عصابة التيكتوك.. خروقات قانونية وقضائية وإعلامية 

كشفت قضية عصابة التيكتوك تورط أشخاص داخل لبنان وخارجه في استدراج الأطفال/الطفلات والاعتداء عليهم/ن جنسيًا. هدف الاستدراج إلى تصويرهم/ن وبيع هذه الفيديوهات من أجل الربح. سجل الملف سلسلة خروقات قانونية وقضائية وأمنية واعلامية.

فطريقة تناول الملف، عبر الإعلام والقضاء وخلال التحقيق مع الضحايا والمتهمين، نسفت كل قوانين حقوق الانسان. ولم ينتج عنها سوى “هرطقات” قانونية وإعلامية بحق القاصرات والقصّر اللواتي/الذين ورد ذكرهن/م في التحقيقات بين معتدى عليهن/م ومتهمات/ين. إذم تم تسريب الأسماء والتشهير بهن/م، وتسريب صورهن/م، وإطلاق أحكام بحقهن/م، قبل أن ينتهي التحقيق.

وبعد أن تخطى عدد الضحايا القصّر الـ 30 طفلًا/ة، ارتفع عدد الموقوفين/ات إلى 11 من أصل 17 متهمًا/ة. كذلك تم توقيف التيكتوكر “جيجي”، التي لقبت بـ”سنارة أو طعم استدراج الصغار/الصغيرات”.

في هذا الإطار، لفت تقرير اليونيسيف المعنون “خمسة وعشرون عاماً في مجال الأطفال والنزاع المسلّح” إلى بيانات مقلقة منذ عام 2005. وتشير إلى مقتل قرابة 104 آلاف طفل/ة أو تشويههم/ن بمعدل يزيد على 10 آلاف سنوياً، واختطاف نحو 25 ألفاً، واغتصاب نحو 14 ألفاً.

ومع ذلك، فإن تلك الأرقام  على الحجم الفعلي لهذا الجُرم. إذ لا يتم الإبلاغ أحياناً عن جرائم العنف الجنسي، خصوصًا بحقّ القصّر/القاصرات. حيث يتحجج المجتمع بذريعة “الشرف” و”سمعة” الفتية والفتيات الذين/اللاتي يتم التحرش بهم/ن من قبل رجال بالغين. كما يحيط المجتمع الأبوي والذكوري الضحايا/الناجيات/ين بوصمة العار التي غالبًا لا تطال الجناة بنفس القدر.

خروقات في ملف عصابة التيكتوك

سجلت التحقيقات مع القصّر/القاصرات، سلسلة خروقات. أبرزها مخالفة المادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية وتبرير مخالفتها، ومخالفة تشريعات حماية الأحداث المنحرفين/ات. (تفرض الحماية والمراقبة الاجتماعية والإصلاح. والتأديب، والعقوبات المخفضة). كما تم دحض سرية التحقيقات التي كانت تطبّق فقط على المحامين/ات الذين/اللاتي منعن/وا من حضور جلسات التحقيق الأولية، وهو ما يسير الشكوك والريبة.

في هذا الإطار، تواصلت “شريكة ولكن” مع الناشطة الحقوقية، والمحامية ماريانا برو. وأكدت أنها “منعت على غرار عدد من المحامين/ات من حضور التحقيقات مع وكلائي القصّر/القاصرات في البداية، بقرار من القاضية غادة عون”. إلا أنها شددت على التزامها بسرية التحقيقات، ممتنعة عن الإدلاء بأي تصريح إضافي في هذا الملف.

كما منع مكتب الجرائم المعلوماتية من سوق القصّر إلى قاضية الأحداث، جويل أبي حيدر، بحجة أنه ملف جنايات. فيما لم يتم أي تحرك قضائي لتقصّي الجهة التي تقوم بتسريب المعلومات، وتفاصيل المحضر، وإفادات المتهمين/ات والضحايا/الناجيات/ين للإعلام! وبعد تصريح القصّر/القاصرات بالتعرض للتعذيب، وبغض النظر إذا ما كانت الادعاءات صحيحة أم لا، كان يجب إعطاء الحق لمندوب/ة الأحداث الكشف عليهم/ن، وهو ما لم يحدث.

في حديثها مع “شريكة ولكن”، شددت رئيسة لجنة المرأة في نقابة المحاميات/ين، الأستاذة أسمى داغر حمادة، على ضرورة أن “يكون هناك مندوبين/ات من قبل جمعية الأحداث في وزارة الشؤون الاجتماعية خلال التحقيقات التي تتم مع قصّر/قاصرات، كيلا يقع القاصر/ة ضحية التلاعب في التحقيق، لذلك، يجب أن لا يتم أي تحقيق مع قاصر/ة من قبل أي مرجع قضائي، إلا خلال تواجد مندوب/ة يتابع مع القاصر/ة”. 

هذه القضية عكست نقص خبرة الأجهزة الأمنية والقضائية، التي خالفت قوانين حقوق الإنسان وحماية القصّر/ات.

قوانين هشّة وعقوبات غير رادعة

على مقلب آخر، يساهم ضعف القوانين في لبنان في رفع حالات الاغتصاب والتحرش بالأطفال/الطفلات. حيث يغيب عنها آليات حماية الفتيات والقصّر/القاصرات، ولا تفرض على المتحرش/المغتصب وجوب التكفل بالعلاج النفسي للطفل/ة الناجي/ة.

لم تنحصر الجرائم بحق القصّر/ات المتورطين/ات في القضية على جرم التحرّش. وإنما تعدته إلى الاغتصاب، واستخدام أدوات تعذيب تنكل بجسد الأطفال/الطفلات. وذلك بهدف الاستمتاع بصراخه/ها وهما/هنّ في طور الاستنجاد، فضلاً عن تصوير الواقعة، والمتاجرة بها في عالم “الويب المظلم”.

وبحسب حمادة، فإن “هذه الحادثة تطورت من جريمة الابتزاز الإلكتروني لتشمل جرائم أخرى. ففي محتواها جرم اغتصاب، واتجار بالبشر، وتبييض أموال، وتحرش جنسي، ومحاولة قتل، ومخالفة قانون المعاملات الإلكترونية.

هذا فضلًا عن تشكيل عصابة ذات علاقات مع شبكات اتجار بالبشر مجرّمة دوليًا. وهو ما يستوجب إصدار تشريعات جديدة لكون قانون العقوبات اللبناني قديم ويجب تطويره، ليتلاءم والتطوّر التكنولوجي”.

أمّا الأحكام التي ينص عليها قانون العقوبات لتجريم الاتجار بالبشر واستغلال القصّر في المواد الجنسية فهي أيضًا هشّة. حيث تبدأ من الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، وبالغرامة من خمس مئة ألف الى مليوني ليرة لبنانية. وتصل إلى الاعتقال لمدة 15 سنة، وغرامة من ثلاثمائة ضعف إلى ستمائة ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور.

هذه المبالغ لا قيمة لها لدى أفراد عصابة خطيرة، مثل عصابة التيكتوك، خصوصًا في ظل انهيار العملة اللبنانية. حيث تجني العصابة أضعاف هذا المبلغ من فيديو واحد تبيعه على الويب المظلم.

لم يخرج مسؤول واحد ليعطي تصريحًا عن قضية هزّت الرأي العام اللبناني وأشعرتنا بانكشاف أمننا الاجتماعي”.

ضحايا عصابة التيكتوك بين العنف الجنسي والوصم المجتمعي

نتيجة ضعف القوانين والثقافة الذكورية الأبوية التي تسيطر على المجتمع، غالبًا ما تستغل شبكات الاتجار بالبشر والابتزاز والاعتداء الجنسي، العناصر الأضعف في المجتمع، وهم/ن الأطفال/الطفلات والنساء. وذلك لأن إمكانية الضغط ماليًا وابتزازهم/ن بالسمعة والوضع الاجتماعي الهش أسهل.

وهو ما أكدته الصحافية النسوية، ديانا مقلد في حديثها لـ”شريكة ولكن”. إذ أوضحت أنه “وبمجرد وقوع هؤلاء الأشخاص ضحايا لهذه الشبكات، يجدن/ون صعوبة من الخروج منها. فغالبية العائلات تتبرأ منهن/م، ويضع المجتمع وصمة عار عليهم/هن. وبالتالي، التراجع عن هذه الارتكابات ليس سهلًا أو متاحًا للجميع. فالمجتمع والقوانين والموروثات أقل تسامحًا معهن/م”.

وانتقدت مقلّد طريقة تناول وسائل الاعلام لهذ القضية معتبرة أن “الاعتماد على التسريبات دون تحقق منها هو أمر مخزي. وهذا بجانب تجاهل المسار القضائي، ليصبح الإعلام هو الحاكم ومنفذ العقوبات. وهو ما أثنى بعض الضحايا عن الإدلاء بإفاداتهم/ن والتقدم بشكوى. فما حدث هو النموذج الأسوأ للتغطيات الإعلامية، من ناحية قلة الأخلاقيات المهنية”.

وحملت مقلد المسؤولية “للأجهزة الأمنية وبعض المسؤولين/ات القضائيين/ات الذين/اللاتي تعمّدوا/ن ضخّ آراء ومعلومات متناقضة لتشويش الرأي العام. بينما لم يخرج مسؤول واحد ليعطي تصريحًا عن قضية هزّت الرأي العام اللبناني وأشعرتنا بانكشاف أمننا الاجتماعي”.

قضية التيكتوك.. شريعة الغاب

في المحصلّة، كشفت قضية التيكتوكرز النقاب عن مجتمعنا اللبناني، وفضحت مدى هشاشة قوانينه. كما وثقت انعدام مهنية إعلام استغل القضية لجذب المشاهدات على حساب المصداقية.

هذه القضية عكست نقص خبرة الأجهزة الأمنية والقضائية، التي خالفت قوانين حقوق الإنسان وحماية القصّر/ات. أما صمت المسؤولين/ات، فأكد مرة جديدة أننا تحت وطأة سلطة فاسدة، غير آبهة لأمن مجتمعها. يبقى أمان وأجساد الأطفال/الطفلات كبش فداء لأشخاص قمن/قاموا بارتكاب جرائم عنف جنسي وابتزاز واتجار بحقهن/م.

وعن المطلوب اليوم، فهو مساءلة كل مَن سرب/ت معلومات غير مؤكدة، وكل مَن ساهم بنشرها والترويج لها دون تحقق. وكذلك يجب محاسبة كل مَن كشف/ت عن أسماء القصّر الضحايا والمتهمين/ات بالملف، فضلًا عن تأمين معالجين/معالجات نفسيين/ات. هذا بالإضافة إلى تأمين حماية للضحايا/الناجيات/ين وعائلاتهن/م الذين/اللاتي تقدموا/ن بشكوى.

كتابة: باولا عطية

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد