مجلس النواب يناقش تزويج الطفلات: المستقبل يتهرّب من إعلان موقف والموسوي يخطف الأنظار

تستمر الجمعيات المدنية في محاولاتها لإقناع مجلس النواب اللبناني بضرورة إقرار قانون يحدد سن الزواج، ليمنع تزويج الطفلات والأطفال. لهذه الغاية عقد أمس لقاء تشاوري في مكتبة مجلس النواب، بدعوة من الأمانة العامة للمجلس والتجمع النسائي الديمقراطي اللبناني والتحالف الوطني لحماية الأطفال من التزويج المبكر. تم خلالها عرض معطيات علمية وتجارب ناجيات ونصوص قانونية، لبنانية ودولية، تثبت مخاطر تزويج الأطفال، وضرورة إقرار قانون يحدد سن الزواج ب 18 عاماً. شهدت الجلسة الأخيرة من اللقاء نقاشاً هاماً بين النواب الموجودين والحضور، دفعت خلاله شهادة إحدى الحاضرات بالنائب نواف الموسوي للحديث عن الظلم الذي تعرضت له ابنته من قبل المحكمة الجعفرية، ومنعها من رؤية أطفالها.

موقف الجمعيات والهيئة الوطنية لشؤون المرأة ووزير الدولة لشؤون المرأة:

افتتحت ليلى مروة، رئيسة التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني، اللقاء بكلمة قالت فيها أن “الدستور اللبناني ينص في مقدمته على أن لبنان عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتجسد الدولة هذه المبادىء في جميع الحقوق والمجالات دون استثناء. وشددت المادة 16 فقرة 2 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة على أن لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أثر قانوني وتتخذ الدولة جميع الإجراءات القانونية، بما فيها التشريع، لتحديد سن أدنى للزواج”. وأضافت: “جميع القوانين المحلية لا تعترف بأهلية أي شخص قاصر أي دون الثامنة عشر من عمره. أما فيما يتعلق بالزواج فنجد أن تزويج الطفلة تحت سن ال18 مشرع في كافة قوانين الأحوال الشخصية حيث يتراوح سن الزواج وفقاً للقوانين ال15 المختلفة بين ال 9 سنوات وال17 سنة”. وأشارت مروة إلى وجود توجه لاعتماد قانون ينص على تحديد سن الزواج ب 18 سنة مع إستثناء حده ال 16 سنة دون تفنيد أو ذكر واضح للاستثناءات، معلنة عن إصرار التجمع على إقرار قانون يحدد سن الزواج ب18 عاماً وما فوق “دون أية استثناءات خشية تحول الاستثناء إلى قاعدة مما يضرب جوهر القانون وهدفه”.

شددت المادة 16 فقرة 2 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة على أن لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أثر قانوني وتتخذ الدولة جميع الإجراءات القانونية، بما فيها التشريع، لتحديد سن أدنى للزواج

اعتبرت كلودين عون، رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، أنه حتى وإن حدد سن الزواج ب18 سنة، يعد ذلك مبكراً. بررت عون رأيها بالقول: “يمنع القانون اللبناني أي شخص من الإنتخاب قبل سن ال 21، فكيف لمن لا يمكنه اتخاذ قرار سياسي بانتخاب نائب أن يتزوج ويبني عائلة ويربي جيل؟ وكيف لمجتمعنا أن يكون سليماً ويتطور في حين أننا نعطي مهمة تربية الأجيال المقبلة إلى أطفال لم يبلغوا سن الرشد بعد؟” ولفتت عون إلى أن المرأة أو الرجل الذين بلغوا سن ال18 لا يكونون قد أكملوا سنين الدراسة الجامعية أو التعليم المهني، بالتالي لا يكونون جاهزين لتحمل مسؤولية الأسرة والأولاد. ورأت أن القانون اللبناني لا يساوي بين مواطن وآخر وامرأة وأخرى. منبهةَ أن تزويج الأطفال شكل من أشكال العنف الممارس ضد النساء.

