التحرش اللفظي: كيف يُعتدى علينا بالكلام؟

“التحرش اللفظي مثل التحرش الجسدي، لا يقل عنه، فإنه يترك أثاره السلبية على الفتاة بسبب الألفاظ التي تتعرض لها”، هذا ما قاله الدكتور حامد الهادي، أستاذ علم الاجتماع، في إحدى مقابلاته. وعلى الأغلب، فذلك متفقاً عليه من قبل النساء في المجتمعات العربية. ولكن يبدو أنه غير مألوفاً لدى شريحة كبيرة من الفئة الأخرى في المجتمع. إذ يشعر بعض الرجال أن ملكيّة الأماكن العامة والشوارع تعود لهم، وبالتالي كل ما فيها مباح.

على الرغم من قلّة الدراسات الصريحة عن نسب التحرش اللفظي، وحتى الجسدي، الذي تواجهه النساء في العالم العربي، لما في ذاك من ضعف القطاع البحثي المرتبط بقضاياهن، كما والتزام الصمت حيال قضايا التحرش وغياب محاسبة المتحرشين، هذا عدا عن ارتباط “العار” بالاعتداء والتحرش. إلا أن المعلومات المتوفرة تجزم بأن الإساءات التي تتعرض لها المرأة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا تفوق شيوعاً تلك التي تعانيها النساء في بلدان أخرى.

وعليه، قام موقع “شريكة ولكن” بسؤال سيدات من مختلف دول العالم العربي عن الألفاظ التي يسمعونها في الطرقات وفي المواصلات والأماكن العامة، والتي تكون في معظمها شديدة الوقع عليهن تماماً كما التحرش الجسدي.

مصر: تحرش مستمر وغياب الشكاوى

قام المركز المصري لحقوق المرأة بإحصاء من خلال عينة بحث كشفت أن أكثر أشكال التحرش شيوعاً هو التحرش اللفظي، وذلك بنسبة 67%. إلا أن 12% فقط من المعتدى عليهن تلجأن للتبليغ أو الشكوى. وقد نص قانون العقوبات المصري في المادتين 306 (أ) و306 (ب)، على معاقبة المتحرشين، مؤكداً إمكانية وصول عقوبة مرتكب جريمة التحرش إلى السجن لمدة تتراوح ما بين ستة أشهر إلى خمس سنوات، هذا بالإضافة إلى غرامة قد تصل إلى 50 ألف جنيه مصري، أي ما يعادل 2700 دولاراً أمريكياً تقريباً.

12% فقط من المعتدى عليهن تلجأن للتبليغ أو الشكوى

وفي تقرير أجرته هيئة الأمم المتحدة للمرأة في مصر في العام 2013، جاء فيه أن 99 في المائة من النساء اللواتي تمت مقابلتهن في سبع مناطق مختلفة، قد تعرّضن لأحد أنواع التحرّش الجنسي.

وتأتي هذه الأرقام لتؤكد ما أدلت به  النساء بشهادات لموقع “شريكة ولكن”. إذ قالت شيماء (24 سنة) أنه شبه استحالة أن تمرّ من جانب شابٍ بلا سماع ألفاظٍ عبثية، حتى أنه إذا ما أراد قول كلماتٍ فقد يكتفي بـ “إمممم”، إشارةً لوجوده. “أما عبارات: مزّة، يا عسل، يا بطل، فهي تتساوى مع كلمة صباح الخير في مصر”، تضيف شيماء ساخرة.

في المقابل تقول منى أنها إعتادت خلال تجوالها في الشوارع أن يتحرش بها أحدهم لفظياً عبر تشبيهها بإحدى الحيوانات كالـ “الجمل” أو “الفرس” إشارة لقوامها. إلا أنها تشعر بانتهاك خصوصيتها عندما يصف أحدهم تفاصيل جسدها. تقول إن إحدى العبارات التي سمعتها كانت “شفايفك عاوز أكلها”، و”صدرك حلو”. أو عبارة “مين اللي عمل فيكِ كده نفسي أبقى مكانه” التي سمعتها وهي حامل.

إلا أن التحرش اللفظي يقلّ، بحسب قول النساء اللواتي قمن بمقابلتهن، خلال شهر رمضان وخلال مواعيد الصلاة حيث يتم  إستبدالها بتعابيرٍ أخرى كـ “تعبتونا”، “ربنا ياخدك”، “إلهي يتحرق شعرك”، اعتباراً أن السيدات هن مصدر الفتنة والذنوب.

فلسطين: هل “التشويق” هو “التحرش”؟

على عكس القانون المصري، لم يصرّح قانون العقوبات الفلسطيني بتجريم فعل التحرش، إذ تعرّض له في المادة (167) فقط، متحدثاً عن “التشويق”. معرّفاً إياه على أنه: “أمور مخلة بالحياء بقول أو إيماء”. ومن تصدر عنه يعتبر أنه ارتكب جنحة ويعاقب بالحبس مدة شهر واحد، أو بغرامة قدرها 500 شيكل، أي ما يعادل 133 دولاراً أمريكياً.

وفي دراسة علمية شملت 200 عينة عشوائية من جامعتي “الأقصى والإسلامية” بغزة، بهدف التعرّف على آراء الطالبات حول موضوع التحرش اللفظي، تبيّن أن 92% من الفتيات تعرّضن للمعاكسات، و49.5% منهن اخترن الصمت.

92% من الفتيات تعرّضن للمعاكسات، و49.5% منهن اخترن الصمت.

تقول براء (30 سنة) أنها تسمع العديد من الألفاظ المسيئة في الأماكن العامة، معظمها ايحاءات جنسية ومشاهد خيالية يرسمها المتحرش في مخيلته،  والبعض الآخر مرتبط بجسدها الممتلئ. إذ تقول إن عبارة “قديش كيلو الكنافة” تتردد دائماً، إشارة إلى أنها ممتلئة.

تعتبر براء “إن التحرش اللفظي أسوأ من التحرش الجسدي في بعض الحالات، فقد سبّب لي العديد من الأضرار النفسية. خاصة فيما يتعلّق بشكلي الخارجي، فكّرت كثيراً للجوء إلى عمليات جراحية للتخسيس نتيجة المضايقات التي أتعرض لها”.

لبنان: هل نشاط الجمعيات يكفي؟

نشطت مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات المعنية بحقوق المرأة في الفترة الأخيرة لمناهضة العنف الممارس ضد المرأة، وكان للتحرش الجنسي، الغير مجرّم ولا معرّف قانونيًا، حصة بذلك. فكان منها حملة أطلقتها جمعية “كفى” تحت وسم #مكرورة، تجديداً للمطالبة بضرورة تجريم التحرش الجنسي وإقرار مشروع القانون الذي أحيل إلى مجلس النواب منذ آذار 2017، ولا يزال يقبع في الأدراج من دون المباشرة بتحويله إلى اللجان الخاصة لمناقشته. وكان هناك أيضًا نشاطات لكل من وزارة الدولة لشؤون المرأةو المؤسسة العربية للحريات والمساواة تحت وسم #التحرش_مش_غزل، وغيرها.

هناك حملة أطلقتها جمعية “كفى” تحت وسم #مكرورة، تجديداً للمطالبة بضرورة تجريم التحرش الجنسي وإقرار مشروع القانون الذي أحيل إلى مجلس النواب منذ آذار 2017

تعتبر مروى (24 سنة) أن التحرش اللفظي هو شكل من أشكال التفرقةالعنصرية وتضيف بأنه أشدّ وقعاً عليها، في كثير من الأحيان، من اللمس. كالمتحرشين الذين يصفون أعضائها التناسلية مثلاً، أو أولئك الذين يصفون مشهد جنسي على مسمعها. كذلك فإن بعض النظرات قد تكون بمثابة تحرش، هذا عدا عن الذي يضع يده على عضوه عندما يراها، أو ذلك الذي مارس الاستمناء إلى جانبها في النقل العام.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد