
نساء الخليج الأصليات اللواتي يختار العالم ألا يراهن
في منطقة يُعرف عنها الثراء الهائل والتنمية السريعة، هناك حقيقة أكثر قتامة وأقل اعترافًا بها لا تزال قائمة: يتم الاتجار بنساء الخليج الأصليات.
مواطنات، فنانات، طالبات، كلهن يتم تجاهلهن بشكلٍ منهجي.
عقلٌ استعماريٌّ يضع معايير لـ “الضحية”
في دراسةٍ حديثة، تكشف الباحثة ريم المهندي كيف تواجه هؤلاء النساء أشكالًا من الاستغلال تبقى غير مرئية للمجتمع الدولي.
في قلب هذا التغييب يكمن عقلٌ استعماريٌّ يقرر من يُعتبر “ضحية” ومن لا يُرى كذلك. النساء الثريات، الأنيقات، الحاملات لجوازات السفر لا يُفترض أن يكنّ معرضات للخطر. لكنهن كذلك.
في الخليج، السيطرة ليست دائمًا عنيفة أو علنية. كثيرًا ما تتخذ شكلاً حميميًا ومؤسسيًا، متجذرًا في الثقافة والقانون — وأبرزها نظام الوصاية.
نظام الوصاية والتهميش المتعمّد
يُكلّف الآباء بـ”تأديب” بناتهم، وهو دور مدعوم بالقانون ومعزز من قبل الدولة وسياساتها المتعلقة بالهجرة. ومع تواطؤ المتاجرين بالبشر الذين يعيدون النساء قسرًا عند محاولتهن الهروب، تتفاقم دائرة الانتهاك.
غياب الاستقلالية، لا الجغرافيا، هو القاسم المشترك. ما يزيد الواقع هشاشة: قوانين الهجرة وتوقعات المجتمع.
هذا الاستغلال يبدأ من غياب الاستقلالية. عندما تحاول النساء الفرار من ظروفهن، يُعاد بعضهن قسرًا تحت ستار “الحماية”، أو يُستدرجن إلى الخارج بوعود زائفة بـ”الحرية”. في كلتا الحالتين، النتيجة واحدة: الاتجار بالبشر.
غياب الاستقلالية، لا الجغرافيا، هو القاسم المشترك. وتُعقّد هذه الهشاشة أكثر بفعل قوانين الهجرة وتوقعات المجتمع التي تعزز نظام الوصاية بدلاً من تفكيكه.
على سبيل المثال حالة قطر، حيث تُحرم بعض النساء من قبائل معينة من الجنسية الكاملة، ويُمنعن من الترشح للمناصب المنتخبة، ويُتركن دون حماية قانونية — ليس لارتكابهن جريمة، بل بسبب نوعهن الاجتماعي، أو طبقتهن، أو انتمائهن القبلي. في أنحاء الخليج، لا تُعامل القوانين جميع السكان الأصليين بالتساوي. فالبشرة الفاتحة تمنح امتيازات لا تحظى بها النساء السود. وحتى المواطنة الكاملة لا تحمي النساء الخليجيات من السود أو المثليات من التغييب. فماذا عن عديمات الجنسية إذًا؟
في حين يمنح النظام العالمي الحماية لبعض النساء، فإنه يهمّش أخريات بشكل نشط. لا تزال الأطر الدولية لمكافحة الاتجار تركز على البياض والفقر والمفاهيم الغربية لـ”الاستقلالية الأنثوية”، متجاهلة من يعانين من أنظمة الأبوية والعنصرية والاستعمار. النساء الخليجيات غير مشمولات بهذه الأطر. بل يُستبعدن منها عمدًا.
إيدن نايت ودانا القطرية.. غياب الاستقلالية والاستغلال
يتجلى هذا التغييب بشكل مؤلم في قصتي إيدن نايت ودانا.
إيدن، امرأة متحولة جنسيًا، أُجبرت على العودة إلى السعودية، حيث توفيت منتحرة. دانا، شابة قطرية، تم استدراجها منذ سن السادسة عشرة من قبل أحد أعضاء شبكة منظمة للاتجار بالبشر الذي كسب ثقة عائلتها تدريجيًا قبل أن يأخذها إلى الخارج. تكشف كلتا القصتين عن المشكلة الجذرية نفسها: غياب الاستقلالية.
View this post on Instagram
الاستدراج، أو ما يمكن تسميته بـ”التهيئة النفسية للاستغلال”، يبدأ بالثقة. بالعزلة العاطفية. بوعود الهروب. وفي حالة دانا، لم تلتقط مدرستها أو مجتمعها أي إشارة.
قصتها تُفنّد الاعتقاد بأن الاتجار يحدث فقط داخل العائلات. في الحقيقة، الخطر لا يكمن فقط في الإكراه الأبوي، بل أيضًا في كيفية استغلال أطراف خارجية لغياب الاستقلالية البنيوي. بعض النساء يعانين تحت نظام الوصاية داخل المنزل. وأخريات يتم استهدافهن من الخارج، خصوصًا عند محاولتهن السفر أو البحث عن الأمان. كلتاهن معرضتان للخطر.
الامتياز الظاهري: أن تكون/ي مرئي/ة لا يعني أنك في أمان.
والاستقلالية ليست مفهومًا غامضًا. فهي تشمل الوصول إلى خدمات الصحة النفسية، الرعاية الصحية الجنسية، والحق في تحديد شكل الأسرة.
في الخليج، قد تعني الاستقلالية القدرة على أن تتبنى امرأة عزباء أو مثلية طفلًا. قد تعني الوصول إلى الرعاية دون إذن عائلي. قد تعني الحق في البقاء، أو في الرحيل، دون التعرض للعقاب.
لكن في أنظمة تُخلط فيها “النهضة” بالفرص، يبدو الامتياز الظاهري ستارًا يخفي غياب الاختيار الحقيقي. أن تكون مرئيًا لا يعني أنك في أمان.
ما توضحه دراسة ريم المهندي هو أن نساء الخليج، حتى المواطنات، يتم الاتجار بهن من خلال قوانين الوصاية، والإعادات القسرية، والإقصاء السياسي. وهذه الممارسات لا تُرى ولا تُنتقد من قبل الأنظمة الدولية المصاغة من خلال عدسات استعمارية وعنصرية وأبوية.
السؤال لم يعد ببساطة: من يُعتبر ضحية؟ بل: من يُصدّق ألمه/ا؟ من يُعترف بمقاومته/أ؟ ومن يُمحى ألمه/ا من ذاكرة أنظمة الحقوق الدولية، ولمصلحة من؟
هذه دعوة من النسويات في الجنوب العالمي:
النساء لا يطلبن أن يُنقذن من الغرب. هنّ يطالبن بالحق في تعريف نضالهن، وبقائهن، وصمودهُن بشروطهن الخاصة.
للاطلاع على البحث الكامل -باللغة الإنكلييزية-، بإمكانكن/م زيارة الملف التالي: