قضايا النساء في ثورة لبنان… صرخات تعانق الوطن

“أولادي من رحمي منحهن الجنسية حق مش رحمة”، “الحرية أنثى، ما تنسوا الأم اللبنانية بالجنسية”، “لو كانت أمي أجنبية كانت منحتني الجنسية”، شعارات لا تبعد عن بعضها خطوات، مكتوبة في لافتات ي/ترفعها متظاهرون/ات، في ساحات الثورة في مختلف المناطق اللبنانية، وتعانق في الوقت عينه شعارات الحرية والثورة على الفساد.

هذا المرة صوت النساء لم يكن يصدح وحده في الساحات، بل صدح بصوت الأطفال والطفلات، وبصوت الشباب والشابات، المؤمنين/ات بأن أي ثورة تستثني حقوق النساء ساقطة لا محالة.

النساء لم يكسرن الصورة النمطية!

حول الحسناوات في لبنان كُتِبَ الكثير، وحول جمالهنّ أيضا كُتِبَ الكثير، في ذكورية لم تستطع أن ترى في الثورة أكثر من شكل النساء وأجسادهنّ، صورة نمطية موجودة فقط في عقول كبّلتها الذكورية، لأنّ ما كشفت عنه الساحات حول الوعي بحقوق النساء وقدرتهن على التغيير عند مشاركتهن هموم الوطن وشجونه، فاقت كل التوقعات، فالنساء لم يكسرن الصورة النمطية فقط بل قلبنّها رأسا على عقب، وأثبتنّ جدارتهنّ في الشراكة الفعلية في الوطن وفي رسم حاضره ومستقبله.

ولكن كيف ستنعكس هذه الشراكة على حقوق النساء في الوطن الثائر؟

لم تعد حقوق النساء التي رفعت بقوة في الساحات وحدها، بل ساندتها شعارات الثورة في دلالة واضحة على أن أي تغيير مبتور أو ناقص لن ينجح بإطفاء نار الثوار والثائرات، وأن الصورة إن لم تكن كاملة فلنْ تَكُنْ.

قضية الجنسية صرخة لافتة

من أبرز القضايا النسوية التي برزت بقوة قضية الأم اللبنانية المتزوجة من أجنبي وحرمانها من إعطاء الجنسية لأولادها، فشكلت الساحات هذه المرة فرصة لتوجيه الصوت بشكل مباشر للمجتمع اللبناني، ليسمعها بعيدا عن شاشات التلفزة ووسائل التواصل الاجتماعي، ويشعر بألم اللواتي يعانين كل يوم بفعل انتهاك الدستور اللبناني الذي يدعو إلى المساواة بين الرجل والمرأة، فشكّل صوتهنّ دعوة من أجل رفع الظلم عن الأمهات اللبنانيات وأولادهنّ”.
فالقضية ليست قضية المرأة وحدها فأولادها الذكور كما الإناث يحرمون من جنسيتهم ويعيشون في بلدهم مغتربين.

نجحت الثورة في تقريب المسافات فلحظنا أن القضية ماعادت تبرز بلسان أصحابها وصاحباتها، بل باتت على لسان كلّ ثائر، في تكافل صادق، كسر كذب الطبقة السياسية ووعودها الفارغة التي لم تثمر كل هذه السنوات سوى اقتراح قوانين توضع في الأدراج.

الحضانة وقصة باديا فحص التي التقت بعد 11 عاماً بابنها في تظاهرات النبطية

كما الجنسية حضرت قضية الحضانة، وحرمان الأمهات من أطفالهنّ فقط لأنهنّ قررن الإنفصال على أزواجهنّ، بشكل إنساني لافت جداً، حظي باهتمام وسائل الإعلام، والقصة روتها باديا فحص في النبطية والتي عبّرت عن مطالبها بعفوية عند نزولها  في بداية الثورة إلى الشارع ،فرفعت ورقة كرتونية كتبت فيها “بدي شوف ولدي”، ليسارع إثر ذلك، متظاهرون/ات إلى ترداد هذه العبارة، وعمدوا/ن إلى تمرير قصة بادية بين بعضهم/ن البعض، باحثين/ات عن ابنها في شوارع المدينة.

وفي ذلك الوقت، تلقت بادية تطمينات من المتظاهرين/ات حتى أمسكت فتاة صغيرة بيدها لتسحبها وهي تردد “لقيته لقيته” في إشارة إلى ابن السيدة.

وهذه اللحظة التي تروي بادية تفاصيلها فتقول “لأول مرة منذ 11 عاماً، أرى أمامي ابني بلحمه ودمه. سألته أتعرفني، فرد علي بنعم”.

لكن، لم تستطع السيدة اللبنانية قضاء وقت أطول مع ولدها بسبب حضور ابنة عمه التي وبخته بسبب لقائه مع والدته.

قصة بادية فتحت جروح لم ولن تلتئم، إلا بتحرير النساء من سلطة 15 قانون للأحوال الشخصية، أفضلهم لا يراعي أدنى حقوقها، وإقرار قانون مدني يستند إلى الاتفاقيات الدولية منهم اتفاقية “سيداو”، المعنية بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، خاصة فيما يخص عقد الزواج والطلاق والولاية والقوامة وحضانة الأطفال.

اللافتات التي عكست أصوات من يحملها في الشوارع، حافظت على حق النساء في الحضانة، فقرأنا “الفساد الفساد جوا  جوا العمامات”، وقرأنا تحايا وجّهت إلى الناشطة الراحلة نادين جوني التي قضت منذ فترة قصيرة في حادث سير، قبل أن تنتصر في قضية حضانة ابنها، فرحلت محرومة منه، وشكّلت صرختها مصدر قوة لكلّ امرأة خاصة في الطائفة الشيعية الممنوعة بفعل القوانين من ممارسة أمومتها.

قضايا النساء دخلت مرحلة جديدة

لم تعد قضايا النساء ثانوية، لم تعد على هامش جداول الأعمال، فالمرأة التي قطعت الطرقات بجسدها، والتي شكلت سداً يحمي الثورة وقوى مكافحة الشغب، المرأة التي رفعت الصوت ضد الظلم، واستيقظت باكرا مع أولادها لتنظيف الطرقات والاستعداد ليوم جديد في الثورة، المرأة التي أبت إلاّ أن تحمل مكبر الصوت وتهتف للوطن، المرأة التي شاهدها العالم ورصدها تغنى بقوتها وصلابتها، لطالما وستبقى حامية للوطن، حتى لو عانت من ظلمه.

 

 

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد