إقرأ يا رجل.. تحليل خطاب جمال فيّاض العنصري والكاره للنساء

بعض المواقف، رغم أنها “ما بتسوى فرنك”، إلا أنها تكشف الكثير عن رواسب رجعية وتعفّناتٍ في العقلية الذكورية المتجذّرة في مجتمعاتنا. مواقف، على سذاجتها، تكشف بقدر ما هي محض جهلٍ متوارث، أن الاجتهادات الشخصية عليها تأتينا على “غفلة”، لتتنافس على وسام الجهل.

لندخل “بالسالفة”، وهي سالفة أثرية ليس لها بداية، ولا يبدو أنه سيكون لها نهاية:

عزيزاتي النساء، هناك رجل ما في هذا المستنقع الذكوي قرر أن يعطي رأيه بحياتك وخياراتك. هكذا ببساطة قرر أن يتدخّل في قراراتك، ولا حاجة لإذنك. من قال أنه عليه طلب الإذن؟ جمال فياض قال!

منذ غادرت المرأة بيتها لتعمل، وتركت أولادها للخادمة الجاهلة، والحضانات الفاشلة، صارت الأجيال تافهة.

جمال فيّاض- “إعلامي”

قرّر جمال فيّاض أن يحاكم النساء عمومًا والأمهات خصوصًا، ليس بناءً على خبرات يمتلكها، بل فقط لأنه وُلد بجنسٍ مختلف، يمنحه حق التطفّل والتنظير واستغباء مجتمع بأكمله، وفوقها توزيع أوسمة العنجهية الذكورية مجانًا.

نشر الإعلامي جمال فياض عبر وسائل التواصل الاجتماعي قائلًا:

“منذ غادرت المرأة بيتها لتعمل، وتركت أولادها للخادمة الجاهلة، والحضانات الفاشلة، صارت الأجيال تافهة وفاشلة وجاهلة وعنيفة ومريضة نفسيًّا … وشاذة!! بعد تربية الأولاد، يمكنها أن تبحث عن فرصتها وتجد عملًا!!”

حقيقةٌ قد تصدم جمال فيّاض وأمثاله: لا يكفي أن تمتلك قلم وورقة لتصبح كاتبًا، ولا أن تنطق بكلمتين لتصبح فيلسوفًا.

لا يحتاج الرجل لشهرةٍ أو نفوذ ليظنّ أن رأيه التقليدي، الممجوج والمتوارث، “استثنائي”. موقفٌ “فذٌّ ومبتكر” يتوقّف عليه شروقُ الشمس و دورانُ الأرض كلَّ يوم! يكفي أن يولد ذكر، ليخوض في ما لا يعنيه. تمّت المهمة: أصبح بإمكانك أن “تقبض نفسك جد وتوزّع نظريات جاهلة”. أنت الآن مسؤولٌ عن تعزيز وجودك وجذورك في مملكة الامتيازات الذكورية.

حقيقةٌ قد تصدم أنصار موقف جمال فيّاض: لا يكفي أن تمتلك قلم وورقة لتصبح كاتبًا، ولا أن تنطق بكلمتين لتصبح فيلسوفًا.

تحليل خطاب التحريض.. العنصرية وكراهية النساء عَفَنٌ ذكويٌّ معدٍ

هنا تحليلٌ بسيط لخطاب جمال فيّاض المشحون بالكراهية، ليس تجاه النساء وحسب، وإنما أيضًا تجاه العاملات المنزليات والمربّيات في الحضانات. خطابٌ أخطر ما يطبعه تحريضٌ ضمنيٌّ ضد النساء العاملات عمومًا، والأمهات على وجه الخصوص، وإعادة تدوير الصور النمطية الذكورية حول الأدوار الجندرية. ناهيك عن التحريض المباشر ضد العاملات المهاجرات، وتشويه دور الحاضنات، في الوقت الذي يُفترض فيه الإشادة بجهودهن، والدعوة إلى تعزيز الدور الرسمي لضبط معايير الجودة والأمان في هذه المؤسسات.

خطابٌ أبويٌّ بامتياز، يحصر مسؤولية تربية الأجيال بالنساء وحدهن، ويصرّ على تبرير غياب الآباء عن المشهد، بذرائع تقليدية. ذرائع لا تنطبق إلا على الرجال، ببساطة: لعبة مصالح. هذا التغييب المتعمّد لدور الرجال في التربية، والتنميط الممنهج لأدوار النساء، خطة أبوية قديمة جديدة لإعفاء الآباء من المحاسبة ومضاعفة وصاية المجتمع على النساء.

غياب سياسات اجتماعيّة عادلة يضاعف الضغوط على النساء، ويجعل خطابًا مثل خطاب جمال فيّاض ليس فقط سطحيًّا، بل أيضًا ظالمًا ومظلمًا ومضلّلًا ومحرضًا.

ليس جديدًا ما نقله جمال فيّاض من تحميل النساء مسؤولية “تراجع الأجيال”، إذ يتبنّى السردية الأبوية التقليدية في وقتٍ يتجاهل غياب الدولة -الأبوية أيضًا- عن أبسط واجباتها. وبدلاً من المطالبة بتحسين ظروف وجود النساء في سوق العمل، يتبجّح أبواق السياسات الأبوية بتحميل تقصير الدولة فوق أكتاف النساء، فيطالبون بانسحابهن من سوق العمل لإعادة “مِسْمرة” أسافين امتيازاتهم على حساب حقوق النساء.

وفي حين يخشى أمثال هؤلاء من التلويح بنعش الأبوية، يتهافتون نحو إنعاش الجهل والتخلّف والتحريض والكراهية، لإنقاذ حكم “سي السيد”.

حسنًا، إلى جمال فياض وأمثاله ممن نقشوا مكانةً لافتة في المنظومة الإعلامية التقليدية، بعض النصائح حول كيفية الإبقاء على “بريقٍ”، وإن كان على حساب النساء. محاولة التثقّف وتجربة الوعي قد تكون وصفةً متوازنة، مُرضيةً للغرور الذكوري، ومناسبةً للنهضة النسوية.

أوببببببا! نزعتيها يا مريم، كنتِ على وشك أن تكحّلي أعين الذكوريين بذكر الترابط الأسري، فأعميتِها بذكر المساواة! إنها “رجسٌ” من عمل الساحرات النسويات!

ماذا لو تفكّرت قليلًا في توجيه النقاش نحو غياب سياسات عامة عادلة، ضرورية وملحّة لدعم الأمهات والآباء معًا، بدل أسطوانة تحريض الرجال على النساء، وشحن المجتمع المشحون أصلًا؟!

هل سبق وسمعت بمصطلح “إجازة الأمومة”؟ غريب، ها؟ حسنًا، هو يشير إلى إجازة مدفوعة من المفترض أن تكون عادلة وكافية ومناسبة للأمهات الوالدات حديثًا، ليحصلن أوّلًا على الراحة التي يستحققنها بعد إجهاد الحمل، ولمساعدتهن على التعافي. وثانيًا، لدعمهن في عملية التأقلم مع أعباء الأمومة الجسدية والعاطفية، ومساعدتهن في تقليل احتمالية الاكتئاب ما بعد الولادة.

ولكن سأصدمك بمصطلحٍ جديد: “إجازة الأبوة”! هل تحسست؟ أتفهّمك جيّدًا، فوباء الذكورية معدٍ وخطير. تتجسّد أهميّة إجازة الأبوة -والعياذ بالله- في تمكين الآباء من المشاركة الفعالة في رعاية الأطفال، وتنمية الرابطة بينهم/ن، وتعزيز الترابط الأسري، ودعم المُنجِبات معنويٍّا، ما ينعكس إيجابًا على صحة الأطفال النفسية وتطورهم/ن المعرفي مستقبلًا! ما رأيك في هذا السحر؟

ماذا لو أخبرتك بأن دمج إجازتي الأمومة والأبوة يساهم في تحقيق المساواة بين النساء والرجال في مكان العمل وفي المجتمع!

أوببببببا! نزعتيها يا مريم، كنتِ على وشك أن تكحّلي أعين الذكوريين بذكر الترابط الأسري، فأعميتِها بذكر المساواة! إنها “رجسٌ” من عمل الساحرات النسويات!

في بلداننا، بدل السعي نحو إنصاف الطفولة بأمومةٍ وأبوةٍ متزنتين، يتم الطرق على أعمدة العائلة حتى إسقاطها -أبديًّا- تحت رحمة الذكوية. فإجازة الأمومة على سبيل المثال، غالبًا ما تُحوَّل إلى عبءٍ على كواهل النساء ما يهدّد استقرارهن المهني. أمّا إجازة الأبوة، فهي معدومة أو شكلية، وكأنّ دور الأب في التربية مجرد “رفاهية” يمكن الاستغناء عنها. فما الغرابة في موقف رجلٍ ما -جمال فيّاض نموذجًا- أمام قصورٍ تشريعيٍّ يكرّس الخطاب الذكوري نفسه: تربية الأطفال مسؤولية النساء وحدهن.

الحقيقة أنّ بناء أجيال متوازنة يتطلّب سياسات اجتماعية عادلة، تبدأ من تشريعات تضمن إجازات أمومة وأبوة لائقة، وتكفل حضور الأهل مع أطفالهم/ن وطفلاتهم/ن، دون خوفٍ من خسارة العمل أو من أحكام المجتمع. غياب هذه السياسات يضاعف الضغوط على النساء، ويجعل خطابًا مثل خطاب جمال فيّاض ليس فقط سطحيًّا، بل أيضًا ظالمًا ومظلمًا ومضلّلًا ومحرضًا.

الإعلام… سلطة ومسؤولية

المؤسف أنّ هذا الكلام يصدر عن “إعلامي”. فبدل أن يرفع مستوى النقاش العام، يروّج لمعادلة زائفة مفادها: “الأم العاملة هي أم مهملة”، ويربط استقلالية النساء الاقتصادية بانهيار المجتمع. إنه خطاب ساذج، غير علمي، ولا شكّ أن انتشاره عبر منبر إعلامي يعد مؤذيًا وخطيرًا.

الإعلام ليس منبرًا لتصفية الحسابات الذكورية ولا مساحة لإعادة ترويج جهلٍ مكتسَب، أو عُقد مرتجَلة، أو تراكمات محتملة، أو خوف على امتيازاتٍ متوارَثة بالانتهاك والفرض والإجبار، ثم بثّها تحت شعار “الرأي”. والمنصات الاجتماعية، قبل أن تكون مساحةً إعلاميةً حديثة، تفرض على الإعلاميين/ات سلطةً أخلاقية، وتحمّلهم/ن مسؤولية جادّة تجاه منظومة الحقوق. وأي نقاشٍ إعلامي لا يُبنى على المعرفة الحقوقية والوعي الاجتماعي هو جريمة يجب أن يُحاسب ناشرُها. وأي إعلامٍ لا يُبنى على احترام الرأي الأصيل (والأصل هو الحق) – متقصّدةً لم أقل “الرأي الآخر” لأنها شمّاعة الانتهاكات الذكورية- هو دكّانة سلطوية ليس إلا.

وتبنّي الإعلامي/ة لخطابٍ أبويٍّ عنصري هو شرعنةٌ علنية للعنف ضد النساء، معنويًا أو جسديًّا.

وما إشاعة فكرة أن “عمل النساء سبب خراب الأجيال” سوى انعكاسٍ لصورة التحريض التي تفضي إلى جرائم تعنيف النساء، أو تقرير مصائرهن، أو حتى قتلهنّ بذريعة: “نحنا أدرى بمصلحتك”.

عنصرية وجهل مركّب: مش مصبّر منوب!

لم يكتفِ جمال فيّاض بالتنظير على النساء والأمهات فقط، بل طالت سهام التحريض العاملات المهاجرات أيضًا، ثمّ حلّقت أبعد نحو الحاضنات.

العيب ليس في أن يُفَرض عليك الجهل، بل في أن تتبناه وتنشره لتحقيق مكاسب.

يبدو أن جمال “مش مصبّر منوب”، وهو بحاجة لـ”فشة خلق. مبكّلة”. فشّة خلق ضد النساء اللواتي اعتقدن أنهن يمتلكن الحق بالمطالبة بحقوقهن! شه، ألهذه الدرجة اعتبرن أنفسهن ذوات استحقاق! إذن، “لشو الرجال؟”. لا، وفوق هذا كلّه، يستعنّ بمساعدات منزليات! “لشو اسمن نسوان”!

منطق اللا منطق استحوذ على جمال فجأة، اعذروه، إنها نوبة الذكورية التي تتحرّك بلا وعي، وعلى غفلة، مهما ادّعيت التحضّر.

أذكّر، “بلا وعي”.. فمن المحتّم أن لا نربط العنصرية والجهل الذكوي بالوعي.

يكمل جمال فيّاض حديثه -بالأحرى عنصريته- فيصف المساعدة المنزلية بـ”الخادمة الجاهلة” ويتهم الحضانات بـ”الفاشلة”. خطابٌ ينضح بفوقية تُقزّم من قيمة عاملات المنازل والمربيات، وتختزل المؤسسات التربوية بأحكام مسبقة.

بالحقيقة يا أيها الإعلامي، الجهل واردٌ عند أي/ة إنسان/ة، وخطابك خير دليل. لكن العيب ليس في أن يُفَرض عليك الجهل، بل في أن تتبناه وتنشره لتحقيق مكاسب. ولا ضرر في التذكير بضرورة نشر الوعي لمواجهة التخلّف، فالمنظومة التي ‘نفخت ريش الرجال’ ما زالت تتغذى على مثل هذا الخطاب. أقول هذا، لأنك استحضرت الجهل لوصف عاملات، قد يكنّ حُرمن قسرًا من التعليم، داخل منظومةٍ تسعى بخطابك الفوقي هذا إلى ترسيخها.

كلماتٌ لا تعكس فقط الجهل بالواقع الاجتماعي، بل أيضًا تتنكّر لأبسط قواعد المسؤولية الإعلامية.

التربية مسؤولية تشاركية: إقرأ يا جمال!

من المعيب أن نضطر إلى تأكيد المؤكد لتذكير “إعلامي” بالبديهيات.

يا جمال، عمل النساء ليس مجرّد حق فردي، بل ضرورة اجتماعية واقتصادية في مجتمعات تنهشها الأزمات، “إلا إذا كنت عايش ب لالا لاند”. لذا، فإن إنعاش منطق الوصاية، وشيطنة استقلالية النساء الاقتصادية، وتحقير نضال العاملات يضاعف الظلم والظلاميّة، هنّ اللواتي يكدحن وسط ظروف صعبة لضمان أمن أسرهن الاقتصادي والمالي والاجتماعي.

هؤلاء لا يحتجن لمهرجانات فنية مزخرفة ومصطنعة، ولا لمعايير ساذجة واستنسابية، ليستلمن دروع التكريم. الاعتراف بصمودهن وإسهامهن في بناء المجتمع، وحمايتهن من تفاقم براثن الأبوية، هو التكريم الأمثل.

أما التربية، التي جعلتها -كما علّمتك بيئتك- ذريعة لتقزيم عمل النساء، فلا تُقاس بعدد الساعات التي تقضيها الأمهات في المنازل. منازلَ قامت على قمع النساء، والتمييز بين الفتيات والفتيان لا تبني أجيالًا سوية. والتجربة، يا جمال، تثبت وجود أمهات عاملات ربّين أبناءً وبناتٍ بحبٍّ ووعيٍ ومسؤولية، في حين أن أمهات متفرغات وموجودات جسديًّا وجدن أنفسهنّ قاصرات ومتعبات أمام مسؤولية تقوم بالأصل على مبدأ الشراكة.

ردّد مجدّدًا:

مسؤولية تقوم على مبدأ الشراكة.

تخيّل! نعم لقد تجاوزنا “عبط” الذكوريين وشعورهم بوهم السيطرة والقدرة على التنظير بما لا يفقهون!

التجربة ذاتها، يا جمال، أظهرت أن الأمهات العاملات استطعن في غير مرة تعويض الخلل الذي خلقه الغياب الطوعي للآباء، في بيئةٍ ما زالت تقنعهم بأنّ الإنفاق المادي هو جوهر مسؤوليتهم الوحيدة.

التربية الحقيقية، يا جمال، ويا رجال، تقوم على الشراكة العاطفية والفكرية والمعنوية والمادية بين الوالدين، لا على حصرها في النساء وحدهن.

التربية الحقيقية، يا جمال، تتمحور حول حاجة الأطفال/الطفلات ومستقبلهم/ن، لا حول وهم تفوّق الرجال، ووهم العائلة المستقرة على عامودٍ واحد. لا علاقة لعمل النساء بإحباطات بعض الرجال غير المبررة سوى بالكيد، ولا ذنب لهنّ بفشل بعض الرجال في تأسيس عوائل وضمان استقرارها.

التربية الحقيقية والسوية لها مؤلّفاتٌ ومؤلّفاتٌ، إقرأ يا جمال!

إن أردنا أجيالاً واعية ومسؤولة، فعلينا كسر هذا الخطاب الأبوي المتجذّر، والاعتراف بأن التربية مشروع جماعي يضم الأم والأب والمجتمع والمؤسسات. أمّا المواقف السطحية من طراز “مين الرجال هون؟”، فهي بلا قيمة.

وفي النهاية، سأصدمك مجددًا. يبقى العمل أو عدمه، والتفرغ للوظيفة أو عدمه، قرارًا شخصيِّا للنساء أنفسهن، وهنّ فقط من يحدّدن كيفية التوازن بين أدوارهن المختلفة التي يخترنها.

تخيّل! نعم لقد تجاوزنا “عبط” الذكوريين وشعورهم بوهم السيطرة والقدرة على التنظير بما لا يفقهون! شيئًا فشيئًا تكشفون بأنفسكم أن الذكورية “فافوش”، والفافوش الأكبر: وهم التحضّر.

باختصار.. من الأفضل أن يتحدث كل فردٍ عمّا يفقه، لحفظ ماء الوجه أحيانًا، فببغاء الأبوية قد اهترأت ريشته!

أكرر: لا يكفي أن تمتلك قلمًا وورقةً لتصبح كاتبًا، ولا أن تنطق بكلمتين لتصبح فيلسوفًا.

مفيدةٌ القراءة. إقرأ يا جمال.

 

كتابة: مريم ياغي

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد