
عندما تصبح معاناة النساء مادة لـ”السكوبات”: إهانة جديدة للنساء على “الجديد”
في مشهدٍ متكرّرٍ على شاشة تغذّيها “السكوبات” وسباق “الريتش”، تعرضت مادلين غونزاليس، شقيقة ميليسا غونزاليس، الشابة اللبنانية التي تعرضت للتعنيف الشديد والتشويه الجسدي على يد المدعو طوني فلفلة المنتمي إلى تنظيم “جنود الرب”، إلى حملة من الإهانات العلنية والاتهامات المباشرة، خلال مشاركتها في برنامج على قناة “الجديد” مع الإعلامي زافين قيومجيان.
القضية التي يفترض أن تتم معالجتها بحساسية عالية نظرًا لطبيعتها الإنسانية، حوّلتها الجديد -كعادتها- إلى مادة لسباق “الرايتنغ” المتنكر بالدور “الاجتماعي”، عبر نمط الأسئلة المهينة، التي تتضمن الوصم الخفي، التلمحيات الحنسية، والمساس حياتها الشخصية.
لعنة “الريتش”.. مواجهة الضحية بالجلاد
منذ اللحظة الأولى، بدت النوايا مبيتة. بسؤال يشي بالتهكم، خاطب زافين مادلين قائلاً: “شو علّق اختك هيدي العلقة؟”، قبل أن ينتقل إلى الغوص في تفاصيل حياة ميليسا الخاصة بأسئلة تحمل في طياتها تلميحات مسيئة لحياتها الجنسية، مثل: “كان في رول بلاي؟”، و”انت واختك ما بتشبهو بعض أبدًا”، مشيرًا ببرود إلى التشوهات الجسدية التي تعرضت لها ميليسا، في محاولة لتغذية روايات نمطية تؤجج خطاب العنف والتمييز ضد النساء.
تجلّى في هذه الحلقة واحد من أخطر أنماط الممارسة الإعلامية المسيئة: مواجهة الناجية بالجلاد، في مشهد يمنح المعتدي مساحة لتبرير جرائمه، ويضع الضحية أو ذويها في موقع الدفاع عن النفس.
بدلاً من أن يتخذ الإعلام دور الداعم والحامي، تحول إلى محقق يتبنى أسئلة المجتمع الذكوري الجاهز دائمًا لإدانة النساء فقط لكونهن نساء. بهذا السلوك، عادةً ما يتحول الإعلام إلى شريك إضافي في عملية الانتهاك، وهذه ليست التجربة الأولى لقناة الجديد، وليست مجرد “زحطة” بل نمط متكرر. نهجٌ معتمد، لطالما شكّل بوابةً إضافية للمعتديين لتبرير اعتداءاتهم، عبر ترويج ذرائع تتناغم مع الذهنية الذكورية السائدة.
إذ تجاوزت الانتهاكات الإعلامية حد الحوار النمطي، إلى الانحدار المهني والإنساني. إذ تفاجأت مادلين، ومن دون أي علم مسبق، بدخول شقيق المعنِّف إلى الاستوديو أثناء البث المباشر، ليتهجم عليها بألفاظ بذيئة وسط صمت تام من زافين وفريق البرنامج.
View this post on Instagram
شقيقة الناجية: لم أكن أعلم بالمواجهة، والجديد تدّعي “فات فجأة”!
في شهادة خاصة لـ”شريكة ولكن”، أكدت مادلين أنها قبل الهواء، أبلغها فريق الإعداد فجأة عند وصولها إلى الاستديو أن هناك احتمالًا لحق الرد عبر الهاتف فقط، فوافقت حينها تحت ضغط الموقف، كونها حصلت على وعود بإيصال صوت شقيقتها وحمايتها، و”ثقةً بوعود زافين وفريق الإعداد”، على حدّ تعبيرها.
لكنها فوجئت بشقيق المعنِّف يدخل إلى الاستوديو خلال البث المباشر، ما يشي بأن الموقف متّفق عليه مسبقًا. فبكلّ بسهولة، ومن دون سابق إنذار، ومن دون أن تتعنّى القناة لإيقاف البث، دخل علي فلفلة، شقيق المجرم طوني فلفلة “فجأة” إلى الأستديو -كما ادعى الفريق- رغم وجود حراس أمن، ومع ذلك استمرّ البث!
والأدهى، أن الأخير كان مجهزًا بميكروفون، ما يثبت علم الإدارة وموافقتها المسبقة على مشاركته. وعند انتهاء الحلقة، واجهت مادلين الفريق بسؤالها عن كيفية دخوله وإهانتها بهذه الطريقة، فجاء الرد ببرود: “ما منعرف، فات فجأة”.
النساء لسن طعم لصيد “المشاهدات”
ليست هذه المرة الأولى التي تستخدم فيها قناة “الجديد” منصاتها لإهانة وتسليع النساء.
فقبل أسبوعين فقط، اعترضت ضيفة أخرى على العناوين المسيئة التي رافقت مقاطع من مقابلتها، ليأتي رد زافين بكل استهتار: “بتمرق، هيدي click bait”.
ولمن لا يعرف، الـclick bait” هو أسلوب إعلامي يقوم على استخدام عناوين مثيرة أو صادمة لجذب أكبر عدد من المشاهدات والزيارات، بغض النظر عن مصداقية المضمون أو احترام كرامة الأفراد. أي أنه عنون “طعم” يُستخدم كصنارة لصيد “المشاهدات”.
وفي قضايا النساء والناجيات خصوصًا، يصبح هذا الأسلوب بمثابة استغلال إضافي لمعاناتهن وتحويلها إلى مادة ترويجية تلهث وراء الأرقام والمشاهدات، بعيدًا عن أي حس إنساني أو مسؤولية مهنية.
إلى الإعلامي زافين، ومن خلفه قناة الجديد:
النساء وخصوصيتاهن وكرامتهن لسن bait -طعم- لبرامج تتسابق مع المجتمع الذكوري على إذلال النساء والتقليل من قيمتهن.
وفي السياق، قضية ميليسا غونزاليس ليست حالة فردية، بل تمثل نموذجًا متكرّرًا لواقع مرير تعيشه النساء في لبنان، حيث لا تزال الحماية غائبة، والعدالة انتقائية، والروابط السياسية والطائفية تعلو فوق القانون.
ميليسا ليست الناجية الوحيدة
يذكر أن ميليسا تعرضت لتعنيف وحشي، قبل أيام، على يد طوني فلفلة، أحد عناصر تنظيم “جنود الرب”، ما أدى إلى تشوهات جسدية خطيرة وحالة نفسية صعبة، دخلت على إثرها المستشفى.
واتّضح أن ميليسا لم تكن الناجية الوحيدة من جرائم طوني. إذ كشفت مادلين، شقيقة الناجية، خلال الحلقة أمس عن وجود 3 نساء أخريات على الأقل تعرّضن للعنف من قبل طوني فلفلة. وخلال الحلقة المذكورة عُرض تقرير لناجية أخرى تُدعى هدى، تعرّضت لسلسة من التعذيب الممنهج على يد المجرم نفسه، الذي قام أيضًا بقص الشعر وإطفاء السجائر بجسمها بهدف إذلالها.
وسبق أن كُشف عن احتجاز وتعنيف امرأة أخرى في نفس المنزل، مكان احتجاز وتعنيف ومحاولة قتل ميليسا، إلا أن الفتاة تتردد عن التصريح. ولأننا نحترم خصوصية الناجيات، نتحفظ عن ذكر اسمها لمحاولتها الابتعاد عن المشهد. ولكننا نؤكّد بأن ذلك ليس سوى تأكيد على التهديد الذي تعرضت وتتعرض له الناجيات، والرعب الذي بثّه المجرم بهنّ، لعلاقاته مع جهات نافذة.
إذ ما يفاقم الجريمة ليس فقط فعل العنف بحد ذاته، بل الغطاء الذي يحظى به الجناة حين يكونون جزءًا من مجموعات مسلّحة أو أحزاب سياسية، تساهم بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر في إفلاتهم من العقاب. هذه القضية تسلط الضوء مجددًا على تقاطع العنف الممنهج ضد النساء مع النفوذ السياسي، حيث تتحول الناجيات إلى متهمات، وتُفرض عليهن مواجهة مزدوجة: مع المعتدي ومع نظام يحميه.