
سرقة وجوه النساء الصوماليات: حين تتحول الصورة إلى أداة للدعاية السياسية
استغلال الهوية النسوية والرقمية في سياق الصراعات الجيوسياسية
في زمنٍ يتسع فيه حضور النساء في الفضاء الرقمي بحثًا عن الصوت والتأثير، وجدت عشرات النساء الصوماليات أنفسهنّ عالقات في شبكةٍ خفية تستخدم صورهنّ للترويج لأجندات سياسية لا يعرفن عنها شيئًا.
القضية التي كشفتها “بي بي سي” تفتح ملفًا حساسًا حول استغلال الهوية النسوية والرقمية في سياق الصراعات الجيوسياسية في القرن الإفريقي.
الوجوه المسروقة: هوية تُنتزع خلف الشاشات
تبدأ الحكاية بصور لنساءٍ صوماليات مؤثرات أو عارضات أزياء، تظهر على حسابات في “إكس” و”فيسبوك” و”تيك توك” تتحدث عن الوطنية وحب الصومال. لكن خلف هذه الصور يقف آخرون.
إحدى النساء، التي فضّلت عدم كشف هويتها، قالت لـ”بي بي سي”:
“هذه الحسابات ليست لي. صوري تُستخدم من دون إذني، ولا أستطيع أن أفعل شيئاً ضد من ينتحلون شخصيتي.”
هكذا تتحول الصورة، التي كانت تعبيرًا عن الذات، إلى وسيلةٍ لتزييف الواقع. ويصبح الجمال والأنوثة أداة لتلميع روايات سياسية مصمّمة بعناية.
View this post on Instagram
الذكاء الاصطناعي والأنوثة الرقمية: تحالف جديد للهيمنة
بيّنت التحقيقات أن بعض الصور المستخدَمة في هذه الحسابات تم توليدها عبر الذكاء الاصطناعي، ما يعني أن الحدود بين الصورة الحقيقية والمفبركة باتت أكثر هشاشة.
في مشهدٍ يحمل وجه امرأة وعباءة زرقاء أو حجابًا أحمر، تُكتب منشورات بالعربية الفصحى تمجّد حكومات أو تنشر روايات عن الحرب في السودان.
استخدامٌ ممنهج لصور النساء المسلمات في سياقٍ سياسي يُعيد إنتاج السيطرة الذكورية بأدوات رقمية: امرأة بلا صوت، لكن باسمها يُدار الخطاب.
View this post on Instagram
الاستغلال العابر للحدود: من الصومال إلى السودان
لم تتوقف الشبكة عند الترويج للصومال فقط، بل امتدت إلى الحرب في السودان، حيث استُخدمت حسابات مزيفة بأسماء نساء صوماليات لنشر روايات تُبرّر مواقف سياسية مرتبطة بالإمارات العربية المتحدة.
وفيما نفت أبوظبي أي علاقة بهذه الشبكات، أشار محللون إلى أن المحتوى يتماشى مع أهداف السياسة الخارجية الإماراتية في شرق إفريقيا.
مرة أخرى، تُستغل صور النساء لإضفاء المصداقية على خطابٍ سياسي لا علاقة لهنّ به.
منصات التواصل… مسؤولية غائبة وعدالة رقمية مؤجلة
ورغم أن “تيك توك” و”ميتا” أزالتا بعض الحسابات لانتحال الهوية، إلا أن تحميل الناجيات مسؤولية الإبلاغ عن الانتهاكات يكشف عن خللٍ عميق في فهم العدالة الرقمية الجندرية.
فالنساء في مجتمعاتٍ محافظة يواجهن خوفًا مزدوجًا:
من العار الاجتماعي المرتبط بالصورة، ومن غياب الحماية القانونية والتقنية.
إن المسألة تتجاوز الخصوصية إلى الحق في الأمان الرقمي وحق النساء في امتلاك صورهن وهوياتهن.
النساء كأداة دعائية: حين يُختزل الجسد في سرد السلطة
توضح الخبيرة في التضليل الإعلامي، مارك أوين جونز، أن هذه الحسابات ليست سوى “دمى إلكترونية” مصممة لتوجيه الرأي العام. وغالبًا ما تُقدَّم بوجوه نساء شابات لجذب الثقة والمشاعر الإيجابية لدى المتابعين.
في هذا النموذج، تُحوَّل النساء إلى أداة ناعمة لفرض الهيمنة.
النساء لسن المتحدثات، بل الغلاف الذي يُقدَّم به الخطاب السياسي. إنها إعادة إنتاج للسلطة الذكورية في الفضاء الرقمي، ولكن بملامح نسائية مُصمَّمة بعناية.
الحق في الصورة… معركة نسوية جديدة
القضية لا تتعلق فقط بانتحال هوية رقمية، بل بنزع ملكية النساء لأنفسهنّ. فحين تُسلب الصورة، تُسلب الذات.
وفي عالمٍ تتحكم فيه الخوارزميات والسياسات الخفية، يصبح الدفاع عن الحق في الصورة فعلًا نسويًّا مقاومًا، ومطالبةً أساسية بالعدالة الرقمية.
إنّ استعادة صورة أي امرأة من أيدي التضليل ليست مجرد مسألة أخلاقية، بل ضرورة سياسية وحقوقية. فصوت النساء في الفضاء الرقمي يجب أن يكون صوتًا حقيقيًّا نابعًا من إرادتهنّ، لا انعكاسًا لرغبات السلطة أو مصالح القوى.
من الصمت إلى المقاومة
تذكّرنا هذه القضية بأن النساء في الجنوب العالمي لا يُنتزعن من مواقع القرار فقط، بل من صورتهنّ أيضًا.
في كل وجهٍ صومالي جرى التلاعب به، هناك قصة عن غياب العدالة الرقمية وعن استمرار السيطرة على أجساد النساء ومعاني وجودهنّ.
لكن فضح هذا الاستغلال هو خطوة أولى نحو إعادة تعريف ما تعنيه ملكية الصورة والهوية في زمن الذكاء الاصطناعي.
(المصدر: بي بي سي)