روى وزير الدولة لشؤون المرأة حكاية إمرأة صادفها في السجن، استغرب صغر سنها إذ كانت تبلغ من العمر 19 عاماً فقط. لدى سؤالها عن أسباب سجنها أخبرته بأنها تزوجت في سن ال 13 سنة من رجل تبين أنه سيء. وأخبرته أنه كان يجبرها على ممارسة الدعارة، فأقدمت في سن ال18 على إطلاق النار عليه دون أن تتمكن من قتله . يقول أوغاسابيان: “سألتها عن هدفها بعد الخروج من السجن، فأجابت أن ليس لديها هدف في حياتها سوى قتله. هي قصة مؤلمة قد يكون منها عشرات بل مئات”. يضيف الوزير أن الهدف من تحديد سن ال18 منع تكرار هذه الحالات ومنع تهميش المرأة. ويرى أوغاسابيان في اقرار القانون الذي يحدد استثناءات خطوة باتجاه الدولة المدنية، لكن إقراره ليس سهلاً ويتطلب ضغطاً ومواكبة النقاشات في اللجان النيابية.

توصيات دولية بإقرار قانون يحدد سن الزواج ب18 سنة وما فوق:

دولياً، أوصت المقررة الخاصة حول العنف ضد النساء في الأمم المتحدة، الدكتورة دابرافكا سيمونوفيك، لبنان بوجوب تحديد سن الزواج ب18 سنة، على أن ينظر في بعض الإستثناءات شرط ألا يقل عمر الطرفين عن 16 عاماً. كما أوصت بوجوب تجريم التزويج تحت سن ال 16، على أن يترافق إقرار القانون مع حملات توعية. ولفتت إلى أن التزويج المبكر يعرّض المرأة للعنف الأسري ويمنعها من إكمال تعليمها. فيما أوصى عضو لجنة حقوق الطفل في الأمم المتحدة، البروفيسور حاتم قطران، بإقرار “قانون يحدد سن الزواج ب18 عاماً دون أي استثناءات، لأن التجربة أظهرت أن الاستثناء يتحول إلى قاعدة”.

دولياً، أوصت المقررة الخاصة حول العنف ضد النساء في الأمم المتحدة، الدكتورة دابرافكا سيمونوفيك، لبنان بوجوب تحديد سن الزواج ب18 سنة

دراسات علمية تثبت مخاطر التزويج المقبل:

علمياً، عرض الدكتور فيصل القاق، نائب رئيس الاتحاد الدولي لأمراض النساء والتوليد، معطيات علمية تثبت الأثر السلبي للحمل المبكر على صحة القاصر وطفلها. وقال: “لو تمكن النواب ورجال الدين من التواجد معنا في غرف التوليد لسارعوا لتشريع قانون ضد تزويج القاصرات. فالسببان الرئيسيان لوفاة القاصرات هما الإنتحار والموت أثناء الولادة. حيث ترتفع بنسبة تتراوح بين 5 و30% معدلات الأخطار الناجمة عن الحمل المبكر. ويرتفع بنسبة 30% التهاب الرحم بعد الولادة، إلى جانب التهاب الدم العام. ويرتفع بنسبة 27% النزيف الشديد بعد الولادة، وقد تعاني القاصر من تمزق مهبلي وارتخاء في عضلات الحوض، الأمر الذي يؤثر على صحتها الجنسية. كما ترتفع نسبة الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة لدى القاصرات. إضافة إلى ولادة أطفال بحجم أصغر من المعدل الطبيعي”. وأشار القاق أن العام 2018 شهد 21 حالة وفاة أثناء الولادة، منها عشر حالات لقاصرات تتراوح أعمارهن بين ال10 وال16 سنة.

تجارب الناجيات:

عرضت ناجيات تجاربهن، وقد عانين جميعهن من مشاكل صحية ناجمة عن تزويجهن المبكر. تروي هدى أن والدها أقدم على تزويجها في سن ال12، ومنعها من إكمال تعليمها، وتقول أنها غابت عن الوعي بعد تزويجها لأنها لم تكن تعرف ما هو الزواج. ثم قرر والدها تطليقها بسبب خلاف مع الزوج. في سن ال 13 أقدم والدها على تزويجها مجدداً ليعود ويقرر تطليقها بسبب رفضه لفكرة سفرها مع زوجها. في المرة الثالثة قررت إحدى قريباتها تزويجها من زوجها الذي كان يبحث عن زوجة ثانية. شهادة هدى تترافق مع الكثير من الدموع وغصة الألم وسط اندهاش الحضور. أما روضة فلا تذكر كم كان عمرها عندما تزوجت. لكنها تذكر أنها في سن ال16 كانت أم لطفلة وحامل بأخرى. تتحدث روضة عن اكتئابها بعد الولادة والعنف الممارس ضدها الذي قوبل بنصيحة المحيطين لها بالتحمل لأجل طفليتها. في سن ال17 كانت محاولة انتحار فاشلة، وبعدها محاولة انتحار أخرى نجت منها. تذكر مشهد ابنتها تمسك بيدها وتترجاها ألأ تموت. تقول روضة أنها وبعد تلك الحادثة قررت أن تعيش من أجل طفلتيها، كي لا تتزوجا مبكراً وتعانيان مما عانت منه والدتهما.

موقف الكتل والنواب:

في جلسة النقاش مع النواب وعرض مواقف الكتل النيابية، كان مستغرباً غياب النائبة رولا الطبش رغم ورود إسمها في برنامج الجلسة الثالثة، دون وجود أي ممثل عن كتلة المستقبل. ما طرح تساؤلاً عن تجنب تيار المستقبل إبداء رأيه في مسألة تزويج الأطفال والطفلات. وكانت النائبة بولا يعقوبيان، مديرة الجلسة، النائبة الوحيدة بين ست نواب ذكور. وأعلنت بشكل حاسم تأييدها لتحديد سن الزواج ب18 سنة دون أي استثناء. واعتبرت أن من واجب المجلس النيابي حماية الأطفال، وقالت: “المرأة هي الطرف الأضعف في لبنان، فكيف إن كانت طفلة؟”. وأضافت:” أتحدى أي نائبة أو نائب أن يقبل بتزويج ابنته قبل أن تبلغ سن ال18. كل من يتزوجون تحت ال18 هم الفئات المهمشة لذلك من واجب المجلس حماية هؤلاء”. واعتبرت بولا غياب الطبش عن الجلسة رغم تأكيدها الحضور تهرباً من قبل تيار المستقبل من اتخاذ موقف فيما خص التزويج المبكر.

فيما أعلن النائب نواف الموسوي رفضه للقانون بحجة أن مسألة الأحوال الشخصية خاضعة لسلطة المراجع الدينية التي لها وحدها أن تقرر، “فلا يستطيع أي سياسي تجاوز قانون الأحوال الشخصية”.

بعدها أعرب النواب إدي أبي اللمع، شامل روكز، فيصل الصايغ والياس حنكش باسم كتلهم، دعمهم لمشروع القانون المقترح والذي يحدد سن الزواج ب 18 سنة. فيما أعلن النائب نواف الموسوي رفضه للقانون بحجة أن مسألة الأحوال الشخصية خاضعة لسلطة المراجع الدينية التي لها وحدها أن تقرر، “فلا يستطيع أي سياسي تجاوز قانون الأحوال الشخصية”، رغم إعلانه أنه شخصياً يرفض التزويج قبل “شهادة الماجستير”. واقترح النائب فؤاد مخزومي تشكيل لجنة للنظر واتخاذ القرار للموافقة أو رفض الزواج المبكر، كل حالة على حدة، كحل مرحليً.  واعتبر حنكش أن الاستثناء بين ال16 وال18 يجوز في حال حمل المرأة، فيما أظهر تخوفاُ من ألا يمنع القانون الزواج المبكر، وأن يمنع فقط تسجيله. أما روكز، فلفت إلى تأثير زواج الأطفال سلباً على تحقيق ست نقاط من أهداف التنمية المستدامة وهي: الإبعاد عن الفقر، التعليم، التمكين من الحصول على عمل لائق، التشجيع على دخول الحياة السياسية والبرلمانية، تعزيز المساواة بين الجنسين وضمان العيش في مجتمعات سليمة. تلت مواقف النواب جلسة نقاش طرحت خلالها الحاضرات آرائهن وتساؤلاتهن، والتي توجهت بمعظمها للنائب نواف الموسوي. وقد بدت عليه ملامح الإنزعاج وعدم الإرتياح، ورغم ذلك لم ينسحب من الجلسة كما فعل عدد من زملائه.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد