بودكاست “أصوات من الحرب”.. عن قصص النساء في الحروب

إعداد وتنفيذ: نهى لملوم ويحيى صقر

عادة ما تمر قصص النساء في الحروب كنشرات عاجلة أو أرقام في شريط الأخبار، بلا أسماء، بلا وجوه، بلا حكايات، وكأن كل من يعيش في منطقة نزاع يتألم وحده، ولا يُذكر اسمه إلا حين يُنعى أو يُؤبن.”

ولأن النساء هن الأكثر ضررًا وألمًا في الحروب، أردنا أن نُوثق الحكايات، أن ننقلها كما هي بدون تجميل أو تهوين، لكننا فكرنا بشكل أكثر استدامة: لماذا لا نساعد هؤلاء النساء أنفسهن على السرد؟ ولماذا لا نمكنهن من أدوات الحكي الرقمي، ونعلمهن كيف يروين قصصهن بأنفسهن، ويسردن سردياتهن البديلة عبر البودكاست كوسيط رقمي؟

وهكذا، بدأت رحلة “أصوات من الحرب” بودكاست، كمشروع توثيقي قائم بالكامل على توثيق قصص النساء في مناطق النزاع المختلفة في عالمنا، في الشرق الأوسط. وكان البودكاست كوسيط رقمي في تجربتنا، هو الوسيط الأفضل لسرد الحكاية على لسان صاحباتها الحقيقيات، دون “رتوش”، دون أحكام مسبقة أو تنميط. فقط نساء يروين بشجاعة، ويوثقن من خلال حكاياتهن الوضع المأساوي الذي تعيشه النساء في الحروب.

مع كل موسم، كانت التجربة تزداد عمقًا، ويزداد معها القلق والتوتر على مصائرهن؛ فانقطاع الإنترنت كان العامل المشترك بينهن جميعًا، رغم اختلاف البلدان.

كانت المشاركات يختفين لأيام، خصوصًا في غزة والسودان، فيما كانت الصحافيات في غزة يتنقلن من مكان لآخر بحثًا عن للاتصال بالإنترنت.

كنت أقول لنفسي: “يا لها من شجاعة وعزيمة تتحلى بها هؤلاء النساء وسط قصف لا يتوقف!”

كنا نسجّل المواد ونعيد إرسالها بعد ضغط الملفات، حتى يتمكن من تحميلها عند توفر الإنترنت لديهن.

لا أنسى مشهد الصحافية الغزية التي وثقت لنا صورتها وهي تختبئ داخل خزانة مطبخ في محل نزوحها، حتى تتمكن من تسجيل قصتها، لأن الشاليه الذي كانت نازحة فيه كان يضم عشرات الأفراد والعائلات.

خرج المشروع للنور أخيرًا بأربعة مواسم كاملة، حملت عناوين:

أصوات فلسطينية – أصوات سورية – أصوات يمنية – أصوات سودانية.

حلقات توثق معاناة النساء في مناطق النزاع والحروب، وتحكي حكايات لا نسمعها في نشرات الأخبار، وتسرد تفاصيل واقع تُغيب فيه أصواتهن كثيرًا.

أصوات فلسطينية

بدأ المشروع بورش تدريبية لتمكين الصحافيات والناشطات والنساء من داخل غزة على كيفية السرد القصصي وتوثيق ما يواجهنه من معاناة ظهرت في الحلقات بشكلٍ واضح، منها حلقة “البحث عن علاج” التي لخّصت وضع انهيار المنظومة الصحية في غزة، عن طريق معايشة لرحلة علاج والد البطلة، الذي بعد أن أنهى جميع أوراقه واستعد للخروج، أُغلق معبر رفح، ومنعت إسرائيل خروج الفلسطينيين/ات.

كما وثقت الحلقة أوضاع النساء العاملات في المجال الطبي – طبيبات وممرضات – وكيف يواجهن الموت تحت القصف، ولم يتخلّين عن دورهن في رعاية المرضى، رغم عدم توافر أي معدات طبية أو أدوية، حتى منتهية الصلاحية منها أصبح يستخدمها أهالي المرضى ويبحثن/ون عنها، علها تنقذهن/م.

فيما وثّقنا في “أصوات فلسطينية” الحرب النفسية التي تُمارس على سكان غزة من السماء، في صورة مسيرة صغيرة يسميها أهل غزة بـ”الزنانة”، لصوتها المرعب المزعج الذي لا يكاد يتوقف.

وتجدونها في كل حلقات بودكاست غزة تقريبًا، لأنها جزء لا يتجزأ من يوميات الناس هناك.

أما حلقة “البحث عن شهادة ميلاد”، فوثقت معاناة كل طفل/ة فلسطيني/ة يولد خارج القطاع، ولا يستطيع أن يحمل أوراق إثبات هوية فلسطينية لأنه/ا ولد/ت خارج غزة. فتنقلب هويته/ا إلى أزمة، ووجوده/ا إلى معضلة قانونية.

أصوات سودانية

انتقل المشروع بعد ذلك للعمل على “أصوات سودانية”، لتخرج إلى العالم حكايات نساء لا يُعرف عن معاناتهن إلا القليل. فالحكايات في السودان مهمشة بعيدة كل البعد عن العالم وانشغاله .

لا أحد يعلم أن مجرد كونك امرأة في السودان الآن كافي لتكوني هدفًا للقتل أو الاغتصاب، وربما كليهما.

وثقنا قصص من اضطررن للهروب من الموت عبر الصحراء، لمصير مجهول، تُطاردهن رصاصات الحرب وعصابات التهريب والخوف من الاغتصاب الجماعي.

في “أصوات سودانية”، واجهنا تحديًا مختلفًا فبعض النساء لم يُكملن الحكاية.

بعضهن اختفين، وانقطعت أخبارهن والأصعب هو فقداننا لبطلة حكاية من معسكر الفاشر ذلك المعسكر الذي يتعرض لأبشع انواع العنف والتجويع كانت من بينهن هنادي بنت الفاشز، الطبيبة الشابة التي سجلت معنا جزء من حلقتها ثم صمتت إلى الأبد.

علمنا لاحقًا أنها قُتلت غدرًا، قبل أن تُكمل قصتها.

حين وصلنا الخبر، فكرنا في إلغاء الحلقة فكيف نعدّها بدون بطلتها، لكن فريق العمل سألني:

“لماذا لا نُكمل الحكاية بدل أن نمحوها؟ لماذا لا نخلد ذكراها؟”وفعلنا. أكملنا تحرير الحلقة، وثّقنا رحلتها، ومعاناتها، وقصتها مع المعسكر، وكيف ولماذا اختارت أن تحمل السلاح لتدافع عن النساء بمعسكرها.

أصوات يمنية

نساء اليمن واجهن الحرب بالغناء ولا زلن يبحثن عن حق التعليم وتقرير المصير.

أما في اليمن، فكانت لنا حكايات مختلفة في بلد انقسم على ذاته، وأصبح مجرد انتقال امرأة من محافظة إلى أخرى، أو حتى كلمة تخرج منها في توقيت أو مكان خاطئ، قد تودي بحياتها. ومع ذلك، واجهن الحرب بعزيمةٍ حقيقية، وتحدّين انهيار التعليم بإصرار على التعلّم، حتى اعتبرتهن بعض السلطات ناقصات أهلية، فقط لأنهن نساء.

وثقت حلقة يمنيات يواجهن الحرب بالغناء حال الفنانات اليمنيات، وكيف أثّرت الحرب على حياتهن ولا زلن يحلمن بحياة تشبه الحياة. ووثّقنا أيضًا كيف تتحكم الأعراف في مصير النساء اليمنيات سواء في التعليم أو في حق تقرير المصير في الزواج والطلاق، وكيف تقف حياتها على ما تسمي بالولاية وهي من حق رجال عائلتها وليست من حقها.

أصوات سورية

وفي سوريا، حيث الصراع مستمرًّا منذ أكثر من 12 عامًا، وخرائط البلاد تتغير بتغيّر الولاءات، وحتى بعد سقوط نظام بشار الأسد، لا زالت معاناة النساء مستمرة بل وتزداد معاناتهن تعقيدًا: فالتهديد لا يأتي فقط من كونهن نساء، بل من اسم العائلة، أو مكان الولادة، أو الانتماء الطائفي. فامرأة من طائفة ما، في منطقة تسيطر عليها طائفة أخرى، قد تُسجن أو تُهان أو تُقتل، لا لشيء سوى أنها تنتمي لهوية “أخرى”.

وثّقت حلقات سوريا معاناة المعتقلات السابقات بسجون الأسد ومعاناة أهالي المعتقلات وفقدان أطفالهن داخل دور الرعاية، كما وثّقنا معاناة النساء الدرزيات ومعاناة العلويات .

نأمل من أن نوثق المزيد من أصوات النساء المهمشات في الحروب والنزاعات ونأمل أكثر أن تنتهي معاناة النساء بكل مكان.

عن الواقع كما عاشته النساء، عن الحرب كما خضنها، عن الخسارات، النجاة، والنجاحات.. “أصوات من الحرب”، أصوات نساءٍ، هنّ الصوت، وهنّ الراوية.

 

كتابة: نهى لملوم

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد