تعديل قانوني ينقذ النساء من ضريبة أمومة إضافية

بعد توقيع فخامة الرئيس العماد ميشال عون على قانون الموازنة العامة ونشره في الجريدة الرسمية بتاريخ ٣١/٧/٢٠١٩، ظهرت خطوة مهمة نحو تعزيز العمل على تمكين المرأة الإقتصادي من خلال المادة ٥٦ والتي أعفت دور الحضانة المرخّص لها بالعمل من الضريبة على القيمة المضافة والتي كانت لتفرض رسومًا بمفعول رجعي على قطاع لطالما اعتبر خدماتيًا ليأتي التعديل ويقرّه رعائيًا تربويًا. وقد كاد غياب هذه المادة ان يسبب أزمة للعائلات وللأمهات العاملات بشكل خاص لما لفرض الضريبة من تداعيات على زيادة أقساط الحضانات وعلى الحدّ من قدرات النساء الأمهات على العودة الى العمل بعد الولادة وعلى الإستمرار في العمل. هذه الخطوة ترتبطت أيضًا بأهميّة وجود وتمكين النساء في القيادة والسياسية، إذ أن تعديل هذه المادة في اللجان النيابية ما كان ليتمّ لولا جهود كل من رئيسة نقابة أصحاب الحضانات السيدة هناء جوجو والنائب رولا الطبش التي حملت الملفّ إلى داخل المجلس التشريعي. وهنا تظهر أهمية وجود النساء في مراكز صنع القرار كالنقابات والبرلمان.

 

أين تكمن أهمية ذلك وما علاقة دور الحضانة بتعزيز التمكين الاقتصادي؟

يحتل لبنان المركز ١٣٩ بين ١٤٩ دولة على صعيد المشاركة في القوى العاملة وفقا لتقرير المنتدى الدولي للفجوة بين الجنسين للعام ٢٠١٨ (WEF Gender Gap Report 2019) بنسبة ٢٦٪ لدى الاناث مقارنة ب ٧٦٪ لدى الذكور.

ان زيادة القوى العاملة النسائية بمعدل ٢٥٪ يمكنها ان ترفع معدل الناتج المحلي الاجمالي الى نسبة قد تصل الى٩٪ حسب دراسة صندوق النقد الدولي، وكذلك اثبتت الدراسات ان المرأة العاملة تستثمر ٩٠٪ مما تكسبه في تعليم أبنائها وصحتهم وتنمية اسرتها.

تواجه المرأة العديد من الحواجز التي تعيق عملها المدفوع الأجر. فإضافة الى الاجحاف القانوني المتمثل بالتمييز في بعض القوانين كقانون الضمان الإجتماعي، قانون العمل، وقانون الأحوال الشخصية وعدم إقرار قانون للحماية من التحرش الجنسي في أماكن العمل والأماكن العامة في مجلس النواب بالرغم من إقراره في مجلس الوزراء عام ٢٠١٧، تواجه المرأة حواجز ثقافية واجتماعية وخدماتية عديدة أخرى. فالأدوار النمطية وعمل المرأة الرعائي غير المدفوع الأجر، تتزامن مع قلة الموارد وصعوبة الوصول اليها. ان زيادة رسوم ضرائبية على الحضانات كان سيؤدي الى رفع الأقساط وتعذّر الاستفادة من خدماتها من قبل عدد أكبر من النساء خاصة في غياب وجود حضانات رسمية او سياسة حكومية بهذا الشأن. وهذا بدوره كان سيدفع العديد من الأمهات الى ترك عملهن من أجل رعاية أطفالهن أو اللجوء الى حضانات غير مرخصة أو ذات جودة منخفضة مما سينعكس سلبًا على المرأة والطفل ويرتّب كلفة باهظة على الأسر وعلى الإقتصاد والمجتمع.

وهنا تبرز أهمية السياسات التي ترتكز على تعزيز وتحفيز مشاركة المرأة في سوق العمل وأثرها الاقتصادي على المستوى الوطني. فليست الضرائب وحدها التي تؤمّن الوفر المالي انما إصلاح السياسات وإعتماد سياسات تنموية ملائمة من أجل تحقيق الاستفادة القصوى من “مواهب” السكان كافة.

ففي البلدان الاسكندينافية كالنروج مثلًا، اثبتت خطط رعاية الأطفال الميسرة واجازات الرعاية “الوالدية” نجاحها في تمكين الوالدين من العمل. كما اختار الرئيس الأميريكي السابق باراك أوباما أن يجعل من التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة واحدة من أولويات إدارته لما يتمتع التعليم به من فوائد بما في ذلك نتائج طويلة الأجل وأفضل وأكثر إنصافًا للأطفال من خلفيات اقتصادية متباينة. علاوة على ذلك، تساعد الاستثمارات في هذه البرامج على تنمية القوى العاملة في المستقبل وتأمين القدرة التنافسية الاقتصادية على المدى الطويل وتطوير قادة المستقبل. ونظرًا للمساهمات الهائلة التي تقدمها المرأة العاملة لنمو الاقتصاد، فإن الاستثمار في هذه الخطط مجدٍ على المديين المتوسط والبعيد كما أظهرت تجربة الأردن أيضًا.

في النهاية، لا بدّ من التشديد على أن اتاحة الفرص للفتيات والنساء للتعلم، والعمل والمشاركة في صناعة القرار ليس التصرف الصحيح الواجب فحسب، بل هو كفيل كذلك بتحويل الاقتصادات والمجتمعات وتطورها وتحقيق التنمية المستدامة. ومع ازدياد الوعي العام جول حقوق النساء وقضاياهن، حان الوقت لتكثيف الجهود من أجل دعمهن ومساندتهن في سعيهنّ للجمع ما بين عملهن الرعائي والأمومي وما بين عملهن المدفوع الأجر.

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد