في الجزائر.. هل من الممكن أن أكون نسوية ومحجبة؟ 

لطالما وصلت مسامعي جملة “متحجبة ونسوية؟” أو تعليقات على حساباتي بمواقع التواصل الاجتماعي: “كيف لمحجبة أن تعلمنا التحرر وهي حبيسة الحجاب؟”

في كل مرةٍ، تساءلت عن العلاقة بين ما يُقال، وبين نضالي من أجل حقوق النساء. وفي كل واحدة من هذه المرات، لم أجد جوابًا شافيًا. حينها، قررت الغوص في تجارب مختلفة، والبحث في النضال النسوي في الجزائر، وكيف تعامل مع قضية الحجاب. هل حقًا من غير المتوافق إطلاقًا أن تكون امرأة نسوية وأن ترتدي الحجاب في الوقت عينه؟

أثناء بحثي، التقيت نفيسة 33 عام، مهندسة مدنية وناشطة نسوية جزائرية. في حزيران/يونيو 2023، شاركت مع نفيسة وأخريات في “الجامعة النسوية الصيفية”، والتي نظمتها “الجريدة النسوية الجزائرية”. تعتبر نفيسة هذه التجربة تحديًا كبيرًا لها، لأنها “متزوجة ومتحجبة”. بعد ترددٍ، سألتْ نفيسة خلال ورشة حول النساء والنسويات، “هل يمكن لحجابي أن ينتقص من قيمة نضالي النسوي؟ هل كوني متزوجة ولا أستطيع المبيت في الفندق مثل بقية المشاركات، يحد من حريتي ويجعل من نسويتي محل استفهام؟”.

“أغضب عندما أسمع أن الحجاب ليس عقبة أمام النضال النسوي، لأن النسوية هي الفكر السياسي – السياسي الذي يقوم تحديدًا على تحرير الجسد. يمكنكِ النضال من أجل حقوق النساء، لكن لا يمكنكِ أن تكوني نسوية وترتدين الحجاب”.

نعم.. نسوية ومحجبة

هرعت عند نفيسة، أتقاسم معها تجربتي، كأنني وجدت أختًا لي في ورطة. تقول نفيسة: “الانتقادات حول النسوية والحجاب ليست مباشرة، وغالبًا ما تكون من خلال تلميحات. لكن بالنسبة لبعض المناضلات النسويات، “لستُ نسوية بما فيه الكفاية”.

وتضيف: “عندما أواجه هذا النوع من الأحكام، أتجاهلها، إذا رأيت أنه لا جدوى من النقاش. أما إذا رأيت مساحة لفتح نقاش متبادل، لا أتردد في مشاركة تجاربي ووجهة نظري في جوٍ يسوده الاحترام. من الضروري أن نتذكر أن الحراك النسوي متنوع، ويمكن للنساء أن تخترن التعبير عن أنفسهن كنسويات مع احترام معتقداتهن الشخصية. لكل نسوية الحق في تحديد اتجاهها النسوي، وفقًا لقيمها ومعاييرها الفردية”.

ترى كثيرات/ون من المناهضين لجمع النسوية والحجاب أن الأخير رمز للنظام الأبوي. في اعتقادهن/م، الحجاب ما هو إلا أداة لقمع النساء، وفرض السلطة الذكورية عليهن وأن المتحجبة ضحية اضطهاد أسري ومجتمعي. فيما ترى الداعمات/ون للمحجبات النسويات أنه يجب فهم الحجاب، انطلاقًا من روحانية محددة واعطاءه معنى تحرريًا، حسب الناشطة النسوية سيرين إدلبي.

ماذا يعني أن يكون الحجاب “أمرا تحرريًا”؟ هذه عبارة تحتاج إلى تفكيك نسوي. لكن برأيي، الحجاب طرأ عليه العديد من التغييرات والمراحل، وقد ترتديه النساء باختيارهن. ربما لأنه في وقتٍ ما، سمح الحجاب للنساء بالخروج من بيوتهن للدراسة والعمل. لكن ذلك لا ينفي فكرة أن هناك حجابًا قسريًا وبالإكراه، ما يعزز القيود المفروضة على النساء والتدخل في حيواتهن واختياراتهن الشخصية.

تعرّضت ناشطات نسويات جزائريات متحجبات للانتقاد، بسبب جمعهن الحجاب والنضال النسوي. تطال هذه الانتقادات نضالهن الحقوقي، حيث يتم التركيز على المظهر الخارجي، على حساب ما يدافعن عنه وينضالن لأجله. فيكون الملبس وتغطية الشعر، عوامل على أساسها يتم تحديد أيّ من النسويات هي “الأكثر نسويةً”. من أبرز الأسئلة التي تطرح عليهن، “كيف ترتدين الحجاب و تدافعين عن حقوق النساء؟ مَن أرغمك على ارتدائه؟ هل حجابكِ عن قناعة؟ أنتِ جميلة من دون الحجاب”.

ثنائية الضحية والمُنقِذة

هذه الأسئلة، وغيرها، تتدخل في الحياة الشخصية للنساء. بالإضافة إلى ذلك، فهي تسبب لهن قلقًا وشعورًا بالاقصاء، بالأخص إذا كن في مجموعة تتبنى أغلب عضواتها هذا المنظور المحدود للحجاب والنضال النسوي. نحن نناضل من أجل أن تكون لدينا بيئة سليمة لجميع النساء، لا أن تشعر إحدانا بعدم الانتماء لمجرّد أن مظهرها العام مختلف.

هذا حال صونيا حمومراوي، نسوية وناشطة جمعوية جزائرية. حيث تقول: “يرون أنني لا أستطيع الاختيار.. لأنني نسوية ومحجبة. كل واحدة حرة في اختياراتها. أنا ضد الحجاب بالإكراه، لأن كل واحدة حرة في اختيار نمط لباسها، حجاب أو غيره. تلك حرية شخصية، ونضالنا من أجل حقوق النساء هو نضال من أجل حرية الاختيار، دون أية ضغوطات. على النقيض، الحراك النسوي لا يتنافى مع الحجاب كمظهرٍ عام وحرية ملبس، أو حرية اعتقاد”.

تتعرض أغلب النسويات المتحجبات لاتهامٍ مشترك: “أنتن خاضعات للدين”. كما تعتقد كثيرات/ون أنه “يجب تحرير النساء من الحجاب”، باعتبار أنهن ضحايا. أتذكر أيضا الجمل المتطايرة هنا وهناك خلال لقاءات وورشات تكوينية، جميعها تنظر للحجاب كخضوعٍ يجب التحرر منه. هؤلاء يقدمن/ون أنفسهن/م كمنقذاتٍ ومنقذين النساء. بهذا المنظور، تشبه هذه الأفكار تيار النسوية البيضاء. إذ ترى رائداته أنهن المخلّصات المحرّرات البيضاوات اللائي يستطعن تحسين أوضاع كل النساء في العالم.

مع مرور الوقت، ولقائي بنسويات كثيراتٍ في الميدان، اقتنعت أنه لا يجب الخلط بين المحجبات والحجاب. مثلًا، إذا نزعت امرأة الحجاب، وقالت أنها أصبحت أكثر حرية، قد تشعر المحجبة أنها غير حرة. لكن ذلك أيضًا لا يعني أن الأولى قصدت الإساءة للثانية. في نهاية المطاف، الحجاب تجربة شخصية، ومشاعر مختلفة تنبع من هذه التجربة الفردية.

هل الحجاب والنسوية خطان متوازيان؟

تواجه النسويات المحجبات ضغطًا من بعض المنتميات/ين إلى الحركة نفسها. بالنسبة إلى البعض، فهؤلاء النساء غير مرحَّب بهنّ كنسوياتٍ، ما لم يتخلين عن غطاء الرأس. ويرى البعض أنه بسبب الحجاب، تكون نسويتهن غير مكتملة. ويذهب البعض بعيدًا بالأحكام والتنميط، ولا يعتبرن/ون المحجبات نسويات من الأصل.

في هذا السياق، ترى الناشطة النسوية الجزائرية وسيلة تامزالي أن الحجاب غير مناسبٍ للنسوية. “أغضب عندما أسمع أن الحجاب ليس عقبة أمام النضال النسوي، لأن النسوية هي الفكر السياسي – السياسي الذي يقوم تحديدًا على تحرير الجسد. يمكنكِ النضال من أجل حقوق النساء، لكن لا يمكنكِ أن تكوني نسوية وترتدين الحجاب”.

تصريح تامزالي تدعمه مجموعة من المناضلات النسويات الجزائريات، مثل ليندة جوهر، عضوة “جمعية ثروة نسومر”. وهي من أبرز الجمعيات الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق النساء في الجزائر. “أرى أن هناك خلل بين النسوية والحجاب، لأنه ببساطة لا يتناسب. دائمًا ما أطرح أسئلة: عندما خلقتم نضالكم الخاص، ما هي الحدود التي وضعتموها؟ هل يزعجكم قانون الأسرة، تعدد الزوجات، قوانين الميراث؟ هناك خلل وعدم توازن. كل الأديان بالنسبة إليّ يعتبرون النساء محدودات، ويتم استخدامهن ولا يملكن دورًا حقيقيًا”.

