تشديد عقوبات الإجهاض الإرادي في الجزائر هيمنة أبوية ومعاناة طبقية

نشرت الجريدة الرسمية الجزائرية لرقم 30 الصادرة في نيسان/أبريل 2024، مستجدات تتعلق بتشديد العقوبات المفروضة على الإجهاض الإرادي.
وطالت هذه العقوبات كل من تطلب خدمات الإجهاض ومن يساعد في ذلك من طبيبات/أطباء وقابلات والصيدليات/الصيادلة…الخ

الإجهاض ظاهرة منتشرة وعقوبات مشددة

يعد الإجهاض من التابوهات الاجتماعية السياسية في الجزائر، ورغم العقوبات المشددة على هذه الخدمة والتي تبلورت في قانون موروث عن الاستعمار صدر في الستينيات، إلا أن الإجهاض يعتبر ظاهرةً شائعة بشكل كبير في المجتمع الجزائري، ويتم اللجوء إليها بأشكال متعددة وسرية.

وبغض النظر عن التجريم القانوني والمجتمعي للإجهاض، يعد الحصول على الخدمات الطبية لإنهاء الحمل من الأمور السهلة والمنتشرة رغم سريتها، وتتراوح أسعار الإجهاض الطبي بين 250 دولاراً و1000 دولار.
كما أنه يمكن الحصول على أدوية الإجهاض بدون وصفة طبية، لكن يجب أن تتم هذه الإجراءات بطرق سرية تضمن سلامة من يقدمها ويتلقاها.

من ناحية أخرى فإن القانون الجزائري يجرم بشكل قطعي الإجهاض ولا يسمح به إلا في حالات معينة يشكل فيها الحمل والولادة خطراً على حياة الأم أو توازنها النفسي والعقلي، وفي ذلك يتشرط وجود تقرير طبي يفيد بخطورة ابقاء الحمل على صحة الأم، أو أن الجنين مصاب بمرض يعيق نموه، ولا تتم هذه العملية إلا في المستشفيات الحكومية.

فيما ينص القانون الجزائري أن الإجهاض خارج هذه الحالة يعتبر مجرمًا، وفق المادة 304 من قانون العقوبات، التي تنص على “أن كل من أجهض امرأة حاملاً أو مفترض حملها بإعطائها مأكولات أو مشروبات أو أدوية، أو باستعمال طرق أو أعمال عنف، أو بأية وسيلة أخرى سواء وافقت على ذلك أو لم توافق أو شرع في ذلك، يُعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة مالية، وإذا أفضى الإجهاض إلى الموت فتكون العقوبة السجن من عشر سنوات إلى 20 سنة.

وفي القرار الأخير تم تشديد العقوبة وفق المادة 305 التي تنص على أنه “إذا ثبت أن الفاعل يمارس عادة الأفعال المنصوص عليها في المادة 304، تضاعف عقوبة الحبس في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من نفس المادة، وترفع إلى الحد الأقصى في الحالة المنصوص عليها في الفقرة
الثانية”.

فيما جاءت تتمة العقوبات في المادة 306 والتي تفرض عقوبات على كل من يقدم خدمات الاجهاض وتنص على أن ” الأطباء أو القابلات أو جراحو الأسنان أو الصيادلة وكذلك طلبة الطـب أو طـب الأسنـان وطلـبـة الصيدلـة ومستخدمو الصيدليات ومحضرو العقاقير وصانعو الأربطة الطبية وتجار الأدوات الجراحية والممرضون والممرضات والمدلكـون والمدلكـات الـذيـن يرشـدون عـن طـرق إحداث الإجهاض أو يسهلونه أو يقومون به، تطبق عليهم
العقوبات المنصـوص عليهـا في المادتين 304 و 305 على حسب الأحوال”.

تجريم يعرض حيوات النساء للخطر

في هذا الصدد فإن تجريم الإجهاض في المجتمعات الأبوية ينعكس بشكل كبير على النساء والفتيات من طبقات مفقرة، حيث تحول العقوبات والمنع القانوني من حصولهن على إجهاض طبي وآمن. مما يدفعهن إلى اللجوء لوسائل غير آمنة ويقعن في أيدي شبكات الإجهاض التي يديرها أحياناً كثيرة أشخاص يهتمون بالربح أكثر من سلامة من يطلبن إنهاء الحمل.

وسجلت عدة وفيات ناتجة عن الإجهاض غير الآمن في الجزائر منها حالة وفاة في محافظة الشلف. فيما تبقى الإحصائيات حول الضحايا غير معلومة بسبب الوصمة الاجتماعية والتجريم القانوني.

وقد طالبت طبيبات/أطباء متخصصات في أمراض النساء والتوليد بالإضافة إلى جمعيات ومنظمات نسوية بترخيص الإجهاض وجعله آمنًا ومجاني، وإنهاء التجريم الذي يعرض حيوات النساء والفتيات للخطر، لافتين النظر إلى ارتفاع أعداد ضحايا الاعتداءات الجنسية التي نتج عنها حمل، وعدد الأطفال/الطفلات المولودين/ات خارج إطار الزواج والذين قُدر عددهن/م حسب وزارة التضامن الجزائرية ب 10 آلاف طفل/طفلة، معرضون للنبذ والحرمان من الحقوق المدنية.

ونددت الجريدة النسوية الجزائرية بقانون التجريم بالقول “هل يعلم المشرع الجزائري أن السبب الرئيسي لتداول الإجهاض السري بطرق غير آمنة هو تجريم الإجهاض الإرادي وغياب ترسانة قانونية تنظم الإجهاض بطريقة لا تعرض حياة النساء للخطر”.

وأشارت الجريدة أن “هناك عدة حالات تلجأ فيها النساء للإجهاض بطرق بدائية رغم التجريم القانوني لأن ضغط المجتمع والتمييز أقوى من هذا القانون الموروث عن الاستعمار الفرنسي”.

ولفتت النظر إلى التمييز الطبقي والخطر المحدق بحيوات النساء، في تذكير للمشرع الجزائري أن “النساء اللواتي يلجأن للإجهاض في هذه الظروف يخاطرن بحياتهن، ومن أرغمته الظروف على المجازفة بحياته لن تقوم مثل هذه القوانين سوى بقمع هشاشته أكثر”.

وينعكس الضرر الأكبر لهذه الوصمة والهيمنة على حيوات النساء من طبقات مفقرة، وهو ما أشارت إليه الجريدة النسوية في بيانها المقتضب حيث نبهت “أن الإجهاض يُمارس في كل طبقات المجتمع وكل الأيديولوجيات، فقط نتستر في مجتمعاتنا بنفاق على ممارساتنا، كي تبقى طبقاتنا الاجتماعية تقرر: من سيجهض في ظروف أفضل في دول أخرى، ومن سيجازف بحياتها لأنها لا تملك حق السفر إلى بلد قانونها يحمي صحة النساء اللواتي هن بحاجة للإجهاض”.

وصمة اجتماعية وهيمنة أبوية

في ذات السياق فإن تشديد عقوبات الإجهاض وتجريمه في المجتمعات الأبوية يتعلق بشكل كبير بالتحكم الأبوي في إنجابية النساء والحفاظ عليها ضمن نطاق الدولة لضمان نفوذها على العائلة والمجتمع وضمان إعادة الانتاج الاجتماعي.

كما أنه يرضي النزعة الذكورية في المجتمع والتي تبقي على الهرميات السلطوية على أجساد النساء ومصيرهن الإنجابي.

وتشكل وصمة الإجهاض قيمة اجتماعية كبيرة حيث أنها توفر للنظام الأبوي حيزاً في الإبقاء على السلطة التشريعية ضمن نطاقه، وبذلك يتم تنظيم المجتمع والأسرة من خلال القيم الأبوية التي تعتمد بشكل كبير على التحكم في أجساد وانجابية النساء والأشخاص المنجبين/ات، الذي يعد بدوره وسيلة أساسية لاستمرار النظام الأبوي والرأسمالي وأنظمة الحكم القمعية.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد