السوري فوبيا!
عن الغربة المضاعفة للاجئات/ين السوريات/ين في تركيا
المنزل هنا في تركيا واسع، ثلاث غرفٍ وصالون بحجم غرفتين، لكنه لا يتسع لنا بالرغم من أننا عائلة صغيرة. أنا وزوجي وطفلين أكبرهما عمره 5 سنوات ونصف، على عكس منزلي في دمشق الذي كان صغيرًا، وكانت عائلتي كبيرة ، متألفة من 6 أخوة/ أخوات وأبي وأمي، إلا أنه كان شرِحًا ومليئًا بالحب والأمان.
منذ أن قدمت إلى هنا، وتنقلت بين العديد من الولايات والمنازل، لم أشعر ولو لمرة واحدة بأنني في منزلي. كنت كلما شعرت أنني يجب أن أوطد العلاقة بيني وبين هذه الجدران، كأن أهتم بلونها أو أعلق عليها لوحة جميلة أو صورة عائلية، سرعان ما يحدث موقفٌ عنصريٌّ يدفعني للتراجع.
لم أشعر بالاستقرار منذ أربعة عشر عامًا، مرت تلك السنوات طويلةً لدرجة الزهد بالحياة أحيانًا، وقاسيةً لدرجة الرغبة بالاكتفاء منها أحيانا أخرى. وددت لو أنني قادرة على ترتيب حياتي كما أشتهي، ولكن لا يمكن أن أفعل ذلك فأنا سورية!
لا يمكن أن يأتي الاستقرار عفويًّا داخليّ المنشأ، لا بد له أن يتأثر بالبيئة المحيطة والمجتمع المضيف، وأهالي هذا البلد ينظرن/ون لحياتنا كلاجئات/ين بنظراتٍ سهلة. نستيقظ صباحًا نشرب فنجان قهوتنا نرتدي ملابس أنيقة ومن ثم نخرج للعمل أو نذهب إلى صرافات البنوك ونسحب أموالهم ونصرفها في المقاهي وشرب الأركيلة. “واو والله حياة سهلة” هكذا هم يعتقدون.. هل من السهل أن تكون لاجئًا/ة؟
عندما دخلت إلى تركيا كان عمري حينها أربعة وعشرين عامًا والآن عمري 34. هل تعرفون كيف مرت هذه السنوات؟
مررتُ بمحاولاتٍ كثيرة للبدء من جديد، عمل جديد وبيت جديد وجيران جدد وأصدقاء جدد. هذا يسافر، وتلك ترحّلت قسريًّا، وجارنا السوري الذي طرد من منزله لأنه رفض تزويج ابنته لابن صاحب منزله التركي! إذا بدأت برواية القصص صدقوني لن أنتهي فهي كثيرة جدًّا لا تسعها الآلاف من المقالات.
لا مأمن من العنصرية
بالأمس أرسلت لي جارتي في البناء رسالة “بهدلة” أخبرتني بها أنني غير مرحب بي كسورية في هذا البلد.
لا أستطيع أن أكتب مفاد هذه الرسالة، ولكنها جاءت كصدمة، لأنها أتت من الجارة اللطيفة التي كانت تحضنني كلما رأتني وتبتسم بوجهي وتلاعب أطفالي وتحضر لهم الهدايا. فإذا كنت غير قادرة على الثقة بتلك المرأة صاحبة الابتسامة الدائمة فبمن يجب أن أثق في هذا المكان.
كنت أقول لنفسي أنني أقطن بحيٍّ سكانه لطفاء لا يخافون/يخفن من الأجانب، ولا يصدقن/ون ما يتداوله السياسيون حول الأزمات التي خلقها اللاجئات/ون في هذا البلد. كنت أظن أنني في مأمن من الهجمات العنصرية، ولكنني خائفة من النظر بوجوهم/ن وأرى عكس ما ظننت!
اليوم مثلا خرجت من المنزل ورأيت الجارة التي تسكن في المنزل المقابل، حاولت أن أتواصل معها بصريًّا ولكنني أبعدت نظري بعد الثانية الثالثة، لأنه في الحقيقة كان وجهها جامدًا باردًا من دون أي انفعالات. لم تكن ترمقني بنظرةٍ عنصرية ولكنها أيضًا لم يبد أنها ترغب بوجودي في هذه الحارة.
ليست المرة الأولى التي نعيش فيها هذه المشاعر المرعبة من الخوف والترقب من التعرض للأذى من قبل بعض العنصريين/ات الغاضبين/ات.
View this post on Instagram
تكاد لا تمر سنة من دون أن نشهد مقتل مواطن سوري لأنه فقط سوري. فكم من حالات اعتداءات جسدية وجنسية من قبل مواطني هذه البلد على السوريين/ات رجالاً ونساء وأطفالاً، وكم من حالات نصب واحتيالات، وأرزاق دمرت ونهبت وحرقت، وتعقيدات قانونية لجعلنا عاجزين/ات.
نحن عاجزون/ات لدرجة أننا نبحث بين وجوه الأتراك في الشوارع والمواصلات والمحال التجارية والمستشفيات عن رد لطيف، عن ابتسامة عابرة حتى نشعر أننا بأمان. وأننا سنجد من يدافع عنا إذا خرج عنصري يحمل سكينا وحاول أن يطعننا غدراً أو يضربنا بيده أو بلسانه.
زميلتي جاءت البارحة إلى المكتب تبكي، سألتها ماذا حدث لك؟ قالت لي أن طبيب قطتها التركي قال لها “إلى اللقاء”، لم تتوقع أن تسمع كلمات جميلة بعد كل هذا الكم من العنف الناتج عن الهجمات العنصرية التي شهدناها في اليومين الماضيين!
النساء والعنصرية!
كنساء سوريات متواجدات في منطقة واحدة أسسنا مجموعات تواصل عبر الواتساب، نتناقل من خلالها الأخبار ونتبادل المعلومات ونقدم المساعدة والدعم. كما أننا نقوم كل فترة بتنظيم النشاطات الترفيهية. واستطعنا خلق أجواء سورية تعبر عن ثقافتنا وتلبي آمالنا في هذه البلاد الموحشة، إلا أننا في الفترة الأخيرة لم نتحدث إلا عن العنصرية وتأثيراتها على حياتنا كنساء سوريات.
View this post on Instagram
صديقتي رهام، إحدى عضوات المجموعة، واجهت عنصرية من قبل مديرة روضة طفلتها. قالت لي “كيف بدي أطمن على بنتي إذا المعلمة كاتبة على حساباتها عالسوشيال ميديا سوريلي ديفولار يعني انقلعوا من هنا يا سوريين/ات”.
إضافة للمواقف التي نتعرض لها في مراكز تسوق الأغذية، فالبعض لم يقبل باعة تلك المحلات بيعهن/م لأنهن/م سوريات/ين فقط. وفي إحدى القصص في أحد المراكز في عنتاب تعرضت امرأة سورية للضرب الشديد من قبل نساء تركيات وأطفالهن.
وربما جميعكم/ن شاهد مقطع الفيديو لامرأتين تركيتين قامتا برمي الحجارة على واجهة إحدى المحال التجارية السورية في ولاية قيصري وتحطيمها.
لا يمكنني أن أذكر الكثير من التفاصيل حرصًا على سلامتنا كسوريات هنا، حيث أصبح/ت من ي/تنتقد العنصرية مستهدفاً/ة من قبل مجموعات عنصرية لديها القدرة على إحداث ضرر كبير بحياة كل سوري ينتقد الأحداث الأخيرة.
في كل هجمة عنصرية نندم على البقاء هنا، ونبدأ بالبحث عن ملجأ ووجهة جديدة وأي مكان قد يستقبلنا في هذا العالم القبيح. نفكر بالخروج خارج كوكب الأرض لأن هذه البلاد جعلت كل أحلامنا هباء منثورا، واستهزأت بمحاولاتنا على الصمود، جعلت أكبر أمنياتنا أن نخرج من المنزل ونعود له سالمين من موقف أو هجوم عنصري، وفي الحقيقة يبدو أننا نعيش في مرحلة السوري فوبيا!
كتابة: آلاء محمد