 و1998، وأسست الفرع التونسي لمنظمة العفو الدولية سنة 2012.
وواصلت بشرى بالحاج نشاطها السياسي، ومطالبتها بالحقوق والحريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للشعب التونسي، وهو ما أسهم في مغادرتها البلاد بعد الملاحقة القضائية المستمرة في حقها.
واستنكرت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، في بيانٍ صدر بتاريخ 22 نيسان/أبريل 2024، توجيه “17 تهمة” إلى رئيستها السابقة بشرى بالحاج حميدة. وعبّرت عن “انشغالها العميق لما آلت له أوضاع الحريات من تردٍّ وغياب تام لمعايير المحاكمة العادلة واستقلالية القضاء”، على إثر إطلاع هيئة الدفاع التابعة للجمعية، أفرادها على ما تضمنه قرار ختم البحث فيما يُعرف بقضية “التآمر على أمن الدولة”.
وقال البيان إنّ ختم البحث وجّه تهمًا “تتعلق بالإرهاب والتآمر وارتكاب فعل موحش في حق رئيس الجمهورية وغيرها من التهم التي تصل عقوبتها حد اﻹعدام لـ40 شخصية سياسية وحقوقية تونسية”.
وحذّر من “مغبّة إقحام اسم بشرى بلحاج حميدة في هذا الملف الذي أعد في الغرف المظلمة للتنكيل بكافة العائلات السياسية وإفراغ الساحة والمشهد من كل خصم سياسي محتمل للرئيس” وفق نص البيان.
وانتقدت الجمعية بشدة، ما قالت إنه “تلاعبٌ صارخ بإجراءات وبأبسط قواعد المحاكمة العادلة، إذ لم تكلف السلطة السياسية التي أطلقت يديها على القضاء، نفسها حتى مشقة تقديم أي أسانيد فعلية أو قانونية قد تفضي إلى اتهام بشرى بلحاج حميدة أو غيرها ممن زج بهم في هذا الملف، ما يثبت أي مآخذ قانونية ضدها، بل اكتفت أعمال البحث بعناصر من قبيل حصولها على وسام استحقاق فرنسي، وقد بنت عليه السلطة تهمًا واهية هي براء منها”.
في هذا السياق، عبّرت جمعية النساء الديمقراطيات، عن “تضامنها غير المشروط مع رئيستها السابقة بشرى بلحاج حميدة انطلاقًا من مقاربة الجمعية النسوية”، معلنةً استعدادها التام للدفاع القانوني “والنضال الحقوقي بكل الوسائل التصعيدية ذودًا عن حريتها ومن أجل عودتها إلى أرض الوطن سالمة”.
وأعلنت رئيسة الجمعية نايلة الزغلامي، عن اعتزام الجمعية تنظيم وقفة “للتحرك أمام محكمة الاستئناف تونس باب بنات وذلك اليوم الخميس 2 أيار/مايو، لمساندة بشرى بلحاج حميدة، المحامية الحقوقية و لمدافعة النسوية التي وهبت حياتها للدفاع عن كل القضايا العادلة”.
في الجزائر.. تهم الإرهاب في حق الناشطة جميلة بن طويس
وفي الجزائر تلاحق تهمة “الإرهاب”، كل من نشطن/وا في حراك 2019، الذي طالب بتغيير النظام السياسي.
وكانت المغنية والناشطة جميلة بن طويس إحدى ضحايا هذا الهجوم الذي استخدم العقاب بأثرٍ رجعي في حق كل من شاركن/وا في الحراك وقادوه.
وذكرت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، عبر فيسبوك، أن “الناشطة والمغنية جميلة بن طويس البالغة 60 عامًا، والأم لثلاثة أطفال، توجد في الحبس المؤقت منذ عرضها أمام قاضي التحقيق لدى محكمة الدار البيضاء (الضاحية الشرقية للعاصمة) في 3 مارس/ آذار”.
وواجهت جميلة بن طويس هجومات كثيرة منذ سنوات بسبب نشاطها السياسي، لكن تلقت تطمينات بأنها يمكن أن تعود للجزائر دون مشكلة. وهو ماقامت به بالفعل حيث عادت للجزائر قادمة من فرنسا، في 25 فبراير/ شباط لحضور جنازة والدتها، لكن السلطات الجزائرية قامت بتوقيفها في المطار وحققت معها ثم أطلقت سراحها لتستدعيها لاحقًا للتحقيق في 28 من الشهر نفسه.
ومنذ ذلك الحين تم وضعها رهن الحبس الاحتياطي في انتظار المحاكمة، تحت تهم “الانخراط في جماعة إرهابية تنشط داخل الوطن وخارجه، والمسّ بسلامة ووحدة الوطن، والتحريض على التجمهر غير المسلح”.
وانخرطت جميلة، حسب منظمة “شعاع”، في الحراك في 2019، مثل ملايين الجزائريين/ات. وراحت تكتب فيه شعرًا وأغاني عديدة، معتبرةً إياه حدثًا تاريخيًّا منقطع النظير.
في باريس، كانت تأخذ جميلة الميكروفون من قلب الساحة الجمهورية لتلقي قصائدها التي رددها/ ردّدتها المتظاهرون/ات بكل حرارة وحماس.
كما “تمكّنت من تسجيل بعض أغانيها على الحراك. أغانٍ انتشرت على نطاقٍ واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي”، بحشب “شعاع”.
هكذا إذًا تم تطبيع الاعتقال التعسفي والتعذيب والقتل الجماعي والمحاكم القمعية المفتقدة لأي شرعية بتهم فضفاضة مثل الإرهاب، ومن خلال الاعتقالات المستمرة في حق الناشطات/ين، والأحكام القاسية التي تصل لعشرات السنوات وحتى للإعدام انتقامًا من مواقفهن السياسية والحقوقية.