روايات التعذيب الرسمية أثناء ثورة التحرير.. تاريخ من إنكار فرنسا وصمت الجزائر

1954-2024، سبعون عامًا مرت على انطلاق ثورة التحرير الجزائرية. ورغم ذلك لا تزال موضع شد وجذب مستمر بين مختلف الأطراف والتيارات. عادت مؤخرًا الثورة الجزائرية، أو حرب الجزائر، للواجهة. وذلك بعد إصدار مجموعة منظمات فرنسية بيانًا تدعو فيه الدولة الفرنسية لإعادة النظر في تاريخ احتلال الجزائر. هذا بما يحويه من جرائم وتجاوزات بشكلٍ عام، والاعتراف بمسؤوليتها عن اللجوء للتعذيب الممنهج بشكلٍ خاصٍ. 

ليست المرة الأولى التي يُفتح فيها الموضوع في فرنسا. سبق وأقرّ الرئيس الفرنسي، منذ سنتين، أن أفرادًا من الجيش الفرنسي لجأوا لاستخدام التعذيب أثناء التحقيقات والاعتقالات. لكن هذا التصريح، وإن كان الأول من نوعه، لم يكن كافيًا بالنسبة لمنظمات حقوق الإنسان الفرنسية وجمعيات المحاربين القدامى وغيرها. إذ تطالب، اليوم، بالاعتراف بأنها كانت سياسة ممنهجة وموضوعة بعلم الدولة الفرنسية. أي أنها ليست فقط ممارسات استثنائية وفردية قام بها ضباط من تلقاء أنفسهم. 

هناك التاريخ الشفهيّ المتمرد على سيطرة الروايات الرسمية. لكنه خاضع لنفس الأحكام التي تخضع أجساد النساء لمفاهيم الشرف وملكية العائلة. لذا، فمرويات الاعتداء الجنسي فيه نادرة أيضًا، ولا يتم تداولها إلا في نطاق ضيق جدًا. 

شهود في مواجهة تعذيب ممنهج

البيان الذي صدر في آذار/مارس 2024 كان مرفقًا بشهادات من تعرضوا للتعذيب، من الجزائريين والفرنسيين. على رأسهم Henri Alleg هنري ألِغ، والذي نشر كتابًا، سنة 1985، عن تعرضه للتعذيب عند اعتقاله. وذلك للحصول على معلومات عن أعضاء الحزب الشيوعي الجزائري، الذي كان قريبًا منه بحكم انتمائه للحزب الشيوعي الفرنسي. 

بالإضافة إلى أسماء أخرى، مثل هور كابير ،Hour Kabir وجابريال بنيشو Gabrielle Benichou، وغيرهم ممن كانوا ضمن أوائل الذين تحدثوا عن التعذيب في المعتقلات الفرنسية في الجزائر. هذا عبر المقالات والكتب التي نشروها آنذاك داخل الأوساط اليسارية في باريس بداية من 1957، وأيضًا في الأوساط الدينية الكاثوليكية والبروتستانتينية والتي وقفت في صف الشباب الذين رفضوا التجنيد الإجباري والمشاركة فيما يسمى “الحرب القذرة”. 

ولعل من أهم شهود تلك الفترة، والذي حاول الوقوف في وجه استخدام التعذيب الذي تعرض له بشكل شخصي في معتقلات النازيين، Paul Teitgen بول تيتغن. وهو سكرتير عام لمحافظة الجزائر العاصمة لمدة سنة واحدة (1956-1957). استخدم تيتغن منصبة في محاولة الوقوف في وجه الجنرالات وحماية الجزائريين من الاعتقال. كما أخفى بعضهم داخل منزله في الطابق الأخير بمبنى المحافظة ذاته الذي صدرت فيه أوامر القبض عليهم. 

ثورة التحرير وتصاعد التعذيب في الجزائر

استخدمت قوات الاحتلال الفرنسية التنكيل والتعذيب منذ السنوات الأولى لاجتياحها الجزائر في 1830. لكنه لم يصبح ممارسة دارجة بشكلٍ مكثف إلا بعد اندلاع ثورة التحرير في نوفمبر 1954. وخصوصًا بعد أن وصلت تحركات جيش التحرير الجزائري للعاصمة التي ظلت هادئة نسبيًا لمدة ثلاث سنوات. 

بعد بداية ما سمي لاحقًا بمعركة “الجزائر العاصمة”، اتخذت الحكومة الفرنسية قرار إطلاق يد الجيش. ومنهم تحديدًا المظليين المعروفين بشراستهم، للسيطرة على الوضع. ذلك بعد أن أصبحت الشرطة الاستعمارية غير كافية عددًا وتدريبًا لمواجهة مثل هذه المقاومة. 

إذًا، فممارسة التعذيب في المعتقلات كانت بمعرفة الحكومة الفرنسية في باريس وموافقتها الضمنية، أملًا في الخلاص السريع مما اعتقدت أنه مجرد حرب عصابات تستطيع القضاء عليها باستخدام الجيش. وهذا تحديدًا ما تحاول المنظمات والجمعيات التي أصدرت بيان مارس 2024 حمل النظام على الاعتراف به. أي أن التعذيب في المعتقلات لم يكن مجرد “أخطاء” فردية. بل ممارسة ممنهجة يتم تدريسها في الكليات الحربية أيضًا ضمن المناهج. 

بعد الحرب العالمية الثانية، طوّر الضباط الفرنسيون أساليب تعذيب جديدة مستوحاة من تلك المستخدمة في المعتقلات النازية سابقًا. تعرّض بعضهم لها وجربوها كضحايا، ثم استخدموها كجلادين في المستعمرات الفرنسية.

تسبب ذلك الاحتكار في تحويل السرديات المتشابهة لمجرد فولكلور مكرر كل سنة في المناسبات الوطنية. ولم يسمح أبدًا بدراستها بشكل نقدي أو تحويلها لوثائق إدانة رسمية ضد الاحتلال الفرنسي. 

بين الحكومة والجنرالات.. مَن سيحقق “المجد” في الجزائر؟

في تلك الفترة، كان الصراع على أشده بين القيادات الفرنسية في الجزائر والحكومة في باريس. حيث حاول المستوطنون مرارًا الانفصال معتبرين أنهم قادرون على الاستغناء عن المركز سياسيًا واقتصاديًا. قام الجنرالات بعدة محاولات للانقلاب، كاد بعضها أن ينجح. 

من ناحية أخرى، شهدت تلك الفترة التحضير للانسحاب من تونس والمغرب للاحتفاظ بالجزائر فقط. حيث لم تكن مجرد حماية مثلهما، بل محافظة فرنسية واستعماراً استيطانيًا. 

في نفس الوقت، وكما ذكر فابريس ريسبوتي في مقاله عن بول تيتغن المنشور في la revue d’histoire n142 الصادرة سنة 2019، فإن الوضع كان عصيبًا على الحكومة الفرنسية في الجزائر. هذا ليس فقط بسبب التفجيرات المفاجئة التي كانت تقوم بها جبهة التحرير الوطني في العاصمة. لكن أيضًا بسبب وصول الجنرال ماسو Massu ومعه الفصائل الناقمة التي هزمت في الهند الصينية وبورسعيد قبل وقت قصير. 

لذا، كان منح مقاليد السلطة على الجزائر للجنرالات خيار النظام في فرنسا. ذلك حتى لا تدخل في مواجهة ستخسرها حتمًا مع المستوطنين المسلحين المتحالفين مع جنرالات الجيش المنهكين من الحروب الأوروبية. هؤلاء الباحثون عن “المجد” في آخر مستعمرة استيطانية يملكونها. إذ تزخر بالامتيازات، مثل القرب الجغرافي من بلادهم، والمساحة الشاسعة الغنية بالثروات والمناخ المعتدل.

التعذيب في الجزائر.. رواية رسمية وتاريخ موازٍ

توالت الشهادات والتنديدات باستخدام التعذيب بعد الاستقلال في 1962 في فرنسا وبشكلٍ أقل في الجزائر. ترجع قلة الشهادات في الجزائر لأسباب متعددة، مثل تفشي الأمية، والاضطرابات السياسية والاقتصادية التالية للتحرير. هذا بجانب استخدام المرويات الشفهية والشهادات الحية كبديل عن السرد المكتوب. 

رغم هذا، صدرت عدة دواوين شعرية وروايات وأفلام ومسرحيات تتحدث عن فترة الاحتلال الفرنسي. حيث طرحت سرديات مختلفة عن التعذيب الذي تعرض له الجزائريون/ات. كما لا ننسى أيضًا كتابات فرانز فانون، حول الاضطرابات النفسية والأمراض العقلية. وكانت تلك التبعات الأكثر انتشارًا للتعذيب الجسدي والنفسي. كما تحل، في أحيان عدة، محل الشهادات المباشرة. حيث كان يعتبر الاستعمار “المموّن الرئيسي لمستشفيات الأمراض النفسية والعقلية”. 

هنالك ظاهرة أخرى جديرة بالبحث قد تشرح قلة الشهادات وتأخرها من طرف الجزائريين/ات. طرحتها كريستيان شولي عاشور Christiane Chaulet Achour حول قناعتهم الكاملة بأن التعذيب جزء لا يتجزأ من الحرب. وأنه ممارسة “اعتيادية” لا تختلف عن غيرها وليست أقل بشاعة من قتلٍ وتهجيرٍ يعيشونه منذ أكثر من قرن على يد الاحتلال الفرنسي. 

كما يورد الباحث عبد الوهاب بياض، في مقاله عن مسألة الذاكرة في العلاقات بين الجزائر وفرنسا، أن النظام الجزائري احتكر كتابة التاريخ الثوري عبر وزارة المجاهدين التي كانت تمارس دورًا رقابيًا على كل ما كان ينشر حول الثورة وفترة الاحتلال. هذا بكل ما حمله هذا التاريخ من مقدسات وتابوهات ممنوع الاقتراب منها بنص القانون. وتسبب ذلك الاحتكار في تحويل السرديات المتشابهة لمجرد فولكلور مكرر كل سنة في المناسبات الوطنية. ولم يسمح أبدًا بدراستها بشكل نقدي أو تحويلها لوثائق إدانة رسمية ضد الاحتلال الفرنسي. 

عنف جنسي وجرائم حرب جندرية

المثير للإهتمام في كل هذا الكم من الشهادات هو غياب أصوات النساء فيما يخص جريمة الإغتصاب. رغم علم الجميع، يقينًا، باستخدامها سلاح حرب لمعاقبة النساء وإخضاع العدو وإهانته. هناك جرائم حرب، وهناك جرائم حرب جندرية مثلما تسميها روندا كوبلون Rhonda Coplon. يحيط بالأخيرة الصمت الاختياري أو القسري والعار. 

طوال الفترة ما بين الاستقلال حتى سنة 2000، حرصت الجزائر على تقديم صورة مثالية للمجاهدات. صورة تشبه إلى حد كبير رمزية “أمهات المؤمنين/ات” عند المسلمين/ات، باعتبارهن أيقونات “طاهرة”.

كيف يمكن الحديث عن اغتصاب جنود فرنسيين أعداء غير مسلمين في هذه الحالة؟ هل كان ليسمعهن أحد؟ كان علينا انتظار شهادة شجاعة وحيدة، لم تتكرر، للمجاهدة لويزات إيغيل أحريز في سيرتها الذاتية التي عنونتها بـ “جزائرية”، فقط. تحدث لويزات عن الاغتصاب في معتقلات الاحتلال. فتبرأ منها ابنها الوحيد، وحذفت دار النشر المقطع من النسخة الموجهة للسوق الجزائري. 

هذا التعتيم لم يمنع باحثات عدة من التطرق للموضوع، كثيرًا من الجانب الفرنسي، نادرًا من الجانب الجزائري. وذلك بالاعتماد على مصادر تاريخية مختلفة، من بينها شهادات الضباط والجنود أنفسهم. وكذلك عبر دراسة الرسائل والمذكرات اليومية، وحتى شهادات قساوسة تلقوا اعترافات الجناة وتقارير أطباء عالجوا الضحايا، وراهبات استقبلن الحوامل والأمهات.

سلاح حرب ووصمة عار ومصير مجهول

من ناحيتها، استخدمت رافاييل برانش Raphaëlle Branche سجلات وزارة العدل والنيابة العامة القديمة والتي حكمت في بعض قضايا الاغتصاب التي وصلتها حينها. تشير الباحثة إلى أن غالبية القضايا لم تكن مقامة من قبل الضحايا ولم تشهد حتى حضورهن. 

في الجزائر، هناك التاريخ الشفهيّ المتمرد على سيطرة الروايات الرسمية. لكنه خاضع لنفس الأحكام التي تخضع أجساد النساء لمفاهيم الشرف وملكية العائلة. لذا، فمرويات الاعتداء الجنسي فيه نادرة أيضًا، ولا يتم تداولها إلا في نطاق ضيق جدًا. 

ربما الشهادة الوحيدة عن كيفية التعامل مع ما واجهته النساء الجزائريات هو ما ذكره الأديب القبائلي مولود فرعون في مذكراته المنشورة سنة 1962. أورد فرعون أن مسؤولي جبهة التحرير قدموا لمنطقة القبائل، والتي كانت من أكثر المناطق التي تعرضت للتنكيل بسبب مقاومتها منذ بدايات الاستعمار. وطلبوا من النساء عدم مقاومة المغتصبين، بل وقبول الاعتداء عليهن لأن هذا “دورهن في ثورة التحرير”. كما طالبتهن بالصمت، حتى لا يشعر العدو بأنه انتصر على الشعب والوطن. بقي مصير الناجيات وأطفالهن، في حالات حدوث حمل، غير محدد، عدا قصص متناثرة هنا وهناك.  

فرنسا والجزائر.. استعمار وتواطؤ

الشهادات المختلفة عن التعذيب، من الجزائر وفرنسا، بالإضافة إلى صمت الحكومات المتعاقبة، صنع مجموعة ذاكرات هجينة. منقسمة ومتوازية وتتعارك فيما بينها في نفس الوقت. وذلك بسبب تراكمات ما لم يقال، وما لم يحكى، وما لم يتم تجاوزه، وما لم يسمى بوضوح من الأصل. 

فالحرب ليست حربًا رسمية، بمقتضى اتفاقية إيفيان والتي صادق عليها الطرفان. إنما هي “أحداثًا”، كما يذكر النص الرسمي. ولهذا، لا تنطبق عليها القوانين الدولية الخاصة بالحروب مثلًا. كما أن من شاركوا فيها، من الجانب الفرنسي، لم يحصلوا على صفة المحاربين القدامى، وكل ما يترتب عليها من امتيازات وتعويضات. 

إلا أن فرنسا أعادت النظر وأسمتها حربًا بشكل رسمي وقانوني في 1999. بينما، على الطرف الآخر في الجزائر، هي ثورة تحرير تخضع لأطر قانونية دولية مختلفة تمامًا. يعتبر فيها العنف الثوري مشروعًا، وليس أفعالًا إجرامية.

الحديث عن التعذيب، في البلدين، واجهه صمت حكومي استمر حتى بداية الألفية. عاد التعذيب أثناء فترة الاستعمار للواجهة وبقوة أكبر بفضل مقابلة فلورانس بوجيه Florence Beaugé مع المجاهدة لويزات ايغيل احريز في جريدة لوموند (20 حزيران/يونيو 2000). وكانت تبحث حينها عن الطبيب الفرنسي الذي أنقذها من الموت بعد تعرضها للتعذيب الشديد. 

فتح المقال مجالًا لمساءلة من عاصروا تلك الفترة. ولأول مرة، أقر اثنان من الجنرالات، ماسو و بيجار Massu/Bigeard بممارسة التعذيب بمعرفة المدنيين في الحكومة. ثم اعترافات الجنرال اوساريس Aussaresse، والتي تسببت في إحالته للتقاعد المبكر وحرمانه من ميدالية جوقة الشرف التي كان يحملها ومحاكمته بتهمة التبرير لجرائم الحرب. 

الحديث عن التعذيب صاحبه إعادة نشر لتقارير وكتابات أدبية ودراسات صدرت سابقًا. لكن أيضًا، دراسات جديدة تعتمد على الأرشيف الفرنسي الذي أتيح الإطلاع على جزء كبير منه للمؤرخين/ات. هذا الاهتمام صادف التحضير لفعالية سنة الجزائر في فرنسا التي أقيمت في 2003 باتفاق بين عبد العزيز بوتفليقة وجاك شيراك. 

بداية الألفية شهدت، أيضًا، بدايات مشروع معاهدة الصداقة والتعاون الفرنسية الجزائرية. الأمر الذي انتهى بتوقيع بيان مشترك سنة 2012 من أجل إعادة النظر معًا في التاريخ، وتجاوز ما سمي بخلافات الذاكرة بين البلدين. لكن دون أية إشارة لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الاحتلال. 

ليست المرة الأولى التي يتغاضى فيها النظام الجزائري عما حدث ويسقط حقوقًا تاريخيّة. فمعاهدة إيفيان والتي تم الإتفاق عليها مع جبهة التحرير الوطني قبيل الاستقلال، تنص على العفو العام، وإسقاط جميع التهم عن جميع من شاركوا في القتال المسلح من الطرفين، وعدم محاسبة أي منهما. 

ما الذي يخشاه النظام الجزائري؟

إذا كانت رغبة السلطات الفرنسية في إغلاق باب الماضي الاستعماري دون محاسبة مفهومة وواضحة، فإن الموقف الجزائري يثير العديد من التساؤلات. نجد إجابتها في التجاوزات والانتهاكات التي صاحبت هيمنة جبهة التحرير الوطني على المشهد السياسي والعسكري في البلاد. هيمنة استمرت بعد الاستقلال وحتى التسعينيات، بفرض الحزب الواحد والفكر الأوحد والهوية الواحدة العربية المسلمة. 

وهكذا، تم استبعاد واستهداف جميع التيارات الأخرى ومن أهمها حزب الشعب الجزائري ومؤسسه مصالي الحاج، أبو الوطنية الجزائرية، والذي منع تداول اسمه في الفضاء العام أو حتى الإشارة إليه لفترة طويلة.

شهدت الجزائر أيضًا تصفية حسابات دامية بين الجناح السياسي والجناح العسكري لجبهة التحرير قبيل الاستقلال. وهو ما حرم البلاد من كوادر متعلمة ومتمكنة من العمل السياسي، مثل فرحات عباس وعبان رمضان. إذ لم تشفع لهما وطنيتهما ولا نضالهما المبكر في صفوف الجبهة. ولم تشفع لمحمد بوضياف الذي عاش جل حياته بعيدًا عن الوطن الذي حارب من أجل حريته. 

خوف النظام الجزائري من فتح ملفات الماضي والمحاسبة مرتبط أيضًا بالخوف من أن تطفو بعض الحقائق على السطح. حقائق من شأنها التشكيك في شرعية النظام التي بنيت بالكامل على الطهرانية الثورية. مثلًا، حقيقة مجزرة ملوزة التي راح ضحيتها أكثر من 300 مناضل من الحركة الوطنية الجزائرية في 1957. بعد أن اعتقد الجميع أن الجيش الفرنسي وراءها؟ وماذا لو قرر “الحَرْكَة” محاسبة الجزائر على الفظاعات التي ارتكبت في حقهم/ن وحق عائلاتهم/ن؟ 

الحَرْكَة، مفردها حَرْكِي: يقصد بها الجزائريون الذين عملوا مع الاستعمار الفرنسي وغادر من لم يتم الانتقام منهم الجزائر عند الاستقلال بمعية الجيش نحو فرنسا.

ربما لكل هذه الأسباب ترفض الجزائر فتح أرشيف الثورة أمام الباحثين/ات. ولم تقدم، حتى اليوم، طلبًا رسميًا موجهًا للنظام الفرنسي أو المحاكم الدولية للاعتراف بممارسة التعذيب الممنهج وجرائم الحرب والإبادة أو حتى الاعتذار رسميًا. 

يبقى الخطاب المتعلق بهذه المطالب رهن الوضع السياسي داخل الجزائر. حيث أن الحكومات المتعاقبة تستخدمه عند الأزمات لإلهاء الشعب. ذلك دون أية نية جدية في إعادة النظر في الماضي وأخطائه، أو معالجة الصدمات المتكررة التي عانى منها الشعب، وبناء ذاكرة وطنية لا مكان فيها للتدليس أو إخفاء المعلومات وتغيير الحقائق. 

كتابة: إيمان عمارة

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد