“أبشر” من العام نحو الخاص، كيف تتحول تكنولوجيا تواصليّة إلى سلطة؟

لم يأتِ وقع خبر تعيين الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود كأوّل امرأة سعوديّة سفيرة في الولايات المتحدّة الأميركيّة، كبارقة أمل للناشطات والناشطين في مجال حقوق الإنسان في المملكة العربيّة السعوديّة أو كبشرى سارّة نحو إلغاء أو ربما تعديل نظام “وليّ الأمر” كمكتسب حقّقته الحركة النسويّة في المملكة أو كتطبيق للهدف الخامس من أهداف التنميّة المستدامة، أيّ تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات بحلول العام 2030 للإلتحاق بتطورات مجتمعيّة عالميّة حصلت منذ زمن لا بأس به.
في حين تُعرف السفيرة-الأميرة بثقافتها الوافرة ودعمها لقضايا حقوق المرأة السعوديّة كما بعملها في ريادة الأعمال وأصبحت أوّل امرأة تترأس الإتّحاد السعودي للرياضة المجتمعيّة إضافةً إلى مناصب حكوميّة مختلفة. غير أنها من المحظيات القليلات في مجتمع ذكوريّ-سلطويّ لا يسمح للمرأة بالحريّة سوى ضمن عباءته التي حيكت أطرافها لتناسب البعض القليل وتسمح لهن بالتعبير ضمن حدود الفضاءات العامّة حينًا والخاصّة أحيانًا.

أن هذا التعيين لا يعني الكشف عن مصير معتقلات وناشطات أمثال المدوّنة إيمان النفجان، لجين الهذلول والكثيرات من اللواتي تجرأن على التعبير في وجه وصيّ

وربما الحريّ بنا التذكير أن هذا التعيين لا يعني الكشف عن مصير معتقلات وناشطات أمثال المدوّنة إيمان النفجان، لجين الهذلول والكثيرات من اللواتي تجرأن على التعبير في وجه وصيّ وصانع قرار يرسم ويخطط لمستقبل ورؤية جديدة عنوانها التطور عبر مواكبة الريادة في الأعمال من خلال اقتصاد رقميّ، حوكمة إلكترونيّة، تطوير قطاع الإتّصالات التواصل بين الشعوب وصولًا إلى تطبيق رؤيّة 2030 ومنها برنامج جودة الحياة 2020 الذي يهدف إلى ”تطوير أنماط الحياة من خلال تفعيل مشاركة الأفراد في الأنشطة الترفيهية والرياضية والثقافية”.
هذا الوصيّ يُبقي أنظمة حكم غابرة ويحميها تحت شعار التقاليد والأعراف لمجرد إخضاع المرأة والسيّطرة عليها كما الحدّ من قدرتها ونموّها النفسي والمجتمعيّ.
ونقرأ ونتابع عبر عالم الشبكات الرقميّة عن قصّص فتيات وسيدات لم تسنح لهن الفرصة بكسر السقف الزجاجيّ: تهرب رهف القنون وتطلب اللجوء إلى كندا، ولم يزل مصير الأختين ريم وروان (إسمان مستعاران) مجهولًا بعد أن تمكنتا من الهرب خلال رحلة عائليّة إلى سريلانكا وهما حاليًا في هونغ كونغ وكلّ ما ترغبان به هو الحريّة.
فكيف يمكن لدولة أن تتقدم وتستمرّ في ظلّ لا مساواة بين مواطنيها بالدرجة الأولى وبالدرجة الثانيّة لا إعتراف فعليّ بقدرة مواطناتها على التحرّر ببلوغهن سنّ الرشد القانونيّة دون وصاية رجل؟ وهل من قاسم مشترك بين الطبقات الإجتماعيّة في المملكة أيّ بين أميرة ومواطنة عاديّة سنحت لها الفرصة أن تحظى بقدرة إستعمال الهاتف الذكي للتواصل مع العالم؟

عندما تتنقل أيّ امرأة سواء كانت راشدة أم لا من المملكة لتعبر نقطة حدوديّة مثل المطار يصل تنبيه كرسالة نصيّة قصيرة إلى الوصي تعلن عن ما حصل، وله بالتالي السلطة بالسماح أو بالمنع

يرى عالم الاجتماع الألماني يورغن هابرماس أنه يتمّ بناء “المعنى” في المجتمع من خلال عمليّة التواصل؛ فلو أخذنا مثال على ذلك فكرة الإرشادات المعرفيّة التي قد تقدمها الشبكة العنكبوتيّة أو تطبيقات الهواتف الذكيّة إن تمّ ربطها بالخدمات التي تقدمها الدولة، هي توفر محتوى تواصلي هادف من الحكومات نحو للأفراد والمؤسّسات ضمن المجال العام. وكنتيجة حتميّة، تصبح هذه الشبكة صلة وصل لتقديم المعلومات وتبادلها مع وجهات نظر المستخدمات كما المستخدمين في عمليّة ديموقراطيّة-تمثيليّة للسلطة حيث تتجلى هذه الديموقراطيّة في القدرة على تعبير قيم وإهتمامات الأفراد من خلال شبكة الإتّصالات. وبالعودة إلى بناء المعنى ، تحمل كلمة “أبشر” معاني إيجابيّة تدعو للأمل عند الحائر، كأنها جرعة أمل لمن يبحث عن الأخبار السارّة، كمفاتيح حلول تبشر خيرًا عند النفس الهنيّة الراضيّة.

أبشر في خدمة نظام الولاية

أما في عالم التحولات الرقميّة والهواتف الذكيّة وشبكة الاتصالات، تحوي منصّة تطبيق “أبشرAbsher-” نحو 160 خدمة للمقيمات والمقيمين في المملكة العربيّة السعوديّة، نذكر منها إصدار جواز السفر إلكترونيًا وتجديده، إصدار إقامة، التبليغ عن غياب العمالة المنزليّة، تجديد رخصة القيادة، دفع الغرامات…إلخ، كلّها تعد المواطنين في المملكة بتوفير وقتهم ومجهودهم. ولدى مراجعتنا التطبيق، رأينا أن الكثير من الوظائف والخدمات مفيدة ومشابهة للكثير من البوابات الحكوميّة الإلكترونية في العديد من الدوّل التي تُفعّل الحوكمة عبر استخدام تكنولوجيا المعلومات والإتصالات في الإدارات العامّة. ويقدم التطبيق أيضًا خدمة نظام الولاية، فيمكن للرجال السعوديين أيضًا استخدام هذا الموقع لتحديد إن، متى، وأين يسمح للنساء بالسفر او إلغاء مفاعيل التصريح بمجرد نقرة عبر مفتاح الإعدادات. ويتوفر التطبيق عبر متجريّ تطبيقات Google Play وآبل Apple.
ماذا يعني ذلك؟ عندما تتنقل أيّ امرأة سواء كانت راشدة أم لا من المملكة لتعبر نقطة حدوديّة مثل المطار يصل تنبيه كرسالة نصيّة قصيرة إلى الوصي تعلن عن ما حصل، وله بالتالي السلطة بالسماح أو بالمنع عبر مراقبة مسارها الرقميّ وبياناتها التي تملكها الدولة. وهكذا يصبح أصحاب هذا التطبيق ممتلكين لإمتيازات خدماتيّة-سلطويّة وعلم منحاز تستعمله مجموعات وينتشر ضمن هيكليّة شبكة سياسية-إداريّة بإمتياز.
جاءت ردود الفعل مؤيّدة لما يحصل مبررة أن القانون والأعراف السعوديّة هي التي تطبق مدافعة عن التطبيق عبر شعارات وهاشتاغ #انا_ادعم_تطبيق_ابشر باللّغة العربيّة وآخر #i_support_ABSHER باللّغة الإنكليزيّة. فيما طالبت منظمات دوليّة، ناشطات ونشطاء بوقف هذه الخدمة كونها مسيئة للمرأة ومبنيّة على مبدأ التمييز القائم على النوع الإجتماعيّ، وتحدّ من حريّة النساء ومنافية لقاعدة حريّة الحركة ضمن المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تضمن التالي: “لكلّ فرد حريّة التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة”، و”يحقّ لكلّ فرد أن يغادر أيّة بلاد بما في ذلك بلده كما يحقّ له العودة إليها”.
في العام 2018 وخلال لقاء حواري على هامش قمّة دافوس الإقتصاديّةـ حول المملكة أعلنت الأميرة ريما مدافعة عن السياسة الداخليّة، أنه هنالك نوع من المجهود يبذله المجتمع الدوليّ لمنعهن من تشكيل سرديّات خاّصة بالمملكة وتوقفت لتسأل محاورتها لماذا؟ وقالت: “هل يعود ذلك لأننا في الشرق الأوسط وهذا التاريخ غير ملائم للقيم التي لديكم؟ أرجو أن تفهموا أن قيمنا مختلفة، هي ليست خاطئة أو صحيحة. هي مختلفة ويجب احترامها كما هي…”.

كيف يمكن لدولة أن تتقدم وتستمرّ في ظلّ لا مساواة بين مواطنيها بالدرجة الأولى وبالدرجة الثانيّة لا إعتراف فعليّ بقدرة مواطناتها على التحرّر

بهذا حددت الأميرة أن المملكة شأن خاص ومختلف لذا نرجو أن تتركونا وشأننا! ونقتبس شعار الحركة النسويّة الثانية الذي أصبح اليوم فعلًا نظريّة “الخاص هو سياسيّ” حيث تختلط الحياة السياسيّة مع الخاص، ومع خطورة تسييس هذه الحياة لتصبح خاصّة للغاية؛ فيتحول الخاص إلى شأن دوليّ والشأن الدوليّ خاص جدًا بالحركات النسويّة كجزء من منظومة العمل السياسيّ وجزء من النشاط المناهض للقمع وجزء من حركة رقميّة عالميّة قد تنبهت لها دول المنطقة بعد العام 2011 أو ما يعرف باسم الربيع العربي، كما ما تلقفته خوارزميات شركات الخدمات الإلكترونيّة العالميّة الرأسماليّة.
للتذكير هذا العلم ليس بمحايد وهذه الحركات النسويّة رغم قمعها هي أعمدة يجب أن نتلقفها نساءً ورجالًا لنبشر مستقبلًا عادلًا لنا جميعًا.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد