ياسمين الخطيب وهدير عبد الرازق.. متى يتوقّف الإعلام المصري عن “تأديب النساء”؟
أثارت حلقة المذيعة المصرية ياسمين الخطيب في برنامجها “شاي بالياسمين” على قناة النهار جدلًا واسعًا منذ الأسبوع الماضي. إذ استضافت البلوغر المصرية هدير عبد الرازق والتي سبق وأن تم احتجازها واتهامها بمخالفة الآداب العامة والتحريض على الفسق خلال العام الجاري. وجاءت التهم على خلفية مقاطع مصوّرة نشرتها البلوغر على حسابها بمنصة تيك توك.
غضب عارم من الجمهور والنقابة
تسببت الحلقة في زوبعة أبوية وذكورية على منصات التواصل الاجتماعي. حيث استهجن مستخدمو/ات الإنترنت استضافة البرنامج للبلوغر هدير عبد الرازق، واعطائها “مساحة” للدفاع عن نفسها أمام الرأي العام.
انهالت التعليقات المسيئة على حساب المذيعة والقناة، فقامت إدارة مجموعة قنوات النهار بحذف الحلقة من منصاتها الرقمية. وتبعتها ببيان تؤكد فيه المجموعة على “تمسكها بالقيم والعادات، وهو النهج الذي تسير عليه منذ بدايتها”. كما أصدرت تعليماتها بفتح تحقيق في ملابسات إعداد وعرض الحلقة.
فيما أعلنت نقابة الإعلاميين/ات برئاسة نقيبها، الدكتور طارق سعدة، مساء الأحد، إصدار قرار بإيقاف ياسمين الخطيب واستدعائها للتحقيق. وذلك فيما وصفته النقابة بمخالفة “لميثاق الشرف الإعلامي ومدونة السلوك المهني”. هذا بالإضافة إلى ذِكر أنها ليست المخالفة الأولى للمذيعة. إذ تزعم النقابة أن الخطيب مارست العمل الإعلامي دون ترخيص سابقًا.
ياسمين الخطيب.. رد فعل غير متوقّع
من جهتها، نشرت ياسمين الخطيب اعتذارًا على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. أوضحت فيه أن غرض الحلقة كان تقديم “حالة”.
“لم يكن هدفنا كفريق برنامج إثارة الجدل، إنما كان هدفنا لفت النظر لظاهرة مرفوضة مجتمعياً -رغم رواجها- وهي نجومية فتيات التيك توك، المرتكزة على الابتذال والإثارة”.
واستطردت: “لم تُستضاف هدير عبد الرازق بصفتها نجمة، بل حالة كان الهدف من عرضها التأكيد على ندمها على أفعالها السابقة”.
لسببٍ ما، توقعنا أن تدافع ياسمين الخطيب عن حق البلوغر هدير عبد الرازق الدفاع عن نفسها، بعدما تمت الإساءة لها واتهامها بمخالفة الآداب العامة لمجرد أنها مارست حقها في الظهور على الإنترنت، شأنها شأن شابات كثيرات لم يفلتن من قبضة الأمن ومحاميو “قيم الأسرة والآداب العامة”.
يُضاف إلى ذلك قصة تسريب طليقها لفيديو جنسي أثناء التحقيق معها، فيُضاعف الهجوم عليها من الجميع وتظهر باكية وتحاول الانتحار. ذلك بعد أن “توسلت” للجمهور أن يرحمها وأسرتها من “الفضيحة”، في مقاطع بثتها على حساباتها فور إخلاء سبيلها على ذمة القضية.
سبب صدمتنا أن ياسمين الخطيب لم تدعم حق هدير عبد الرازق في الخصوصية، بل تواطأت مع الجميع وقفزت من المركب فورًا، هو أن ياسمين نفسها تعرضت لانتهاك خصوصيتها، غالبًا من نفس الجمهور.
فمنذ عدة أعوام، تصدّرت أخبار ياسمين الخطيب صفحات التواصل بعدما نشرت صورة لزوجها دون إظهار هويته ووجهه. وهو ما دفع أشخاصًا للبحث وراء الصورة والتوصّل لهوية الزوج واعتبار أن هذا “الاكتشاف” عار على ياسمين التي رغبت في إبقاء هويته مجهولة. بعدها، اضطرت الخطيب لإعلان هويته أمام الجميع.
أما عن “الابتذال والإثارة” اللذين ذكرتهما الخطيب في بيان اعتذارها عن الحلقة، فهي نفسها تم اتهامها بهما منذ ذاع صيتها على مواقع التواصل الاجتماعي. فقد اتهمها الجمهور باستغلال “جسدها وجمالها” من أجل الشهرة وممارسة مهنة الإعلام.
كما اتهمها ذات الجمهور بالضحالة “والغباء” مراتٍ عدة. وهي تهمة نمطية جاهزة يلقيها الذكوريون على النساء ليختزلوا انجازات هؤلاء النساء في أجسادهن ومظهرهن. وبذلك، يصبح أي نجاح تحققه امرأة “جميلة بالمعيار الأبوي” محض تشكيك في شخصيتها وخبرتها ومؤهلاتها.
هذه التنمطيات والتهم الأبوية ربما كانت لتجعل ياسمين الخطيب امرأة متعاطفة أكثر مع هدير عبد الرازق. لكن لأسباب مجهولة، وتعقيدات قد نجهلها، اختارت ياسمين الاصطفاف وراء نفس الحجج الذكورية التي طالتها منذ سنوات.
نحن أمام مثال حي على الاستدماج الذكوري في عقول النساء، وكيف يتم تجنيد النساء ضد بعضهن البعض، إما بالترهيب من ملاقاة نفس المصير – أي النبذ والوصم – أو الترغيب في قبول اجتماعي أكبر.
التأديب العام للنساء
يعتبر الترغيب في القبول الاجتماعي طُعم تبتلعه كثيرات، خصوصًا اللواتي تم الهجوم الأبوي عليهن سابقًا. فحتى يتم قبولها من الجموع الذكوري، عليها تقديم غيرها من النساء كبوش فداء للقيم الأصولية والمعايير الأبوية.
من هنا، نستطيع قراءة جملة المذيعة ياسمين الخطيب مرة أخرى بتريّث. حيث قالت: “لم تُستضاف هدير عبد الرازق بصفتها نجمة، بل حالة كان الهدف من عرضها التأكيد على ندمها على أفعالها السابقة”.
بنفس المبدأ الأبوي الذي أسندت ياسمين الخطيب رأسها إليه في الاعتذار، تم إيقافها عن العمل والتحقيق معها في اتهامها بمخالفة ميثاق الشرف ومدونة السلوك الإعلامي. فتكون المنظومة الأبوية قد رمت حجرًا واحدًا، وأصابت به امرأتين.
والسؤال الذي نطرحه الآن في ضوء ما أسماه نقيب الإعلام بـ”ميثاق الشرف الإعلامي ومدونة السلوك المهني”، هل تتواجد النساء في الإعلام – مذيعات أو ضيفات- ليتم تقديمهن عبرة لغيرهن من النساء؟
هذه هي الفكرة الكلاسيكية لتأديب النساء: كيلا تقوم امرأة بتشجيع غيرها على التمرد، يجب أن يتم عقابها علنيًا وجعلها “مثال سيء”. لكن ذلك غير كافٍ لإرضاء الغرور الأبوي الجماعي. على هذه المرأة “الاعتراف” أمام المجتمع بأكمله أنها “أخطأت وندمت”، إمعانًا في الذل والإهانة.
فمنذ سنوات، أُجبرَت الفنانة المصرية رانيا يوسف على الاعتذار العلني أمام الجمهور في برنامج استضافها فيه الإعلامي عمرو أديب. وكان سبب الاعتذار هو أن الجمهور “غضب” من رانيا يوسف لأنها ارتدت فستانًا اعتبروه “كاشفًا” أثناء حضورها مهرجان الجونة السينمائي. فتم تقديم بلاغ للنيابة العامة يتهمها بمخالفة الآداب ونشر الفسق، ويتم التنازل عن البلاغ بعد ظهورها في البرنامج واستتابتها على الملأ.
فيصبح بذلك القبول الاجتماعي، أو بالأحرى “إعادة القبول الاجتماعي” للنساء غير المنصاعات للقيم الأبوية، هو العملة التي يتم من خلالها كسرهن أمام غيرهن من النساء.
الهزلي في الأمر، هو أن عمرو أديب لم يتم إعلان الحرب عليه عندما استضاف رانيا يوسف. ولم يتم كذلك إعلان الحرب على أي قناة محلية أو دولية استضافت المخرج خالد يوسف “للدفاع عن نفسه” بعد قضية الفيديوهات الجنسية التي هرب منها وترك امرأتان خلف قضبان السجن وجلد المجتمع.
السبب البسيط جدًا والمباشر جدًا، هو أن ياسمين الخطيب امرأة. مهما كانت امتيازاتها، تتبدد هذه الامتيازات أمام امتيازات يتمتع بها رجال من نفس طبقتها ووضعها الاجتماعي.
متى تُدرك ياسمين أنها عندما قدّمت هدير عبد الرازق على مائدة الأبوية، كانت تقدّم نفسها معها؟
أما نحن، فنجد في دعم ومؤازرة النساء ملاذًا من البطش والعنف الأبوي. فكلما كنا متحدات أمام هذا التنكيل، كلما فتحنا أبوابًا أمام أنفسنا وغيرنا من النساء ليجدن عوالم تتسم بالعدل ولا تقوم على العنف ضدهن.