في رأيي الشخصي، ما تقوله جوهر حقيقي. في نقطة أننا ربما خلقنا نضالنا الخاص، لأن ما فسره علماء الفقه الاسلامي لبعض الأحاديث النبوية عن النساء  هو تفسير ذكوري محض. وذلك يعزز ضرورة وجود قراءة نسوية بديلة لنفس النصوص.

هدفنا واحد، ونسعى إليه كمحجباتٍ أو غير محجباتٍ، من أجل أن تعيش النساء في مجتمعٍ عادلٍ قائمٍ على المساواة. لا يجب أن يكون الحجاب عائقًا أمام النضال المشترك والنسوية التقاطعية.

الحركة النسوية في الجزائر، هل أدمجت النساء المحجبات؟

ترى الناشطة النسوية آمال حجاح  أيضًا أن الحجاب رمزٌ أبوي. “قد تكون عندي انتقادات حول الحجاب، أو قد أعبر عن موقفي ضد الحجاب الالزامي. لكن أن أناقش المحجبة إذا كانت نسوية أم لا، بالنسبة إليّ، هذا متناقض مع نسويتي التي تقول أن الحقوق والحريات لجميع النساء”.

وتضيف آمال: “نعم؛ يجب أن نتكلم في النسوية عن الجسد، ومكانته في المساحات العمومية، لاسيما أجساد النساء. لكن أن نقول للمحجبة أنها ليست نسوية، فهذا عائق أمام الحركة النسوية في بلادنا. الجزائر بها عدد كبير من المحجبات، وإذا اتبعنا هذا المنظور، لن نعمل مع أي أمرأة. يجب أن نفكر معًا، لكي نناضل معًا. كل امرأة بخياراتها، لديها مكانتها في الحراك النسوي. هذا ما رأيناه في المربع النسوي، خلال  مسيرات الحراك الذي جمع نسويات من جميع المشارب. النسوية نضالات، وليست نضالًا واحدًا. لذلك، تجمعنا أهداف كبرى مشتركة”. 

لم تعمل جميع  المجموعات النسوية على دمج النساء المحجبات في صفوف الحركة النسوية في الجزائر، حسب الناشطة النسوية أمينة أيزروقن. وترى صاحبة مشروع “المدرسة النسوية” لمنظمة “فريدرتش ايبرت الألمانية بالجزائر “، أن الأمر لم يكن بطريقة عمدية، وإنما بسبب ما حدث في سنوات التسعينات. حيث قُتلت النساء لرفضهن ارتدائه، وتم شن حملات لتحجيب الفتيات والنساء، لترهيبهن من طرف الحركات المتطرفة. لقد تركت سنوات التسعينات أو ما يعرف بـ”العشرية السوداء” ندوبًا على النسيج الجزائري. كان هناك عنف وتخويف من أجل إجبار النساء على ارتداء الحجاب، رغمًا عنهن. وأصبح هناك كره ضد الحجاب الإلزامي”.

هل الجدل حول الحجاب أم المُحجّبات؟

“أنا شخصيا أنتمي لعدة مجموعات نسوية، ولم نرفض يومًا إدماج نساء لأنهن محجبات. لكن ربما لم يتم إدماجهن لأسبابٍ أخرى. من هذه الأسباب، عدم وجود طرح حقيقي لقضية الحجاب دون مهاجمة المحجبات، وتقبُّل النقد بالمقابل. أعتقد أن مسألة الحجاب لم تتم مناقشتها  بأمانة وصدق. إنها مسألة حساسة، ونحن بحاجة لفتح نقاش واضح حوله، وليس حول النساء المحجبات”، تؤكد أيزروقن.

في الأخير، ربما على الحراك النسوي في الجزائر إيجاد أرضية مشتركة، لأن عدونا واحد – النظام الأبوي. يجب أن نقبل جميع النساء بكل اختلافاتهن، والتخلي عن رؤية الحجاب كإكراه أو اختيار، لأننا سنقع في الإقصاء لا محالة. بكل بساطة، هدفنا واحد، ونسعى إليه كمحجباتٍ أو غير محجباتٍ، من أجل أن تعيش النساء في مجتمعٍ عادلٍ قائمٍ على المساواة. لا يجب أن يكون الحجاب عائقًا أمام النضال المشترك والنسوية التقاطعية.

**لا تخلو هذه المقالة من عنصر الذاتية، لا لشيء إلا لسببٍ واحدٍ. وهذا السبب هو أنني أتقاسم نفس التجربة مع بعض صاحبات القصص حول الحجاب والنسوية.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد