فرانس 24: ذخيرة فرنسية استخدمت لقمع المتظاهرات/ين في إيران
نشر موقع فرنسا 24 ضمن برنامج “مراسلون” تحقيقًا يثبت استخدام النظام الإيراني ذخيرة فرنسية في قمع الثورة التي اندلعت عقب مقتل الشابهة مهسا أميني على يد “شرطة الأخلاق”.
واستند التحقيق إلى تحليل عشرات الصور التي تعود إلى ضحيات وضحايا الهجوم القمعي، وشهادات لعناصر من
داخل النظام نفسه. إضافة إلى صور لل “خراطيش” التي استعملت لإيذاء المتظاهرات/ين، قال محررو/ات التحقيق
أنها وصلتهم/ن خلال العام 2022.
ذخيرة فرنسية بيد النظام الإيراني لقمع الثورة
من خلال تحليل مقاطع الفيديو التي تم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لاحظ فريق التحرير أن قوات الأمن
استخدمت بنادق معبأة بالخراطيش التي كانت مليئة بكرات نحاسية أو بلاستيكية بأحجام مختلفة والتي تتفرق عند إطلاقها من البنادق.
كما لاحظ الفريق على عشرات الصور التي جمعها لضحايا الهجمات أن عددا كبيرا أصيبوا بمئات الكرات النحاسية وفقد آخرون البصر بعين واحدة أو بكلتيهما.
واعتمد على شهادة عضو في قوات “الباسيج”، وهي ميليشا تتبع للنظام وساهمت في قمع المظاهرات، لتحديد
السبب الرئيسي للإصابات الظاهرة في الصور. ومما جاء في شهادته ” يستهدف أعضاء الفرقة التي أنتمي إليها
الناس في الصدر أو في الرأس بنية قتلهم. عندما يتم إطلاق خراطيش كرات النحاس الصلب، فإن الهدف يصاب
بجروح بالغة. إذا ما أصابت شخصا ما، يمكن أن تتسبب في العمى أو الشلل. وإذا ما تم إطلاقها من مسافة قريبة، فقد تسبب الموت”.
وتظهر الشهادات والصور الاستخدام المكثف لذخائر الصيد لقمع المتظاهرين/ات. وحسب إيمريك إلوين، المكلف
بالدعاوى المتعلقة بالأسلحة في منظمة العفو الدولية فإن “هذا النوع من الذخائر القاتلة لا يجب البتة استخدامها
ضد المتظاهرين. وفي بعض الحالات، فإن اللجوء إلى القوة يمكن أن يعتبر بمثابة تعذيب يحرمه القانون الدولي”.
وبما أنه من المستحيل العثور على تراخيص للذهاب لتغطية هذه الأحداث في إيران، أطلق فريق التحرير طلباً
لتلقي شهادات عبر وسائل التواصل الاجتماعي في شهر تشرين الأول/ أكتوبر لتوثيق عمليات القمع.
ودعا منشور فريق التحرير على منصة إكس (تويتر سابقا) الإيرانيين/ات إلى إرسال رسالة مشفرة تحتوي على
صور الذخائر التي استخدمتها قوات الأمن الإيراني.
ومن بين هذا الصور، شد بعضها انتباه فريق تحرير مراقبون إذ أنها تحمل شعار شركة “شيديت” الفرنسية –
الإيطالية لتصنيع الذخائر. وعلى خراطيش أخرى نرى أربع نجوم متبوعة باثني عشر رقما (عيار الخرطوش)، وهو
شعار آخر تستخدمه شركة شيديت.
صمت مطبق في شركة شيديت
وتعد شركة “شيديت” من بين أهم منتجي خراطيش بنادق الصيد في العالم. وتعد الشركة فرعا لمجموعة
“سوفيسبورت” الفرنسية. ويتم تصنيع الخراطيش التي تحمل شعار “شيديت” في مدينة بورغ لي فالروس في
فرنسا وفي مصنع يقع بالقرب من مدينة ليفورنو الإيطالية.
منذ أولى اكتشافاتنا لاستخدام هذه الخراطيش لقمع المظاهرات في إيران في خريف 2022، حاول فريق التحرير
التواصل مع المسؤولين في شركتي “شيديت” و”سوفيسبورت” خصوصا مدير المجموعة الصناعية جيل روكيا.
إلا أن طلباتنا عبر البريد الإلكتروني وعبر الهاتف وحتى إرسال أحد الصحافيين إلى مكتب استقبال المجموعة في باريس قوبلت كلها بالرفض.
ومن خلال الاتصال مع مقر “شيديت إس إر إل” وهي الفرع الإيطالي للمجموعة، تمكنا من التحدث مع أحد المديرين وهو أندريا أندرياني الذي قال لنا بشيء من الإحراج أنه لا يريد التحدث مع الصحافيين.
وكانت الصحافة الإيطالية قد كشف في سنة 2021 أن خراطيش صنعها الفرع الإيطالي لشركة شيديت تم جمعها
من قبل المتظاهرين في بورما التي تقع تحت طائلة عقوبات دولية والتي فرض عليها حظر تصدير الأسلحة. كما أن
منظمة العفو الدولية أشارت بأصابع الاتهام إلى الشركة في عملية خرق محتملة لحظر تصدير الأسلحة إلى بورما.
ونجهل إلى حد الآن ما إذا كانت خراطيش شركة “شيديت” قد تسببت في سقوط قتلى في إيران. في المقابل،
تمكنا من التأكد بشكل تام بأنها استخدمت بالفعل في قمع المظاهرات في إيران خلال سنة 2022.
ومنذ سنة 2022، يمنع الاتحاد الأوروبي “التصدير المباشر أو غير المباشر لمعدات يمكن أن تستخدم في قمع داخلي” في إيران وبالخصوص منها “البنادق النارية والذخائر والمعدات الملحقة”.
وبالنسبة إلى إيمريك إيلوين من منظمة العفو الدولية، فإن اكتشاف وجود خراطيش شركة شيديت على التراب الإيراني يمثل إذا “مسألة محرجة وخطيرة”.
خراطيش تلقى إقبالًا واسعًا من الصيادين في إيران
وتستخدم هذه الخراطيش في الأصل للصيد، وحاورنا صيادا إيرانيا أكد لفريق التحرير بأن خراطيش شركة شيديت متاحة على نطاق واسع في إيران بعد فرض العقوبات على الجمهورية الإسلامية.
في إيران، يخضع بيع الأسلحة والذخائر لتراخيص من السلطات. وتحتكر الدولة بيع الخراطيش والحصص القصوى لكل شخص.
وتوجهنا إلى منتديات الصيد في إيران على الإنترنت، حيث تتم الإشارة إلى الشركة الفرنسية – الإيطالية.
ويظهر عدد كبير من الصور خراطيش تحمل شعار شركة “شيديت” على غلاف باسم “شاهين” مكتوبة على الغطاء البلاستيكي.
و”شاهين” هي علامة تجارية تابعة لشركة “شاهد شيرود ميليتاري إندستريز Shahid Shiroudi Military Industries، وهي شركة مملوكة للدولة في إيران تخضع لقوات من الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وشدت رسالة عبر المنتدى تعود لسنة 2019 انتباه فريق التحرير وتقول “خراطيش “شاهين” التي تحمل شعار شركة شيديت على غطائها المعدني جاءت من تركيا. وهي ذات جودة ممتازة”.
وبما أن شركة شيديت رفضت التعليق على طلبات الاستجواب التي طلبها فريق التحرير، حاولنا الحصول على
إجابات باستخدام “كاميرا خفية” في معرض الأسلحة المقام في فرنسا “يور ساتوري” حيث تملك شركة “نوبل
سبورت” التي تتبع نفس المجموعة الصناعية التي تنتمي إليها شركة “شيديت” جناحا في المعرض. في عين
المكان، تعرفنا إلى أحد المشرفين على شركة شيديت، بفضل البحوث التي قمنا بها، وقدمنا أنفسنا على أننا
صحافيون من قناة فرانس24. ويبدو أنه كان على علم بالتحقيق الذي كنا بصدد إجراءه ولامنا على رغبتنا في “صنع
الإثارة”.
وينفي الرجل أي اتهامات بخرق الحظر الأوروبي على تصدير الذخائر إلى إيران ويقول متهجما “يجب أن تكون على
قدر صغير من الذكاء حتى تفهم بأننا لسنا حمقى في كل الحالات. ألا يخطر ذلك في أذهانكم؟ إذا ما كنت سأبيع
(أسلحة) للكوريين (الشماليين) وأبيع أسلحة لإيران، وإضافة إلى ذلك أضع شعار شركتي (على الخراطيش)، إذا ما
كنا سنفعل ذلك سنخفي (شعارنا)”.
في المقابل، يؤكد لنا هذا المسؤول في شركة شيديت بأن شركة تركية اشترت أغلفة فارغة لخراطيش شركة
شيديت ومن ثم قامت بتعبئتها، ومن ثم قامت بتصديرها إلى إيران. ويقول هذا المسؤول الرفيع في شركة شيديت
ساخرا: “يمكن أن تقولوا بأن الأمر يتعلق بتركيا، إلا أن كل دول العالم يلجؤون إلى تركيا على المستوى العسكري،
بما في ذلك الروس والأمريكان. الأتراك هم جزء من حلف شمال الأطلسي “الناتو” ماذا أفعل إذا، هل أتوقف عن
القيام بعمليات تصدير إلى تركيا وأطرد 350 عاملًا من وظائفهم”.؟
وبفضل الصور التي التقطها الصيادون الإيرانيون ونشروها على الإنترنت، يمكن لنا إثبات أن الشريك التجاري لصمنع
“شيديت” شركة الأسلحة “يافاس كالار”.
وتظهر هذه الصور التي نشرت لمنتدى على الإنترنت لصيادين إيرانيين خلال سنة 2020 خراطيش بنادق صيد
تحمل شعار شركة شيديت على قاعدتها المعدنية وشعار مصنع الذخائر التركي “يافاس كالار” على غلافها البلاستيكي.
عقوبات تشمل بيع الذخائر والأسلحة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة
على الرغم من ذلك، فإن العقوبات الأوروبية المفروضة على إيران تشمل بيع (الأسلحة والذخائر) بطريقة مباشرة أو غير مباشرة
“عقوبات الاتحاد الأوروبي (على إيران) واسعة جدا. ولا تقف عند حد البيع المباشر للذخائر” وفق توضيح نيكولاس
مارش الباحث في معهد البحوث حول السلام ويوجد مقره في العاصمة النرويجية أوسلو. وحسب هذا الباحث فإن
ذلك يمثل “طريقة رائجة للالتفاف على عقوبات الاتحاد الأوروبي وتتمثل في إرسال أسلحة ومعدات أخرى إلى بلد
ثالث. ومن ثم يتم نقلها إلى البلاد المعني بالعقوبات. ولا يوجد بالتالي تصدير مباشر إلى البلد المعني بالعقوبات،
إلا أن كل الأطراف على علم بمصدر الأسلحة”.
وينفي المسؤول الرفيع في شركة شيديت الذي التقاه صحافيو فرانس24 خلال معرض الأسلحة في فرنسا أي
خرق للحظر الأوروبي أو التشريعات الموضوعة في هذا الإطار. إلا أن تصرف شركته يبقى محل تساؤل وفق
المسؤول في منظمة العفو الدولية إيمريك إيلوين الذي يضيف: “يمكن لنا أن نتساءل على حقيقة نوايا الشركات
عندما تدافع عن نفسها قائلة: أوه، لم نكن نعلم ما الذي حدث”.
في سنة 2018، تمت عملية بيع شركة “يافاس كالار” التركية. ويشتبه في أن مسؤوليها كانوا ضالعين في محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في سنة 2016 ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وبعد أن تم نفيهم إلى الولايات المتحدة، قاموا بإنشاء شركة جديدة هناك أطلق عليها اسم “يافاس كالار تروي هولدنغ Yavascalar Troy Holding” وواصلوا تعاونهم مع شركة شيديت، وفق وثائق التصدير العائدة للشركة والتي تحصل عليها فريق التحرير.
وفي تركيا، اشترت شركة “زد إس إر” شركة “يافاس كالار” وتواصل عمليات التزود من عند شركة “شيديت” وفق تأكيد ممثل هذه الأخيرة في معرض الأسلحة “يورو ساتوري” في باريس
ووفق ما توصل إليها تحقيقنا، فإن المنتجات التي تحمل شعار زد إس إر/ شيديت مازالت متوفرة في إيران إلى حد الآن.
وأين فرنسا من كل ذلك؟
ومنذ اكتشاف وجود خراطيش بنادق الصيد التي تصنعها شركة “شيديت” في إيران، قمنا بالتواصل مع وزارة
الخارجية الفرنسية. وفي الحقيقة، فإن تراخيص تصدير الأسلحة والذخائر تصدر عن الدولة الفرنسية. وقال لنا
متحدث رسمي في شهر كانون الأول ديسمبر 2022 بأن التحقيقات جارية في الموضوع بشأن “عملية تحويل محتملة لعتاد أرسل إلى وجهة مختلفة، في انتهاك للقواعد الأوروبية”.
وخلال التحقيق الذي أجراه فريق التحرير، قمنا بالتواصل مع مختلف الوزارات المعنية بدءا بوزارة الخارجية مرورا
بوزارة الدفاع والداخلية وصولا إلى وزارة الاقتصاد. ورفضت مختلف هذه الأطراف التواصل معنا. وكشف مصدر في وزارة الداخلية الفرنسية بأنه لا يمكن التحدث في مثل هذه “الملفات الحساسة جدا”.
وبعد محاولات حثيثة عديدة، أرسل لنا متحدث رسمي باسم وزارة الخارجية الفرنسية رسالة عبر البريد الإلكتروني قال فيه إن فرنسا “تلتزم بشكل تام بالعقوبات الأوروبية المفروضة في هذا المجال” من دون تقديم إجابات على التحقيقات الاستقصائية التي أجريت قبل عامين.
ويعلق إيمريك إيلوين من منظمة العفو الدولية قائلا “هذا ليس بالأمر المفاجئ بالنسبة لي، بصفة عامة، لا تتواصل الدولة الفرنسية في مواضيع تتعلق بخلل في مراقبة الصادرات الفرنسية (للأسلحة والذخائر)، سواء تعلق الأمر بعتاد حربي أو ببنادق نارية مدنية”.