
كشوف العذرية في مصر.. أداة لترهيب الناجيات وإفلات المتحرشين
استنكرت مؤسسة المرأة الجديد، وهي مؤسسة نسوية في مصر، التهديد الذي تعرضت له إحدى الفتيات المجني عليهن من حادثة تحرش ومطاردة ثلاث رجال لهن على إحدى الطرق السريعة بمحافظة الجيزة، بعد أن تقدمت محامية المتهمين بطلب إلى المحكمة بإجراء كشف عذرية عليها إن لم تتنازل عن القضية.
تعود الواقعة لـ13 آب/ أغسطس الماضي، عندما قام ثلاث رجال عبر ثلاث سيارات متفرقة، بمطاردة سيارة تقودها فتاة وبصحبتها صديقاتها على طريق الواحات بمدينة 6 أكتوبر، والتحرش لفظيًا بالمجني عليهن، ما أسفر عن اصطدامها بسيارة نقل، والتسبب في إصابتهما.
وقررت جهات التحقيق تأجيل ثاني جلسات محاكمة المتهمين في واقعة مطاردة الفتيات، لجلسة 8 سبتمبر/ أيلول الجاري للحكم مع استمرار حبسهم.
في بيانها، أكدت مؤسسة المرأة الجديدة أن “الحادث لا يُختزل في كونه واقعة فردية، بل يكشف نمطًا أوسع وأكثر شراسة في انتهاك أجساد النساء ودفعهن إلى القتل. كما تعكس مستجدات القضية استخدام أجساد النساء كأداة للسيطرة والابتزاز من خلال طلب محامية أحد المتهمين لإجراء كشف عذرية على إحدى المجني عليهن”.
وأدانت المؤسسة “استمرار تقنين وتطبيب كشوف العذرية كأحد أشكال العنف ضد النساء”، وإنه “يُعد إجراءً إجرميًا يجب أن يحاسب عليه القانون بوصفه جريمة مماثلة لجريمة الاغتصاب”.
وأكدت المؤسسة أن التهديد بإجراء كشوف العذرية لا يُعبر عن سلوكيات فردية منفصلة عن المجتمع ومؤسساته، وإنما هي جزء من منظومة “العدالة” الرسمية والمنظومة الخدمية الطبية. حيث تُعطي المؤسسات الطبية، سواء الحكومية مثل الطب الشرعي والمستشفيات الحكومية أو الخاصة مثل العيادات، للأهل وخاصةً الأب والأم والزوج على شهادات عذرية موثقة من أجل إثبات “شرف” نسائهن ومدى صلاحيتهن للزواج.
تاريخ كشوف العذرية في مصر
وفي كانون الثاني/ ديسمبر 2011، أقرت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، بأن كشف العذرية انتهاك للحرمات ويخالف الإعلان الدستوري. وألزمت المجلس الأعلى للقوات المسلحة آنذاك، بعدم توقيع أي كشوف طبية على عذرية الفتيات، ممن يُحتجزن بمعرفة ضباط وجنود القوات المسلحة داخل مقار الاحتجاز العسكرية، وكان ذلك على خلفية اندلاع أحداث ثورة يناير .
وعاد مصطلح “كشوف العذرية” إلى الواجهة من جديد، في تموز/ يوليو 2020، بعد مطالب النيابة العامة المصرية إخضاع متهمات في القضية المعروفة إعلاميًّا باسم “فتيات تيكتوك” للكشف المثير للجدل.
وللمرة الثالثة، يظهر نفس الطلب مع الفتيات الناجيات من حادث مطاردة طريق الواحات، كنوع من التهديد والإهانة لهن، وابتزازهن للتنازل عن حقهن القضائي في معاقبة الجناة.
كما إنه يتماهي مع سيطرة المنظومة الأبوية على أجساد النساء، ومع تلك الاتهامات الأخلاقية التي لاحقت الفتيات خلال الأيام الماضية عبر السوشيال ميديا، والتي كانت تدين تارة وجودهن بمفردهن صباحًا لتناول القهوة، وتارة أخرى ملابسهن، وتبرير جريمة التحرش بهن.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، يُعَدّ فحص العذرية تقليدًا راسخًا تم توثيقه في ما لا يقل عن 20 بلدًا في مختلف مناطق العالم. وتُجبَر العديد من النساء والفتيات على الخضوع لهذا الفحص لأسباب متعددة.
وأدانت مؤسسة المرأة الجديدة عدم ضرورية طلب منفذي القانون، لذلك الإجراء في القضايا التي لا تتضمن اتهامًا بالاغتصاب إلا أنها تُستخدَم، ويُبرَّر استخدامها، ضمن إجراءات التفتيش الذاتي الضرورية لبعض السجينات وصانعات المحتوى ممن يُوجه إليهن اتهامات تتعلق بالتعدي على قيم ومبادئ الأسرة المصرية.
مطاردة النساء حتى القتل والاختفاء من المجال العام
وتعكس حوادث ملاحقة النساء في سيارتهن مؤخرًا ، نمطًا جديدًا من أشكال العنف والتهديد لهن في المجال العام، ولم تعد النساء اللواتي قررن استقلال سيارة خاصة بهن، من أجل حمايتهن من التحرش في المواصلات العامة والشارع في آمان من جرائم العنف الجنسي، ولكن أصبحن يُواجهن الآن التحرش واحتمالية فقدان حيواتهن أيضًا.
قانون مكافحة العنف الموحد وتجريم كشوف العذرية
وطالبت مؤسسة المرأة الجديدة، بإقرار القانون الموحد لمناهضة العنف ضد النساء بما يطرحه من رؤية شاملة لمواجهة العنف والتصدي لحالة الإفلات من العقاب، وتوفير آليات حماية للناجيات.
وفي نيسان / أبريل 2025، أعلنت عن المسودة الثانية لمقترح “القانون الموحد لمكافحة العنف ضد النساء والفتيات”، بمشاركة 5 مؤسسات حقوقية مصرية.
وضمت المسودة الثانية على أربعة أبواب؛ الأحكام العامة والتعاريف، وجرائم العنف الرقمي والجرائم الجنسية، والإجراءات القضائية والتحقيقات والإثبات، وإجرءات الحماية، بإجمالي 81 مادة.
ونصت المادة (29) من باب جرائم “العنف الجنسي والجرائم الجنسية” كل من قام بإجراء فحص العذرية دون ضرورة طبية أو أمر قضائي مسبب مرتبط بتحقيقٍ جارٍ يعاقب بالحبس مدة لاتقل عن 3 أشهر أو بغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولاتجاوز 50 ألف جنيه.
وسبق أن تشكلت قوة عمل من 6 منظمات نسوية في 2017 لإعداد مقترح قانون موحد لمناهضة العنف ضد النساء، ونجحت في توصيل المسودة الأولى للبرلمان المصري، عبر النائبة نادية هنري في 2018، ثم النائبة نشوى الديب عام 2022، واختفت .