في تونس: ندوة إقليمية حول تقتيل النساء وصمت الدولة

مساءلة للدولة وتوصية بخطة وطنية عاجلة

بين الحزن والغضب، اجتمعت يوم الأربعاء 14 أيار/مايو 2025، أصوات نسوية وحقوقية في العاصمة تونس ضمن ندوة إقليمية نظّمتها جمعية “أصوات نساء”، بمشاركة مبادرات من الأردن والمغرب، بهدف تسليط الضوء على جرائم تقتيل النساء وتبادل الخبرات حول آليات الرصد والمقاومة.

شكّل اللقاء منصة سياسية لتحليل أنماط العنف المسكوت عنها، وسياقاتها الاجتماعية والثقافية، في ظل غياب رؤية وطنية جادة وتواطؤ مؤسساتي واضح. وأجمعت المشاركات على أنّ النساء في تونس، المغرب والأردن أصبحن مستهدفات بشكلٍ مباشر بجرائم تقتيل تتطلب تغييرًا جذريًا في السياسات العامة، وتفعيل القوانين، وتطوير أنظمة الحماية.

إذ أظهرت الشهادات أن الوضع المأساوي الذي وصلت إليه النساء في الدول الثلاث ناتج عن التقصير في حمايتهن وعدم تقدير المخاطر وبطء الإجراءات وغياب التوعية وعدم المعالجة الجدية للأسباب الجذرية للعنف القائم على أساس النوع وعدم التطبيق الجدي للقوانين.

“تقاطعات” من الأدرن: أمن النساء من أمن الدولة

في تصريحٍ لموقع “شريكة ولكن”، شددت الناشطة الأردنية بنان أبو زين الدين، المديرة التنفيذية لمجموعة “تقاطعات” النسوية، على خطورة الظاهرة وضرورة “الاعتراف بجرائم قتل النساء كجرائم مستقلة عن باقي القوانين، وتشديد العقوبات الخاصة بها، والتعامل معها على أنها قضية أمن الدولة، لأن أمن النساء هو جزء لا يتجزأ من أمن الدولة”.

وأكدت أن “جرائم القتل لا تحدث فجأة، بل تسبقها حلقات عنف متكررة تعجز الأنظمة الحالية عن كسرها بسبب قصور آليات الحماية وضعف الاستجابة الجندرية”. واقعٌ غالبًا ما يتسبب في “إعاة النساء إلى حلقات العنف، رغم محاولات الهرب منها. بالإضافة إلى أسباب أخرى، منها الاجتماعية والاقتصادية”.

ولفتت إلى أنه “في الأردن، تُعد نسب جرائم قتل النساء من أعلى النسب. ولاحظنا، من خلال رصد بدأناه منذ عام 2013، ارتفاع هذه الظاهرة بشكلٍ مروّع، وانتقالها من الحيز الخاص إلى الحيز العام، كما ظهر في قضيتي آية وأحلام، اللتين تم التعامل معهما كمجرد جرائم عادية، رغم أنهما مثال صارخ على الواقع القائم”.

وعن انعدام كفاءة منظومة حماية النساء والفتيات، تشير إلى أنه في الأردن “تُعرف هذه المنظومة باسم منظومة حماية الأسرة، وغالبًا ما يُنظر إلى النساء فيها من منظور دورهن الاجتماعي، أكثر من اعتبارهن كأفراد لهن حقوق في الحماية. كما لا تؤخذ بعين الاعتبار الفوارق في واقع التهديد والخطر بين النساء والرجال”.

في المغرب: غياب الإحصائيات الرسمية

من جهتها، أوضحت الصحافية المغربية كاميليا شهاب أن المغرب “يفتقر لإحصاءات رسميةحول ظاهرة تقتيل النساء”، مشيرة إلى “تسجيل نحو 50 جريمة قتل نساء في 2023 وفق مصادر إعلامية، وليس رسمية”.

وأشارت في حديثها لـ”شريكة ولكن” إلى “غياب قوانين رادعة” في حين أن “قوانين حماية النساء الموجودة أثبتت عدم قدرتها على حمايتهن والحد من انتشار جرائم القتل التي تستهدفهن فقط كونهن نساء”.

مسؤولية الدولة والتقصير في الحماية

من ناحيتها، حمّلت منية قاري، أستاذة القانون الخاص، الدولة التونسية مسؤولية تنامي الظاهرة “بسبب غياب خطة وطنية واضحة، وانعدام الخطاب الرسمي المواجه للعنف، وسوء تطبيق القانون عدد 58”.

وأشارت إلى “غياب تقييم فعلي لمستوى الخطورة، وفشل الأجهزة الأمنية في الاستجابة الجدية لشكاوى النساء”. وأوضحت أنه “هناك ما يُعرف بـ ’سلم تقييم المخاطر’، وهو أداة أعدها المجتمع المدني لتقدير مدى التهديد الذي تتعرض له النساء. وقد أعدّت وزارة الداخلية بدورها سلمًا خاصًا لقياس المخاطر، إلا أن هذه المنهجية لا تُطبَّق ميدانيًا”.

وشددت على أن خطورة الظاهرة “تتجلى بوضوح في تجربة النساء عند توجههن إلى مراكز الشرطة لتقديم شكاوى، حيث يُقابلن غالبًا بتطبيع مع العنف. كأن يُطلب منهن العودة إلى منازلهن، أو يُمنعن من تسجيل الشكوى ومتابعة الإجراءات القانونية للدفاع عن أنفسهن”. واقعٌ ساهم في تفاقم العنف، ما يجعل النساء يعشن في دوامة مستمرة من الخطر، قد تصل في نهاية المطاف إلى القتل.

تقرير “أصوات نساء”: 26 جريمة قتل في تونس عام 2024

عرضت جمعية “أصوات نساء” تقريرها السنوي الذي سجّل 26 جريمة قتل بالإضافة إلى 1 محاولة قتل في تونس سنة 2024، راح ضحيتها 30 امرأة. 64% من هذه الجرائم ارتكبت في تونس الكبرى، وتحديدًا في العاصمة وأريانة. كما بيّن التقرير أن أغلب المجرمين كانوا من الشركاء الحميمين، ومعظمهم في العقدين الرابع والخامس من العمر.

وأفادت البيانات أن جرائم تقتيل النساء شملت 16 محافظة من الجمهورية التونسية، تركّزت النسبة الأكبر منها في محافظات تونس الكبرى، حيث تم تسجيل 16 جريمة بما يعادل 64%. وقد تصدرت تونس العاصمة قائمة المحافظات بأعلى عدد من الجرائم، مسجلةً 8 جرائم تليها محافظه أريانة التي سجلت 6 جرائم.

وبخصوص الفئات العمرية لمرتكبي الجرائم، فقد أوضح التقرير أن “الشريحة العمرية الأربعينية هي أكثر شريحة ارتكبت جرائم تقتيل النساء (وهي جرائم ارتكبت من قبل الشريك الحميم أو الزوج أو الطليق)”. حيث تشير البيانات إلى أن “5 جرائم ارتكبت من قبل الرجال في العقد الخامس، 9 جرائم من قبل الرجال في العقد الرابع، و3 جرائم من قبل رجال في العقد الخامس، وجريمة واحده من قبل رجل في العقد السادس”.

وفي ظل ارتفاع عدد هذه الجرائم، دقّت “أصوات النساء” ناقوس الخطر أمام عجز الدولة عن حماية نسائها. فـ”كل امرأة تُقتل لأنها امرأة، هي ضحية مجتمع اختار أن يبرر، أن يسكت، وأن يبرّئ القاتل”.

تقتيل النساء عالميًّا.. وجرائم الإبادة الجماعية

على المستوى الإقليمي، تشير معطيات هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى “ارتفاع معدلات قتل النساء بسبب العنف الأسري في بعض الدول مثل تونس، مصر، والمغرب”.

أما في فلسطين، فقد أُدرج تقتيل النساء ضمن جرائم الإبادة الجماعية خلال العدوان على غزة. إذ سجلت منظمة “أوكسفام” أن “حرب 7 أكتوبر 2023 أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 40 ألف شخص، غالبيتهم/ن من المدنيين/ات، من بينهم/ن 10,000 طفلـ/ة و7,000 امرأة”.

وعالميًّا، “نحو 140 امرأة يوميًا حول العالم، أي امرأة كل 10 دقائق”، بحسب التقارير الأممية.

وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى “مقتل نحو 89,000 امرأة وفتاة عمدًا في 2022”. كما “قُتلت، في 2023، 85,000 أمراه وفتاه عمدًا من جميع أنحاء العالم. وارتكب 60% من هذه الجرائم (51,000 أمرة أو فتاة) الشريك الحميم أو فرد آخر من العائلة”.

“جريمة لا تُسمّى” وتعريف ملتبس

خلال الندوة، طرحت المشاركات غياب تعريف قانوني موحد لمصطلح “تقتيل النساء”، رغم اعترافه بالعوامل الجندرية الكامنة وراء الجريمة وتبنّيه دوليًا، إذ أُدرج في قوانين بعض الدول على رأسها دول أمريكا اللاتينية.

يُتيح مصطلح “تقتيل النساء” الاعتراف بـ النوع الاجتماعي (الجندر) كعامل أساسي في تفسير دوافع القتل. وعادة ما تشير هذه العبارة إلى الجرائم العمدية التي تُرتكب ضد النساء لكونهن نساء، وهو ما يُعرف أيضًا بـ “القتل القائم على النوع الاجتماعي أو القتل على أساس الجندر”.

في مداخلتها، طرحت أستاذة القانون الخاص منية قاري إشكالية غياب تعريف موحد لهذه الظاهرة، معتبرةً أن “قتل نساء من قبل رجال لأنهن نساء، يجعل الجريمة سياسية بامتياز”. لافتةً إلى أن “النساء يواجهن صعوبات قانونية، مؤسساتية، وأمنية عند طلب المساعدة، ما يجعلهن في وضع هشّ يعرّضهن للقتل”. وأضافت: “نملك خطة وطنية واضحة. الدولة لا تستجيب بما يكفي. العنف يُدار بثقافة أبوية تطبّع معه”.

بينما ربطت الدكتورة في علم الاجتماع فتحية السعيدي “تنامي الظاهرة بالعنف الزوجي وبغياب تطبيق شامل للقانون عدد 58”. وأشارت إلى أن “جريمة تقتيل النساء غير معترف بها في المجلة الجزائية التونسية، حيث يتم التعامل معها كأي جريمة أخرى دون مراعاة خلفيتها الجندرية”.

من ناحيتها، أكدت أريج الجلاصي، المكلفة بملف العنف القائم على النوع الاجتماعي بجمعية “أصوات نساء”، “الحاجة إلى توفير رعاية نفسية للناجيات لمساعدتهن على التعافي، بالإضافة إلى التأهيل النفسي لمرتكبي العنف لمنع تكرار مثل هذه الممارسات العنفية”.

وبخصوص المتابعة الإعلامية لهذه القضايا، انتقدت الصحافية حنان زبيس “التقصير الإعلامي، أو التغطية الإعلامية السطحية لهذه القضايا وغياب المتابعة والتسمية”. منددةً بـ”نشر أخبار الجرائم دون ذكر اسم الضحية، كما لو أنها نكرة أو مجرد رقم. كما غالبًا ما نفتقر للمتابعات اللاحقة للجرائم”.

توصيات ومطالب عاجلة

شكّلت الندوة منصة لانتقاد الأداء الرسمي، حيث أجمعت الأصوات النسوية المشاركة على أن الدول المذكورة ولا سيما تونس ما تزال عاجزة عن توفير الحماية الفعالة للنساء. فالقوانين رغم وجودها تبقى غالبًا دون تطبيق، والمؤسسات المعنية بالحماية تفتقر إلى الموارد والتكوين.

وطالبت المشاركات بإصلاحٍ جذريٍّ للمنظومة القضائية والتعليمية والإعلامية، وتفعيل خطة وطنية شاملة لمحاربة العنف. كما دعت “أصوات نساء” إلى إنشاء هيئة داخل وزارة المرأة لتقييم فعالية السياسات، واعتماد مؤشر تقييم للمخاطر لدى القضاء والشرطة، وتنظيم حملات توعية وطنية تُشرك كل الهياكل المعنية.

كما شددن على ضرورة “تنظيم حملات توعوية وطنية بمشاركة الوزارات والهياكل المشمولة بالقانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بمكافحة العنف ضد المرأة”، فضلاً عن اعتماد “مؤشر تقييم للمخاطر من قبل الفرقة المختصة بقضاء العنف ضد المرأة وقاضي الأسرة”.

واختُتمت الندوة بدعوة إلى مقاربة نسوية شاملة لمناهضة قتل النساء، تنطلق من مساءلة السلطة والمجتمع، وتمر عبر إصلاح المنظومة القضائية، وتغيير البرامج التعليمية والإعلامية، ووصولًا إلى بناء وعي جماعي يرفض العنف بكل أشكاله.

 

كتابة: إخلاص حسني

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد