القواعد العسكرية الصهيونية.. معامل للإبادة والاعتداء الجنسي والتعذيب
أفاد تقرير جديد أجرته صحيفة نيويورك تايمز بأن الكيان الصهيوني يستخدم قاعدة سدي تيمان جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة، لاحتجاز آلاف الفلسطينيين/ات الذين جرى اختطافهن/م من غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وتعرض/ت المختطفين/ات لأصناف المعاملة القاسية بما فيها التعذيب والاعتداء الجنسي والمنع من من الاتصال بمحامين/ات لمدة تصل إلى 90 يومًا، وتم حجب مكان وجودهم/ن عن منظمات حقوق الإنسان وكذلك عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
استغرق التقرير الذي أعده باتريك كينغسلي، 3 أشهر لإعداده، واستند فيه على مقابلات مع أسرى سابقين وضباط وأطباء وجنود عسكريين صهاينة خدموا في القاعدة، وعلى الزيارة الميدانية، وبيانات عن الأسرى المفرج عنهم قدمها جيش الاحتلال.
آلاف الأسرى آلاف المواجع
وكشف التقرير أنه تم استخدام قاعدة سدي تيمان العسكرية لاحتجاز ما يقارب من 4000 فلسطيني/ة من غزة، احتجزوا/ن لمدة ثلاثة أشهر قبل إطلاق سراحهم/ن بعضهم/ن أو نقلهم/ن إلى نظام سجون الاحتلال.
وبعد أشهر من الاختطاف، قام الاحتلال بإرسال حوالي 70% من الأسرى إلى سجونه، فيما أطلق سراح حوالي 1200 فلسطيني/ة كانوا/كنّ في القاعدة إلى غزة.
تعذيب سادي ووحشية استعمارية
ووصف التقرير وضع الأسرى أثناء زيارة لقاعدة سدي تيمان التي تحولت لأكبر بؤرة احتجاز لسكان غزة منذ الحرب الاستعمارية الأخيرة، حيث يجلس الرجال في صفوف، مكبلي/ات الأيدي ومعصوبي/ات الأعين، غير قادرين/ات على رؤية جنود الاحتلال الذين كانوا يراقبونهم من الجانب الآخر من السياج الشبكي.
كما مُنعوا/ن من التحدث، والوقوف أو النوم إلا عندما يُسمح لهم/ن بذلك.
ونقل التقرير شهادات ثمانية أسرى قدموها لمؤسسة الأونروا، ووصفوا فيها أشكال التعذيب المنتشرة التي يتعرض لها الأسرى في هذا المعتقل الرهيب. منها الضرب والركل والضرب أثناء احتجازهم. فيما أُجبر سبعة منهم على ارتداء الحفاضات فقط أثناء استجوابهم. وقال ثلاثة أنهم تعرضوا للصعق بالكهرباء أثناء استجوابهم، فيما كُسرت أضلع اثنين منهم.
وتشمل أشكال التعذيب الأخرى التي ذكرها الأسرى، استخدام الموسيقى الصاخبة لمنعهم من النوم، حيث قال أحد الأسرى أن الدم كان يسيل من أذنه نتيجة لذلك. وقد أدى استخدام الصعق بالكهرباء أثناء الاستجواب إلى فقدان الأسرى الوعي، وإجبار بعضهم على الجلوس على قضبان معدنية مثبتة على الأرض.
وكانت إحدى الشهادات التي نقلتها الصحيفة تعود لطالب في كلية الحقوق بغزة يدعى فادي بكر (25 عامًا)، الذي تم اعتقاله من جنود الاحتلال في 5 يناير/كانون الثاني. وكان قد أُصيب بجروح وكان ينزف أثناء تبادل للنار بين الاحتلال والمقاومة، ومع ذلك فقد جرده الجنود من ملابسه وصادروا هاتفه ومدخراته وأوسعوه ضرباً واعتقلوه بتهمة أنه مقاتل نجا من المعركة.
فيما وصف محمد الكردي (38 عامًا)، وهو سائق سيارة إسعاف، عملية احتجازه بأنها اختطاف بقوله “لم يعرف زملائي ما إذا كنت حيًّا أم ميتًا”، بعدما تم اعتقاله في نوفمبر/تشرين الثاني بعد أن كان يحاول المرور بقافلة سيارات الإسعاف التي كان يقودها عبر نقطة تفتيش عسكرية للاحتلال.
وتابع الكردي للصحيفة “لقد سُجنت لمدة 32 يومًا، لكنني شعرت وكأنها 32 عامًا.”
وقال إبراهيم شاهين (38 عامًا)، وهو سائق شاحنة تم احتجازه في أوائل ديسمبر/كانون الأول لمدة ثلاثة أشهر تقريبًا، بأنه تعرض للصعق لما يقرب من ست مرات أثناء جلوسه على كرسي كهربائي. وأن الضباط اتهموه بإخفاء معلومات حول مكان الرهائن القتلى.
وتحدث أحد جنود الاحتلال الذي خدم في القاعدة – للصحيفة شريطة عدم الكشف عن هويته لتجنب الملاحقة القضائية – حيث قال أن زملاءه الجنود كانوا يتفاخرون بانتظام بضرب الأسرى، ورأى علامات تشير إلى تعرض العديد من الأشخاص للتعذيب.
وأكد أن أحد الأسرى نُقل لتلقي العلاج في المستشفى الميداني المؤقت في الموقع وهو يعاني من كسر في العظام أثناء احتجازه. بينما نُقل آخر لفترة وجيزة بعيدًا عن الأنظار وعاد وهو ينزف من قفصه الصدري.
اعتداءات جنسية وانتقام استعماري
حكى بعض المعتقلين لنيويورك تايمز تفاصيل لاعتداءات جنسية بشعة تعرضوا لها في مركز التعذيب، تسببت في مضاعفات صحية خطرة لعدد منهم، واستشهد أحدهم بسببها.
ومن بين الأسرى الذين نقلوا تجاربهم مع التعذيب الجنسي يونس الحملاوي (39 عامًا)، وهو كبير الممرضين/ات في مستشفى الشفاء بغزة، والذي تم اعتقاله بعد مغادرته لمستشفى الشفاء في نوفمبر/تشرين الثاني ووضع القاعدة الوحشية، وروى بأنه تعرض للاعتداء والتعذيب الجنسي على يد جنود وجنديات الاحتلال.
وفي تفاصيل شهاداته قال، بأن ضابطة صهيونية أمرت جنديين برفعه والضغط على شرجه ووضعه على عصا معدنية مثبتة على الأرض.
وقال الحملاوي إن العصا اخترقت شرجه لمدة خمس ثوان تقريبًا، ما أدى إلى نزيفه بشكلٍ حاد، وقد تركه الجنود يعاني من “ألم لا يطاق”.
ويتذكر الحملاوي أنه أُجبر على الجلوس على كرسي موصل بالكهرباء. وقال أنه تعرض لصدمات نفسية لا متناهية، لدرجة أنه حتى أصبح لا يستطيع التحكم في بوله. وأُجبر من جنود الاحتلال على ارتداء حفاضات، لمنعه من “تلويث الأرض”.
وتفصل مسودة مسربة من تقرير الأونروا مقابلة يروي فيها أسير آخر تفاصيل مماثلة عن التعذيب الجنسي. حيث استشهدت برواية أسير يبلغ من العمر 41 عامًا قال أن محققي الاحتلال أجبروه على الجلوس على شيء مثل عصا معدنية ساخنة، وشعر بأن النار دخلت إلى جسده. وقال أيضًا إن أسيرًا آخر استشهد بعد أن وضعوا العصا الكهربائية في شرجه.
ومن بين 4000 أسير احتجزوا في قاعدة سدي تيمان منذ السابع أكتوبر، استشهد 35 إما في الموقع أو بعد نقلهم إلى مستشفيات قريبة من القاعدة، وفقًا لضباط صهاينة من القاعدة العسكرية الذين تحدثوا إلى التايمز.
جدير بالذكر بأن التعذيب الجنسي واستخدام الاعتداء الجنسي وسيلةً للانتقام من رجال ونساء فلسطين، كان وسيظل قاعدة للاستعمار الصهيوني. فهذا الكيان الإجرامي لم يدخر جهدًا في استعمال معظم وسائل الإبادة والمجازر والعنف والتعذيب ليحقق غايته في السيطرة الإحلالية على فلسطين.
صوت الأسرى أعلى من تحيز التايمز
من المهم الإشارة، في هذا السياق، إلى أن صحيفة “نيويورك تايمز” رغم محاولتها الظهور بمظهر الصحافة الاستقصائية التي تقدم تقارير بحيادية تامة. إلا أن لغة التقرير لم تخلو من التبرير للاحتلال ونقل تصريحات الضباط التي تنفي حصول تعذيب أو وفيات ناتجة عنه، كما لم تخلو من وصف المقاومة بـ”الإرهاب”.
في حين كتبت “نيويورك تايمز” عشرات المقالات المفصلة والمليئة بخطابات البروباغندا الصهيونية حول تهم الاعتداء الجنسي على الرهائن، مع العلم أنه تم تفنيدها جميعها وكشف أنها كانت محض ادعاءات من أشخاص متورطين في العمل لصالح المخابرات الصهيونية. الصحيفة نشرتها في وقتٍ وجيز دون التحقق من صحتها أو إجراء تقارير استقصائية تأخذ أشهر كما هو الحال مع تقريرها هذا الذي أخذ ثلاثة أشهر لينقل حقيقة يتم بثها بالصوت والصورة لمدة ثمانية أشهر.
View this post on Instagram
ورغم المدة الزمنية التي أخذها التقرير والشهادات المؤلمة التي عاينها ميدانيًا، لم يُنقل صوت الأسرى كما يجب في التقرير، حيث دفنت شهاداتهم حول ما حدث لهم من تعذيب جنسي أدى لوفاة أحدهم في نهاية مقال واحد، ولم يتم ذكر هذه التفاصيل في العنوان الرئيسي أو العنوان الفرعي.
هذا التحيز الاعتذاري للاستعمار الصهيوني من كبريات الصحف والمواقع الغربية، أصبح دليلاً على مدى تورط الإعلام الأمريكي والأوروبي في تبرير وحماية الاستعمار، والتغطية على أخطر جرائمه.