الموت يغيّب السينمائية والصحافية الثائرة جوسلين صعب

توفت الإثنين في 7 كانون الثاني 2019، السينمائية والصحافية اللبنانية جوسلين صعب (مواليد بيروت 30 أبريل/نيسان 1948) في باريس، عن عمر ناهز الـ 71 عاماً. وهي المشاكسة، المناضلة والثائرة، التي بقيت حتى سنواتها الأخيرة مقاومة بفنها، والتي قالت مراراً أنه “لا يمكن أن تهدأ”، لكن غيبها الموت بعد صراع أشهر مديدة مع مرض سرطاني.
كل من تسنى له وعرف جوسلين، أيقن حقاً أنها استثنائية، ففي شخصيتها جمعت بين الصحفية الحشرية والفنانة المبدعة والخارجة عن المألوف، طرحت بأعمالها أفكاراً تغييرية ومختلفة عما هو سائد، حوربت لأجل فكرها وفنها وجرأتها. وجسدت خير صورة عن المرأة الجريئة والمغامرة والقوية والمناصرة لحقوق الإنسان، ساندت في حياتها قضايا الشعوب وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
هي مخرجة لبنانية بدأت عملها كصحافية ميدانية، ناهضت الحرب وبقيت تناهض أثارها، لم يردعها خوف أو تهديد من أداء مهامها كصحافية ومناضلة، فجالت مع الرئيس الليبي معمر القذافي في الصحراء حين دعا الى “المسيرة الخضراء” في العالم 1973، واثر اصابة زميلها المصور في الفريق بطلق ناري أثناء تواجدهم في الصحراء على الحدود بين المغرب و الجزائر، استقبلها الرئيس الجزائري هواري بو مدين، كما رافقت أبو عمار على متن الباخرة التي أخرجت من بيروت الى اليونان وأجرت معه المقابلة في عرض البحر.
أكثر ما ميز جوسلين، أنها واحدة من رائدات السينما بخلفية صحافية، متنوعة في أشغالها، فهي من الجيل النسائي الأول الذي وقف خلف الكاميرا في لبنان ومن أول صانعات الأفلام اللبنانيات، عملت في الإذاعة والتلفزيون في لبنان وفرنسا، وبذلك مزجت بين الصحافة والفن، حيث كانت شاهدة على مأساة الحرب، وفي مختلف محطات حياتها من دون أن تخفي انحيازها للبنان والمقاومة.

لديها رصيد كبير من الأفلام الوثائقية والروائية، الطويلة والقصيرة، تناولت في صميمها قضايا المرأة في المجتمع العربي

لديها رصيد كبير من الأفلام الوثائقية والروائية، الطويلة والقصيرة، تناولت في صميمها قضايا المرأة في المجتمع العربي وصراعات لبنان مع اسرائيل وقضايا أخرى كثيرة. صورت أعمالها في مصر، إيران، فيتنام ولبنان. ومن أشهرها، “جنوب لبنان: قصة قرية تحت الحصار”، “كان يا ما كان بيروت”، “رسالة من بيروت”، “مصر، مدينة الموتى”، “شو عمبصير”، “لبنان في الدوامة” وما يزيد عن ثلاثين فيلم تسجيلي.
أما فيلم “دنيا” الذي أخرجته وتم انتاجه في مصر العام 2005، وشارك في بطولته الممثلة حنان الترك والفنان محمد منير، فقد أثار ضجة كبيرة حينذاك، بسبب جرأتها في تناول موضوع جد حساس وهو “ختان” النساء، وقد لاقى انتقاداً كبيراً، لاسيما من قبل الإخوان المسلمين في مصر، وقد تعرضت مع طاقم العمل للتهديد بسببه، في حين حازت على جوائز وتقدير كبير في قرطاج وميلان ومونتريال وغيرها من الدول.
وإثر انجازها فيلم “مصر، مدينة الموتى” أوقفت في مطار مصر، من دون أن تعرف سبب توقيفها أكان بسبب الفيلم نفسه، أم لأسباب أخرى تتعلق بقربها من يساريين والشيخ إمام أنذاك، ولكن توقيفها وسجنها لم يثنيها عن العمل بما تؤمن به.
وأثناء الحرب اللبنانية، عملت كمساعدة للمخرج الألماني فولكر شلوندورف، الذي قدم الى لبنان في مطلع ثمانينيات القرن الماضي.
وتنقلت بين الصحافة، كتابة السينما والإخراج، وفي سنواتها الأخيرة عملت في التصوير الفوتوغرافي، حيث التقطت العديد من الصور، عرض جزء منها في العام 2017، تحت عنوان “دولار واحد في اليوم”، وكان لها معارض صور فوتوغرافية كثيرة بين عامي 2006 و2017.

إسمي جوسلين صعب. على مدى 40 عاماً، أنجزت الأفلام: وثائقيات، أعمال قصيرة، طويلة. صورت في الصحراء، في مصر وإيران وفييتنام ولبنان

وفي العام 2014، أطلقت المهرجان السينمائي “المقاومة الثقافية” في لبنان، وكانت متحمسة جداً لهذه المبادرة. وهي التي تعتبر أن هذه الثقافة تقاوم الحروب وتحل مكانها الحوار وبالتالي تقديم بديل لثقافة العنف، لأنها تعتبر أن السينما أداة للتغيير. لاسيما أن هذه الفترة ترافقت مع انتشار مشاهد قتل وذبح كثيرة في منطقة الشرق الأوسط.
أثناء التحضير للمهرجان عرفت جوسلين عن نفسها قائلة: “اسمي جوسلين صعب. على مدى 40 عاماً، أنجزت الأفلام: وثائقيات، أعمال قصيرة، طويلة. صورت في الصحراء، في مصر وإيران وفييتنام ولبنان. بدأت كمراسلة حرب. شاهدت الحروب، بلداناً تحولت الى أنقاض، منها بلدي (..) كان بإمكاني أن أفشل. ولكن، ماذا لو نجحت؟
تجسد أعمال جوسلين، مسيرة نضال ونجاح لجيل صنع سينما مختلفة في لبنان، وهو ما حمل الباحثة الفرنسية ماتيلد روكسيل لإصدار كتاب بالفرنسية يحكي سيرة جوسلين بعنوان “جوسلين صعب، الذاكرة الجامحة” في العام 2015.
والجدير ذكره أن جوسلين كان لها الدور الأكبر في أرشفة السينما اللبنانية.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد