الحريات الشخصية والجنسانية.. بين أبوية القانون ومخالب التحريض
لم تكن الأنظمة الأبوية لتنجو قرونًا دون أن يكون تدخلها في الحريات الشخصية والحريات العامة هدفًا للبقاء. من أجل هذا الهدف، تم تسخير القوانين والسياسات والمعايير والبنيات الاجتماعية. يتحقق الهدف على حساب الأفراد والجماعات المهمّشة، وكل مَن لم يتفقن/وا مع الأنماط السائدة والقمع السياسي والاقتصادي.
من منظور نسوي متقاطع، يحلل المقال بعض مواد قوانين العقوبات في: العراق، لبنان، الأردن، وفلسطين. ويُبين كيف تُستخدم على مستوى قانوني للهيمنة على الحريات الشخصية للأفراد، وعلى مستوى مجتمعي يحرّض على/ويُمارس العنف ضدهن/م.
اللغة الفضفاضة في جرائم التحريض على الفسق والفجور
القوانين هي القواعد العامة المحددة للسلوك المجتمعي، وتضمن حقوق وواجبات الأفراد في علاقتهن/م بالدولة بوصفها نظام سياسي، وببعضهن/م البعض. وتستخدم القوانين لغة واضحة، حرصًا على عدم استغلالها للإفلات من جرائم وعقوبات.
في منطقة شمال غرب آسيا وشمال إفريقيا، تستخدم قوانين العقوبات لغة فضفاضة لتجريم الحريات الشخصية. كما تتنوع المرادفات القانونية بين: “الفسق والفجور، حماية الأخلاق، الآداب العامة، خدش الحياء، الفاحشة، الرذيلة، قيم الأسرة، مخالفة الطبيعة، والدعارة والبغاء”.
لا يوجد تعريفات واضحة للممارسات التي تعتبرها هذه القوانين جرائم. لكنها تنطوي على الخروج عن المعيارية الاجتماعية التي تحددها الشريعة الإسلامية (مصدر التشريع في هذه البلدان)، والدولة بالتبعية.
فإن كانت الدولة تجرّم العلاقات الجنسية الرضائية خارج إطار الزواج بوصفها الإسلامي “زنا”، فإن ممارستها تعتبر جريمة تمسّ الآداب العامة. كذلك هو الحال مع العلاقات المثلية، والعبور الجندري، وما تُسميه قوانين العقوبات “تشبهًا بالجنس الآخر”.
من خلال تطبيق العقوبات، نستدل على أنها موجهة في الأساس للأشخاص غير المنصاعات/ين للنظام الأبوي. نعرف أيضًا أنها ممتدة لتشمل غير الملتزمات/ين بالأكواد الاجتماعية والطبقية. ذلك حتى لو كن/كانوا ملتزمات/ين بالمعيارية الغيرية جنسيًا واجتماعيًا، مثل التحرر في الملبَس والمظهر والسلوك العام.
في مقابلة خاصة مع “شريكة ولكن”، يروي سيف علي كيف تعرّض لعدة هجمات بسبب تأسيسه منصة “كالا عراق” المهتمة بالحقوق الجنسانية.
“تعرّضت للاعتقال بسبب ملابسي. لم يكن هناك تهمة، لعدم احتواء القانون العراقي وقتها على شيء بإمكانه إدانتي. كنت على اطلاع بالقوانين والتفاصيل لكوني ناشطًا، فلم يتمكنوا من اتهامي بشيء. بعد ساعات من الاعتقال، تم الإفراج عني بعد تهديدي بالاعتداء الجنسي عليّ”.
في مواده (400-404)، يعاقب قانون العقوبات العراقي “الإخلال بالحياء العام”. ورغم عدم تجريم المثلية والعبور نصًا في القانون، صادق البرلمان العراقي خلال العام الجاري على تعديل قانون مكافحة “البغاء” لعام 1988، ليشمل عقوبات المثلية والعبور و”الترويج لهما“.
في عام 2018، وثق تقرير “هيومن راتيس ووتش” انتهاكات بحق أشخاص عراقيين بعد القبض عليهم اعتقادًا في مثليتهم. شملت الانتهاكات الضرب والتعذيب والتعليق في السقف.
كيف نقرأ “التحريض” على الفسق والفجور نسويًا؟
تكمُن الإشكالية النسوية في هيمنة القانون على الحريات الشخصية، وفي اعتبار الأشخاص المعنيات/ون بها “مُحرّضات/محرضين”. وهذا “التحريض”، أيضًا في لغة القانون، يتجاوز الإجبار إلى “الحث والحضّ والتشجيع والنشر والتداول والترويج”. تصبح الحريات الشخصية مرهونة بالممارسة في الخفاء، بالطبع إن لم تعلم الجهات الأمنية.
استخدمت السلطات الأردنية قوانين الجرائم الإلكترونية لاستهداف مجتمع الميم-عين، وترهيب الناشطات/النشطاء، وفرض الرقابة على المحتوى المتعلق بالجندر والجنسانية. حُكم على رجل مثلي أردني بالسجن ستة أشهر في 2021، بسبب مادة في قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2015 تعاقب “من استخدم الشبكة المعلوماتية… للترويج للدعارة”، بعد لجوئه إلى السلطات للحماية بسبب تعرضه للابتزاز على الإنترنت.
ينزع القانون أهلية الأشخاص اللواتي/الذين يُعتقد أنه تم “تحريضهن/م”. هذه الفكرة الأبوية تنطوي على استحقاق النظام السياسي تقرير مصير الأشخاص. لذلك، تعاقب القوانين المحرضات/ين لتجعلهن/م “عبرة”، وتُرهِب الأفراد والجماعات التي تشاركهن/م الإيمان بالحق في ممارسة الحرية الشخصية.
رغم تجريم المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني “كل مجامعة على خلاف الطبيعة”، قضت 4 محاكم خلال العقد الأخير بأنه لا يمكن استخدام المادة لمعاقبة المثليات/ين. أما “الحض على الفجور والدعارة”، فتجرمه المادة 523. وتجرم المواد 531 إلى 533 “التعرض للآداب العامة” و”الإخلال بالحياء”.
في عام 2018، وثقت “هيومن رايتس ووتش” تعرض رجال مثليين إلى التعذيب والاغتصاب في أماكن الاحتجاز اللبنانية. وفي عام 2023، تعرّض رجل لاعتداء جنسي في سجن الرجال، بعد اعتقاله بحجة الشك في ميله الجنسي.
يُمكننا قلب المنطق ذاته رأسًا على عقب. لماذا هناك نصوص قانونية تعلن صراحةً أن الأسرة الغيرية (رجل+امرأة+عقد زواج) هي الإطار الوحيد لممارسة الجنس؟ ألا يعتبر ذلك “تحريضًا” على الزواج؟
بالمبدأ النسوي الذهبي: الخاص سياسي، وطالما أن هذا “الخاص” (الجنسانية) يتفق مع “السياسي” (الدستور والقانون)، يتم تطويع الحياة الشخصية للأفراد لخدمة أنظمة سياسية تقوم على الهيمنة الأبوية والمعيارية الغيرية.
خطابات كراهية.. هجمات مجتمعية.. وغطاء قانوني
هنا، يعتبر القانون غطاءً لحملات كراهية وعنف مجتمعي ضد غير المنصاعات/ين للمعيارية الغيرية، خصوصًا الأفراد الكوير. فأغلب الهجمات المجتمعية ضدهن/م تعتمد على تجريم الحريات الشخصية، ووضع رقابة قانونية ومجتمعية على حيوات الأفراد وجنسانياتهن. وبذلك، يضمن المهاجمين/ات حماية قانونية تُبرر جرائم الاعتداء.
في الأردن، وفيما تم إلغاء تجريم العلاقات المثلية الرضائية بين البالغات/ين عام 1951، تستخدم المواد (319-320) لملاحقة مَن يُعتقد أنهن/م مثليات/ون. تنص المادتين على عقوبات لـ “إفساد الأخلاق” و”الأفعال المنافية للحياء”.
في عام 2015، نظمّت مجلة “ماي كالي” المهتمة بالعدالة الجنسانية في المنطقة فاعلية للتوعية بالأوضاع القانونية للأفراد الكوير بالأردن. وفيما حضر عدد من سفيرات/سفراء دول أجنبية بصفة غير رسمية، ثار الرأي العام الأردني واعتبر الندوة “تدخلًا أجنبيًا وترويجًا للشذوذ”. صرّحت وزارة التنمية الاجتماعية أنذاك بأنها لن تعطي ترخيصًا لجمعيات “تحضّ على الرذيلة”، وقام محام برفع دعوى قضائية ضد بعض منظّمات/ين الفاعلية والحضور بذريعة “الإخلال بالنظام العام”.
في مقابلة خاصة مع خالد عبد الهادي، رئيس تحرير المجلة، يقول: “تم استدعائي للاستجواب حينئذٍ. تعتبر الواقعة محورية لأنه بسبب التحريض الإعلامي، كان كل بيتٍ أردني يعتقد أننا مدعومات/ين من الخارج. وهي وصمة حاولنا دحضها خلال سنوات طويلة أكدنا فيها أن اختلاف الميول والهويات ليس “غريبًا” على المجتمع الأردني، ولا “غربيًا” ومدعومًا من جهات تحاول “إفساد الأخلاق”. بعدها، قررت “ماي كالي” النشر باللغة العربية بعد أعوام كانت تنشر فيها بالإنجليزية فقط. كان هدفنا الإجابة على تساؤلات حول الجندر والجنسانية ومفاهيم الذكورة والأنوثة وكل تقاطعات الهوية”.
يستطرد خالد حديثه عن هجمات متعددة طالت المجلة عام 2016، عندما بدأت النشر بالعربية، وتحديدًا بعد مقابلة مع منصة رقمية انتشرت بشدة، وانتشر معها خطاب تحريضي ضد المجلة والميم-عين بالأردن.
“بعد ادعاء الصحافة أننا مؤسسة مرخصة، أصدر مدير هيئة الإعلام المرئي والمسموع بيانًا ينفي الادعاء. كما استدل على ذلك بأنه لو كانت المجلة مُسجّلة رسميًا، فسيكون هناك ملاحقات أمنية للمؤسسات/ين. ورغم علم الحكومة أن كل ما نشره الإعلام غير صحيح، تم حجب المجلة في المملكة الأردنية”.
في عام 2023، أصدرت “هيومن رايتس ووتش” تقريرًا حول العنف ضد الكويريات/ين في الأردن والتضييق على حريات التنظيم. شمل التقرير تهديدات أمنية مستمرة بحق ناشطات/ين، وتجميد أرصدة منظمات معنية بالحقوق الجنسانية. ضم التقرير شهادات حول الاستهداف الرقمي والتصيّد من قبل رجال الأمن للكويريات/ين.
في قطاع غزّة، مازال قانون الاستعمار البريطاني رقم 74 لسنة 1936 ساريًا. إذ تجرّم المادة 152 “مواقعة الأشخاص خلافًا لنواميس الطبيعة”. وهو ما يمكن اعتباره تجريمًا للمثلية.
أما في الضفة الغربية، يسري قانون العقوبات الأردني لسنة 1951، والذي لا يجرم المثلية الجنسية. لكن في عام 2019، أصدرت الشرطة الفلسطينية بيانًا بعد هجوم تعرضت له منظمة “القوس” العاملة في مجال الحريات الجنسانية بالضفة. نص البيان على ملاحقة أفراد المنظمة، وعدم التسامح مع “مساس السلم الأهلي والمجتمعي”. المثير للانتباه في بيان الشرطة الفلسطينية هو دعوتها للفلسطينيات/ين للإبلاغ عن العاملات/ين بمؤسسة “القوس”.
تمثّل هذه الدعوات ركيزة لشن هجوم مجتمعي ضد المنصات والمنظمات بمجال التعددية الجنسية والجندرية، وأي شخص يُعتقد في اختلاف ميلها/ميله الجنسي. بذلك، تكون الرقابة الأمنية على الحريات الشخصية متجاوزة للشرطة والقضاء. فكل مقيم/ة في الدولة بإمكانهن/م الإرشاد عن مجتمعات الميم-عين. من جهة أخرى، لا يوجد حماية قانونية للأفراد الكوير من الاستهداف. يزداد الأمر سوءً عندما تقوم الدولة، و”السياسيون/ات”، بتمكين صناع المحتوى والجماعات الدينية والميليشيات المسلحة من ممارسة العنف والتحريض.
الميم-عين في مواجهة تحريض سياسي وديني
تظل الرغبة في هيمنة سياسية واقتصادية دافعًا لاستخدام قوانين الفسق والفجور، والتحريض المجتمعي ضد الكويريات/ين. وذلك لتثبيت أقدام الأنظمة السياسية الأبوية محليًا، لسببين. أولهما: ضمان ولاء الأغلبية الأصولية، التي يتم تغييبها عمدًا وانتهاك حقوقها الأساسية. وثانيهما: ضمان سيطرة سياسية على الحياة الشخصية، ومن ثمَ الحياة العامة.
فالاعتراف بوجود هويات جندرية وميول جنسية غير نمطية يتطلب تقنينها. وهو ما سيتسبب في «أزمة هوية» لبلدان استمرت عقودٍ طويلة في بناء هوية “الشرق المسلم المحافظ” مقابل “الغرب الكافر المنفلت”. وهذه الأزمة الهوياتية ستتسبب بدورها في وجود غضب عارم ضد الحكومات والساسة من شعوب تم تلقينها واقناعها أنها شعوب متدينة مختارة وذات “أخلاق” غير موجودة في العالم بأكمله.
من خلال وهم التفوق الأخلاقي والديني الذي تتاجر به الأنظمة السياسية الفاسدة في المنطقة، يتم تغييب الشعوب عن حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. في نفس الوقت، يتم استخدام الميم-عين “كبش فداء” في هذه المعادلة.
من رحم خطاب التغريب، يروي خالد عبد الهادي رئيس تحرير “ماي كالي” كيف ادعت ديمة طهبوب، مرشحة برلمانية، في حملتها أنها السبب وراء حجب المجلة، محاولةً كسب أصوات انتخابية. “وقتها تعرضت لملاحقات أمنية واستجوابات وتضييق على حرية حركتي، خصوصًا في المطار”.
في لبنان، كان عام 2023 مليئًا بالتحريض ضد الميم-عين، وأبرزها تصريحات الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله. خلال المجلس العاشورائي في تموز/يوليو، حرّض نصر الله ضد الميم-عين بالقتل. “أما اللوّاط فمن المرة الأولى يُقتل”.
بعد شهرٍ من التحريض، شنّت جماعة مسيحية متطرفة، “جنود الربّ“، هجومًا على مقهى “أوم بار” بالعاصمة بيروت، بذريعة الاعتقاد أن هناك مثليات/ين بالداخل. تسبب الهجوم في ليلة مرعبة لرواد المقهى وللأفراد الكوير في لبنان، بين إصابات وحصار وصدمات نفسية عنيفة.
في تصريحٍ خاص لـ”شريكة ولكن”، تروي إحدى مالكات “أوم بار” عن ليلة الهجوم. “لم نؤذِ أحدًا. نؤمن بحرية التعبير ويأتي أشخاص من كل الأجناس والأنواع والألوان ليستمتعوا بالموسيقى والعروض. ليلة الهجوم أغلقنا الباب علينا من الخوف. اعتدوا جسديًا بالضرب على أشخاص كن/كانوا في المنطقة المفتوحة من المقهى. كنت بالخارج وأحاول استخدام هاتفي، ليس للتصوير طبعًا «ماني مجنونة!». فوجئت بأحدهم يضربني وطار هاتفي من يدي، بينما حاول آخر الاعتداء عليّ بلوحٍ خشبي. «ليش كل هالعنف باسم الدين؟ أنا كتير بخاف. وصريخن فينا رعبنا. الطريقة يلي كانوا بيصرخوا فيها، لا تقولي غير رايحين يحرروا القدس!»”.
بعد شهرٍ من الهجوم، وشهرين من تحريض نصر الله، استضاف وزير الإعلام اللبناني، زياد مكاري، اجتماعًا من مجموعة مدنية تُدعى “إعلاميون/ات ضد الشذوذ الجنسي“، لتأكيد رفضه للمثلية الجنسية وضرورة وجود حملات توعية “ضدها”.
تستكمل إحدى مالكات “أوم بار” حديثها حول خسائر مالية نتجت عن الهجوم. وتُعزيها إلى احتمال خوف الأفراد من التواجد بالمقهى، خصوصًا في الأيام التي تلت الهجوم وانتشار “وصمة” أن المقهى مخصص للمثليات/ين. «بدأ يجي ناس مش من الزباين تبعونا، بس ليدعمونا حتي ما نسكّر. لليوم ما رجعنا متل ما كنا”.
خلال الهجمات ضد الميم-عين، لا يغيب الإنترنت عن المشهد. فالجميع يريد “نقطة” على حساب الأفراد غير المنصاعات/ين للمعيارية الغيرية.
يستكمل سيف علي، مؤسس منصة “كالا عراق” حديثه عن الاستهداف. “بعض صناع المحتوى، المدعومين من الحكومات المحلية، والحكومة المركزية، أقاموا جلسات وندوات مع شخصيات سياسية وعسكرية ودينية عراقية حول مجتمع الميم-عين. كانوا يعرضون صورًا من “كالا” أثناء الجلسات. تعرضت لتضييقات أمنية وتهديدات من مليشيات عراقية تستهدف مجتمع الميم-عين بالتصفيات الجسدية والاغتيال”.
تستهدف الميليشيات المسلحة في العراق أفراد الميم-عين، خصوصًا العابرات/اين والمؤثرات/ين على الإنترنت، بالقتل المباشر والعلني. وثقت “كالا عراق” عدة قضايا قتل عمد بناءً على اعتقاد باختلاف الهوية الاجتماعية والميل الجنسي. من بينهن/م العابرة “جوجو” التي قُتلت في محبسها في ظروفٍ غامضة لم يكشف عنها الأمن العراقي.
في عام 2009، بحثت “هيومن رايتس ووتش” الميليشيات المسلحة التي تستهدف الميم-عين بالعراق. حيث وثقت جرائم قتل وتعذيب مارستها ميليشات منها جيش الصدر. وأرجعت المنظمة ذلك إلى محاولات كسب شعبوية أصولية، بجانب رهاب المثلية والعبور. بدأت الميليشيات استهدافها الممنهج للميم-عين في أعقاب حرب العراق، واستخدم البعض وجود الجيش الأميركي ذريعة لتأصيل خطاب التغريب، واتهام الأشخاص باتباع أجندات “غربية” لا تشبه المجتمع الإسلامي بطوائفه المختلفة.
الاستهداف الرقمي.. ممارسة فردية أم جماعية؟
يلعب الإنترنت دورًا هامًا في نشر خطابات الكراهية، تحديدًا في حالات الذعر الجماعي الناتجة عن تحريض سياسي وإعلامي وديني ضد الميم-عين. فالهدف هو تجييش الأفراد وإثارة شعورهن/م بالتهديد، جراء وجود أخريات/آخرين خارج تصنيف المعيارية الغيرية.
يتعرض الأفراد الكوير إلى حملات عنف رقمي مستمرة، أحيانًا بشكل مستثار عمدًا لأهداف سياسية، وأحيانًا لأن مستخدمي/ات الإنترنت يقومن/ون بالابتزاز الرقمي والتهديد والمطاردة للأفراد الكوير، “تطوعًا واسهامًا” في حماية الأخلاق والمجتمع.
في مناخ سياسي واجتماعي متشبع برهاب المثلية والعبور، لا يمكننا قراءة هذا “التطوع” بمعزلٍ عن قانون يجرّم الحريات الشخصية، ومجتمعات تصمها وتستهدفها بالعنف والقتل بناءً على النوع الاجتماعي والميل الجنسي. يعتمد المتنمرون/ات على هذه العوامل التي تدفع الميم-عين للاختباء وعدم الإبلاغ، تجنبًا لقلب الموازين وتحويلهن/م إلى متهمات/ين.
في هذا الصدد، يمتد العنف الرقمي إلى الحياة الفعلية للأشخاص، كما يذكُر خالد عبد الهادي رئيس تحرير “ماي كالي”. “بعد وثائقي شاركت به مع هيئة الإذاعة البريطانية، تلقيتُ تهديدات بالعنف وتحرش جنسي ووعيد بالقتل. «بنعرف وين ساكن. بشوفه بهالمنطقة. بشوفه بالشارع»”.
يشارك سيف علي مؤسس “كالا عراق” ما تعرّض له خالد أيضًا. ” تمت مطاردتي ونشر معلوماتي الشخصية على الإنترنت. لم يصلوا إلى مكاني لأنني اتخذت احتياطات رقمية منعت تحوّل هذا العنف إلى قتل، كما حدث مع العشرات بالعراق”.
بينما يُمارس البعض عنفًا رقميًا، استخدم البعض الآخر الإنترنت للتضامن مع مجتمعات وأفراد الميم-عين. ورغم اضطرار سيف علي مغادرة العراق للأبد، والمغادرة المتقطعة من الأردن بعد كل هجمة ضد خالد عبد الهادي، مازلنا نرفع الأصوات ضد القمع القانوني والتحريض السياسي والديني. مع كل مرة يتأثر نشاط منصة داعمة للحقوق الفردية والجنسانية، يظهر التضامن رغم الخوف والأذى.